الصور الأولى لوعاء ضغط المفاعل النووي بمحطة الضبعة    الرئيس ينحاز للشعب ضد الخزائن المفتوحة!    قطاع الدراسات العليا بجامعة عين شمس ينظم ورشة عمل بالتعاون مع بنك المعرفة    وزارة التضامن تقر حل جمعيتين في محافظة الغربية    استقرار أسعار الذهب فى الكويت.. وعيار 24 يسجل 40.375 دينار    محافظ قنا يلتقي رؤساء المدن والقرى استعدادًا لعقد جلسات التشاور المجتمعي    بسبب تراجع الانتاج المحلى…ارتفاع جديد فى أسعار اللحوم بالأسواق والكيلو يتجاوز ال 500 جنيه    وزير الصناعة يؤكد ضرورة الالتزام بتفعيل قانون تفضيل المنتج المحلي بالمشتريات الحكومية    محافظ قنا يبحث مع «المصرية للتنمية الزراعية» دعم المزارعين    السياحة العالمية تستعد لانتعاشة تاريخية: 2.1 تريليون دولار إيرادات متوقعة في 2025    وزير الإسكان يستقبل محافظ بورسعيد لبحث استعدادت التعامل مع الأمطار    إيران تفرج عن ناقلة ترفع علم جزر مارشال    الدفاع الروسية: قواتنا استهدفت منشآت البنية التحتية للطاقة والسكك الحديدية    مجلس الشيوخ الأمريكي يوافق على قانون للإفراج عن ملفات إبستين    الفريق أحمد خليفة يعود إلى أرض الوطن عقب مشاركته فى فعاليات "دبى الدولى للطيران 2025"    جلوب سوكر 2025.. رونالدو ينافس بنزيما على جائزة الأفضل في الشرق الأوسط    قائمة الفائزين بجائزة الكاف لأفضل لاعب أفريقي منذ 1992    القادسية الكويتي: كهربا مستمر مع الفريق حتى نهاية الموسم    30 ألف مشجع يساندون الأهلي أمام شبيبة القبائل في دوري أبطال أفريقيا    الزمالك يستقر على موعد سفر فريق الكرة لجنوب أفريقيا    أحمد عيد يقترب من الأهلي رغم منافسة الزمالك    هشام يكن: أطالب حسام حسن بضم عبد الله السعيد.. وغير مقتنع بمحمد هاني ظهير أيمن    ضبط مخدرات وأسلحة ب 105 ملايين جنيه ومصرع 6 عناصر إجرامية فى مواجهات مع الشرطة    «الأرصاد»: تقلبات خريفية وانخفاض الحرارة تدريجيًا بداية من الأحد    24 ساعة مرور، ضبط 139 ألف مخالفة و98 حالة تعاطي مخدرات بين السائقين    مقتل 6 عناصر شديدى الخطورة وضبط مخدرات ب105 ملايين جنيه فى ضربة أمنية    ضبط أكثر من 7 ملايين جنيه فى حملات مكافحة الاتجار بالنقد الأجنبى    ضبط 3 متهمين بقتل شاب لخلافات بين عائلتين بقنا    مصرع 3 شباب في تصادم مروع بالشرقية    ياسمين رئيس تنضم لمسلسل «اسأل روحك» في رمضان 2026    نجاح كبير لمعرض رمسيس وذهب الفراعنة فى طوكيو وتزايد مطالب المد    كارثة طبيعية يُعيد اكتشاف كمال أبو رية بعد 40 عاما من مشواره الفني    تعرف على أهم أحكام الصلاة على الكرسي في المسجد    وكيل صحة البحر الأحمر يتفقد مستشفى الغردقة العام    «الصحة»: فيروس «ماربورج» ينتقل عبر «خفافيش الفاكهة».. ومصر خالية تماما منه    منال عوض تترأس الاجتماع ال23 لصندوق حماية البيئة وتستعرض موازنة 2026 وخطط دعم المشروعات البيئية    مهرجان مراكش