وزير العمل يهنئ القوات المسلحة والشعب المصري بذكرى 23 يوليو المجيدة    تنسيق الثانوية العامة 2025.. مؤشرات كليات الطب والهندسة    برلماني: "23 يوليو" نقطة تحول لبناء دولة العدالة الاجتماعية والاستقلال الوطني    رئيس الوزراء يتفقد موقع إنشاء المحطة النووية بالضبعة ويشيد بالتقدم المحقق    مصر تواصل استعداداتها للمشاركة في تقرير «جاهزية الأعمال 2026»    منها صناديق حكومية وهيئات، السيسي يصدق على قوانين ربط الموازنة بالسنة المالية الحالية    البورصة تربح 13 مليار جنيه في آخر جلسات الأسبوع    وزير البترول مع عدد من خبراء الاقتصاد: تأمين إمدادات الغاز على رأس أولوياتنا    وصلت 32.8 مليار دولار.. تحويلات المصريين بالخارج ترتفع 70% في 11 شهرا    محافظ الغربية يتابع أعمال إصلاح كورنيش طنطا: نتحرك بخطوات مدروسة    الهلال الأحمر الفلسطيني: المجاعة تطال الجميع بغزة والوفيات في تزايد    مجزرة مروعة في تل الهوى واستمرار الانسحاب الجزئي للاحتلال من دير البلح    الداخلية السورية: خروج العائلات من السويداء بشكل طارئ أمر مؤقت    مدبولي يجدد تأكيد دعم مصر جهود التوصل لوقف إطلاق النار بغزة ودخول المساعدات الإنسانية    مدير "جي إس إم للأبحاث": موسكو تعتبر مفاوضات إسطنبول "لعبة سياسية"    ارتفاع حصيلة العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة إلى 59 ألفا و219 شهيدا    سيراميكا كليوباترا يعلن التعاقد مع عمرو السولية    المغربي معالي يعلن انتقاله إلى الزمالك ويودع اتحاد طنجة    لاعب مصري جديد يوقع على عقد احترافي مع ليفربول    فتش عن الميراث، تجديد حبس سائق أشعل النيران في شقة شقيقه بأبو النمرس    قبة حرارية تغطي سماء مصر بدءًا من اليوم، الأرصاد تكشف التفاصيل    محمد ممدوح يكشف ذكرياته مع الثانوية العامة| فيديو    ثورة يوليو البيضاء وثورات العالم الحمراء!    ماذا يحدث للجسم عند تناول الحمص يوميا؟    أفضل الوسائل الطبيعية، للتخلص من دهون البطن في أسرع وقت    وزيرا الأوقاف والتربية والتعليم يوقعان بروتوكول تعاون لإطلاق حضانات تعليمية بالمساجد    تفاصيل الدورة ال 41 ل مهرجان الإسكندرية السينمائي.. تحمل اسم ليلى علوي    تقرير تونسي يكشف موعد انضمام علي معلول للصفاقسي    الحكومة: لا تحديات تعيق افتتاح المتحف المصرى الكبير والإعلان عن الموعد قريبا    الصحة: النسخة ال 3 لحملة حملة "100 يوم صحة" تستهدف مواجهة التوحد والإدمان    فيريرا يركز على الجوانب الفنية في مران الزمالك الصباحي    وفاة شخصين متأثرين بإصابتهما في حادث تصادم سيارتين بقنا    أسرة مريم الخامس أدبي تستقبل نتيجتها بالزغاريد في دمياط    6 أساتذة يفوزون بجوائز الدولة للرواد والتشجيعية والمرأة من جامعة القاهرة    تكتفي بالمراقبة أكثر من الكلام.. 5 أبراج يفضلون الصمت    الإفتاء توضح كيفية إتمام الصفوف في صلاة الجماعة    محفظ قرآن بقنا يهدي طالبة ثانوية عامة رحلة عمرة    أمين الفتوى: الشبكة جزء من المهر والأصل أن تعود للخاطب عند فسخ الخطبة    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : كم نتمنى ان نكون مثلكم ?!    ضبط 3695 قضية سرقة كهرباء خلال 24 ساعة    تعليم قنا تنظم ندوة تعريفية عن نظام «البكالوريا الجديدة»    أوباما ينتقد اتهامات ترامب "الغريبة" بشأن انتخابات 2016"    بعد إعلان نتيجة الثانوية العامة 2025.. 