السينمائى يكشف عن أعضاء لجنة تحكيم الدورة ال 22    صيانة عاجلة لقضبان السكة الحديد بشبرا الخيمة بعد تداول فيديوهات تُظهر تلفًا    مقتل 8 أشخاص جراء الفيضانات والانهيارات الأرضية في فيتنام    حريق هائل يلتهم أكثر من 170 مبنى جنوب غرب اليابان وإجلاء 180 شخصا    أفضل مشروبات طبيعية لرفع المناعة للأسرة، وصفات بسيطة تعزز الصحة طوال العام    ندوات تدريبية لتصحيح المفاهيم وحل المشكلات السلوكية للطلاب بمدارس سيناء    هنا الزاهد توجه رسالة دعم لصديقها الفنان تامر حسني    «اليعسوب» يعرض لأول مرة في الشرق الأوسط ضمن مهرجان القاهرة السينمائي.. اليوم    أبناء القبائل: دعم كامل لقواتنا المسلحة    إطلاق أول برنامج دولي معتمد لتأهيل مسؤولي التسويق العقاري في مصر    جيمس يشارك لأول مرة هذا الموسم ويقود ليكرز للفوز أمام جاز    وزير الري يؤكد استعداد مصر للتعاون مع فرنسا في تحلية المياه لأغراض الزراعة    صحة البحر الأحمر تنظم قافلة طبية مجانية شاملة بقرية النصر بسفاجا لمدة يومين    المنتخبات المتأهلة إلى كأس العالم 2026 بعد صعود ثلاثي أمريكا الشمالية    مواقيت الصلاه اليوم الأربعاء 19نوفمبر 2025 فى المنيا    شهر جمادي الثاني وسر تسميته بهذا الاسم.. تعرف عليه    ما هي أكثر الأمراض النفسية انتشارًا بين الأطفال في مصر؟.. التفاصيل الكاملة عن الاضطرابات النفسية داخل مستشفيات الصحة النفسية    أبرزهم أحمد مجدي ومريم الخشت.. نجوم الفن يتألقون في العرض العالمي لفيلم «بنات الباشا»    آسر نجل الراحل محمد صبري: أعشق الزمالك.. وأتمنى أن أرى شقيقتي رولا أفضل مذيعة    دينا محمد صبري: كنت أريد لعب كرة القدم منذ صغري.. وكان حلم والدي أن أكون مهندسة    داعية: حديث "اغتنم خمسًا قبل خمس" رسالة ربانية لإدارة العمر والوقت(فيديو)    مواقيت الصلاه اليوم الثلاثاء 18نوفمبر 2025 فى المنيا....اعرف صلاتك    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مصر قصة حضارة.. مصر تحت الاحتلال العثمانى
نشر في الشروق الجديد يوم 31 - 01 - 2010


على اسم مصر التاريخ يقدر يقول ما شاء
أنا مصر عندى أحب وأجمل الأشياء
بحبها وهى مالكة الأرض شرق وغرب
وأحبها وهى مرمية جريحة حرب
بدأت بهذا المقتطع من كلمات شاعرنا الكبير صلاح جاهين من ملحمته الشعرية «على اسم مصر»، لأن موضوع اليوم يقدم مصر فى لحظة من لحظاتها «وهى مرمية جريحة حرب».
فى مثل هذا الأيام من أكثر من أربعمائة وثمانين عاما كانت القاهرة وضواحيها ساحة لقتال مشتعل بين أبناء البلد وفلول جيش المماليك من جانب وجيوش الاحتلال العثمانى من جانب آخر.
ففى الأسبوع الأخير من شهر يناير سنة 1517 ميلادية الموافق لبداية شهر محرم من سنة 923 ه، كانت مصر تعيش لحظة حرجة فى تاريخها، لحظة تحديد للمصير، وحسم لمستقبل البلاد. إنها لحظة امتدت آثارها لأربعة قرون طوال، بل إن بعض هذه الآثار مازلنا نعيشها إلى الآن.