8 نصائح لطلاب الدور الثاني للتغلب على التوتر وزيادة التركيز    "الزراعي المصري" يحصد جائزة أفضل بنك في دعم التنمية الزراعية المستدامة لعام 2025    السيسي: مصر دار الأمن والاستقرار ولدينا 10 ملايين شخص من بلاد كثيرة    محافظ الفيوم يهنئ وزير الدفاع ورئيس الأركان بمناسبة ذكرى ثورة 23 يوليو    "الأعلى للإعلام" يُوقف مها الصغير ويحيلها للنيابة بتهمة التعدي على الملكية الفكرية    المصري وحش كاسر، توفيق عكاشة يوجه رسالة تحذير للمتطاولين على المصريين    اعتذاره مرفوض والأيام دول، سيد عبد الحفيظ يشن هجوما ناريا على وسام أبو علي (فيديو)    تجديد حبس طالب بتهمة قتل سيدة لسرقة أموالها بالشرقية    رئيس هيئة الرقابة الصحية من مطروح: تحقيق جودة الخدمات يعتمد بالأساس على تأهيل الكوادر البشرية (تفاصيل)    محمد عبد الحافظ ناصف مستشارًا للشؤون الفنية والثقافية بالهيئة العامة لقصور الثقافة    مرتضى منصور لحسن شحاتة: للأسف أنا مسافر ومنعزل عن العالم    خريطة حفلات مهرجان العلمين الجديدة بعد الافتتاح بصوت أنغام (مواعيد وأسعار التذاكر)    أسعار البيض اليوم الأربعاء 23 يوليو 2025    دار الإفتاء المصرية توضح حكم تشريح جثة الميت    الوداد يتحرك لضم يحيى عطية الله من سوتشي الروسي    خلال فترة التدريب.. مندوب نقل أموال ينهب ماكينات ATM بشبرا الخيمة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تخاريف الزعامة المزمنة
نشر في اليوم السابع يوم 12 - 07 - 2010

يقول ابن إياس فى كتابه التاريخى "بدائع الزهور فى وقائع الدهور": "إن حُمِّلَتْ الأنفس ما لا تطيق، أطلقت الألسن ما لا يليق"، وهذا ما وصلنا إليه ليس فقط فى كل مدينة عربية، كبيرة كانت أم متوسطة أو صغيرة، بل وأيضًا فى كفور ونجوع امتدت لتشمل العروبة كلها! فقد حُمِّلَتْ الأنفس ما لا يُطاق وما لا تطيق، وأطلقت الألسن ما يُعِِيب وما يُعاب، وقد يكون ذلك عن حق أو عن باطل، ولكن الحكم على ذلك يتوقف على موقف المرء من الوضع السائد بالتأييد والمطالبة بحق الزعيم فى حكم أبدى وبقاء الأوضاع على ما هى عليه الآن وكل آن، أو المعارضة والمطالبة بحق جدير بالاستحقاق، من يسكت عنه فهو علينا وليس منا.
وفى هذا أقتبس عن كاتبة عربية جزائرية جريئة هى (أحلام مستغانمى)، ومن روايتها "عابر سرير" ذات العنوان الذى سيقوم البعض بالغضب والثورة عليه، حيث تكتب لنا ضامة الوطن من مشارقه إلى مغاربه، لا فرق فيه بين مصرى وجزائرى، ولا بين يمنى وموريتاني، لتعبر عن الألم والمهانة والهزيمة والاستحقار التى مست كل إنسان يبغى ما يحق له فقط من كرامة، بدلاً من ألم ومهانة، ومن عزة، بدلاً من هزيمة واستحقار، وهما يمثلان جوهر النقاش:
جاء من يقول إنَّنى أُهِين وطنى أمام الغرباء، وأعطانى درساً فى الوطنية، ذلك أنّ الوطن وحده يملك حق إهانتك، وحق إسكاتك، وحق قتلك، وحق حبك على طريقته بكل تشوهاته العاطفية.
نعم، إن الزعامة المزمنة للوطن تحتفى يوميًا بتقنين الهزيمة والمهانة باستخدام الأحكام العرفية وبقوانين الطوارئ لصالحها الخاص، وفى الغالب تجد لهذا التعسف تبريرًا فيما يخترعه لها كبار رجالات النظام ليوجهه لنا وللعالم قبلنا، من وعن أخطار تتعرض لها البلاد، كل البلاد من المحيط إلى الخليج، وهذه الأخطار دائمًا ما تكون داخلية ذات انعكاسات خارجية- على مصالح الغرب الصديق بالطبع- وخارجية ذات انعكاسات داخلية، لتتشابك هذه الأخطار- أى كانت صورتها- معًا فى صورة مبهمة لا تفهمها مراكز الدراسات السياسية والاستراتيجية ولا تلك المخصصة قسرًا لما يسمى بموضوع "حقوق الإنسان" البالغ السذاجة، لتكون مقالات السادة فقهاء الزعامة المزمنة وعلماء الفتّة والفتنة المتخصصين، عدا عن كم هائل من نشطاء أصحاب تيارات سياسية، مبهمة تمامًا كالمشكلة، مع أن المشكلة فى أساسها بسيطة- فى حال تعاملها- كمرض للعصر العربى الحديث- مع ثلاثية الفقر والجهل والمرض المتفشية تحت رايتهم، وهو ما كانت قد وعدت به حال توليها السلطات، ولفترتين ليس لهما أن يمتدا ليشملا عمر شاب أربعينى فى بعض البلاد وخمسينى فى بلاد أخرى حماها الله وجزى أهل كل مصر منها كل صبر.
ولكن الزعامة تعاملت ومنذ توليها للعرش الرئاسي- الملكى الكريم مع العمل ولقمة العيش والمسكن والمدرسة وحتى مع ماء المجارى كأوهام رتبتها على شكل خطط خمسية أو عشرية وحتى للعشرين سنة القادمة، وما لم ينفذ فى القرن السابق سوف يجرى تنفيذه فى القرن الحالى أو التالى تحت رعاية أسرية كريمة لا تقبل أى شك، لنحتفى معها يوميًا بإهدار الأرض والموارد إن لم يكن بالفساد الإدارى فبالفشل الكلوى وبالسرطانات الشديدة الخُبث والناجمة عن معالجة الأرض بالسام والمسموم والتى تخلى عنها العالم المتحضر منذ عقود طويلة ليلتقطها رجالات أعمالنا والسماسرة الشطار (أصحاب يفط المبايعة فى كل الأسواق) وبأرخص الأسعار ليلقنونا درسًا فى تسميم البدن والأرض والمستقبل، أما الخالى من السام والمسموم من قوتنا اليومى فهو لعالم آخر لا نعرفه ولا ينتمى إلينا.
وهنا لا ننسى شبابنا العربى المشتت فى كل أركان الأرض، وهل هذا إلا علامات لهزائم لا لهزيمة لعقل الإنسان المفترض له أن يكون حاضرًا ومتحضرًا، وشاغلاً وشغَّالاً ومشغولاً بهموم الوطن؟ لأقتبس من (أحلام مستغانمى) مرة أخرى لأظهر ما وصلنا إليه من فشل، إذ تقول:
نتوارث ومنذ الأندلس فن تجميل الهزائم والجرائم بالتعايش اللغوى الفاخر معها وعندما نغتال رئيسًا نسمى مطارًا باسمه، وعندما نفقد مدينة نسمى باسمها شارعًا، وعندما نخسر وطنًا نطلق اسمه على فندق، وعندما نخنق فى الشعب صوته، ونسرق من جيبه قوته، نسمى باسمه جريدة.
ولكن إلى متى؟! إلى متى ستظل مهانة هذا المواطن الذى ضُحِى به فى بناء كل ما يقف على هذه الأرض من صروح ودروع ومعابد وأهرامات وسدود وقنوات تربط العالم ببعضه منذ بداية التاريخ إلى أن وصل هذا التعيس إلى حقبة الزعيم المزمن- رغمًا عنَّا– ليصبح هذا مزمنًا مع عدم تأكيد خلوده- برغم نهاية التأريخ لمن سبقه- من أبطال السيرة كعنترة بن شداد وسيف بن ذى يزن ... إلى متى؟
أوليس الحكم عقدا اجتماعيا بمعنى الاتفاق على الواجبات والحقوق بين المواطنين كافة لا فرق بينهم فى الدين أو العقيدة أو المذهب أو الجنس أو اللون أو الطبقة أو الثراء أو الفقر؟ أوليس هذا العقد الاجتماعى منظم لعلاقة نفترضها ليست غصبًا وغير جبرية أى غير قسرية بلى الذراع – كما نعيشها الآن؟ ونفترضها أيضًا قابلة للفصل فى أى وكل وقت بين الطرفين، ليصبح من أطراف العقد من هو بالحاكم ومن هو بالمحكوم، أو ليس الحاكم بهذا العقد فى خدمة المحكوم، لا العكس؟
وإلى متى نرى أن خدمة المحكوم تحولت من حق واجب إلى مكرمة وفى أحيان كثيرة إلى معجزة سنوية تلقى بها الزعامة المزمنة إليه متفضلة ومتعالية عليه فى المناسبات الخاصة كأعياد ميلادها وفى الاحتفالات بذكرى ما كان يسمى بأعياد العمال والثورات المتواترة وفى ذكرى حروب أصبحت لها تواريخ مقدسة. وهذه المكرمة الهدية أو المعجزة الزعامية هدف واحد لا أبًا له وهو إخماد نزعة مطالبة المحكوم - المسلوب الإرادة - بما هو حق له، وهى نزعة ولا شك كامنة فيه، ولكنها ليست مزمنة كالزعيم، أبرزها السابقون فى أشعار لهم، فهذا يقول: "لا تشتر العبد إلا والعصا معه"، والآخر يقول: "إن حاد عنها نلناه"... ترى أى القولين ينطبق على حالنا الآن؟
* أستاذ علوم سياسية بجامعة ونسبروك بالنمسا


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.