نعود اليوم مرة أخرى إلى الأيام الأخيرة من عصر دولة المماليك الجراكسة فى مصر، واللحظات الأولى لسقوط البلاد فى قبضة الاحتلال العثمانى، لقد كانت سنتا 1516 و1517 سنتين من السنوات العصيبة فى التاريخ المصرى، سنتان شهدتا سقوط دولة المماليك الجراكسة وفقدان مصر لكيانها المستقل، ليبدأ عصر جديد من عصور التبعية لقوة خارجية صاعدة فى سماء المنطقة، فأصبحت مصر ولاية فى دولة كبرى مركزها استنبول على مضيق البسفور، وبعد أن استمرت القاهرة لعدة قرون المركز الحضارى والسياسى الأول فى المشرق العربى والإسلامى، ذوت لتصبح مجرد عاصمة لولاية يديرها باشا مبعوث من قبل السلطان العثمانى.
سنتان كانتا مليئتين بالحوادث والوقائع فقدت فيهما دولة المماليك اثنين من سلاطينها على يد عدو خارجى، وسقط فيهما آلاف من القتلى من المماليك ومن أبناء الشعب، وغادر مصر لسنوات عدد من أمهر صناعها وحرفيها ومبدعيها، علاوة على عدد من شيوخها وفقهائها ومفكريها، ليبدأ عصر ظلام وجمود طويل فى تاريخ مصر.
لقد كان وقع الكارثة فادحا على وجدان المصريين فوصف المؤرخ المصرى محمد بن أحمد بن إياس الغزو العثمانى لمصر شعرا، فقال:
الله أكبر إنها لمصيبة وقعت بمصر ومالها مثل يرى
ولقد وقفت على تواريخ مضت لم يذكروا فيها بإعجاب ما جرى
وفى موضع آخر من تاريخه المعروف باسم «بدائع الزهور» فى وقائع الدهور يقول ابن إياس:
«ومن العجائب أن مصر صارت نيابة بعد أن كان سلطان مصر أعظم السلاطين فى سائر البلاد قاطبة.. ولكن ابن عثمان انتهك حرمة مصر، وما خرج منها حتى غنم أموالها وقتل أبطالها ويتم أطفالها وأسر رجالها وبدد أحوالها وأظهر أهوالها. وأشيع أن ابن عثمان خرج من مصر وبصحبته ألف جمل محملة ما بين ذهب وفضة، هذا خارجا عما غنمه من التحف والسلاح والصينى والنحاس المكفت والخيول والبغال والجمال وغير ذلك، حتى نقل منها الرخام الفاخر، وأخذ منها من كل شىء أحسنه، ما لا فرح به آباؤه ولا أجداده من قبله أبدا».
لكن ماذا كان تأثير الاحتلال العثمانى على مصر؟
لقد كان للاحتلال العثمانى لمصر تأثيرا سلبيا كبيرا على تطور البلاد، فعلى الرغم من أن مصر عرفت عبر تاريخها الطويل موجات وراء موجات من المستعمرين الأجانب، ورغم أن أوضاع البلاد فى أواخر عصر المماليك كانت متردية للغاية، إلا أن الأثر السلبى الخطير للاحتلال العثمانى لمصر والمشرق العربى عموما يكمن فى أمرين:
الأول: إنه قطع الطريق على التحولات الاجتماعية التى كانت أخذه فى التطور فى مصر، والتى كان يمكن أن تخرج البلاد من أزمتها التاريخية وتنتقل بها إلى عصر جديد، فأتى الاحتلال العثمانى ليجمد الوضع الاجتماعى لعدة قرون أخرى، وليستنزف فوق ذلك موارد مصر الاقتصادية لصالح الخزانة العثمانية.
أما مكمن الخطورة الثانى فكان التوقيت الذى احتل فيه العثمانيون مصر، فقد احتلوها فى لحظة كان العالم فيها يعيش فى مفترق طرق بين عصرين، وقد نجح الغرب فى كسر الحاجز والانتقال إلى عصر جديد، بينما بقى المشرق فى ظل الاحتلال العثمانى جامدا فى مكانه.
لكن ماذا كان موقف المصريين من الغزو العثمانى للبلاد؟
لقد كان أبناء الشعب المصرى محرومين من حقهم فى حمل السلاح للدفاع عن بلادهم منذ احتل الرومان مصر باستثناء لحظات نادرة مثل مواجهة حملة لويس التاسع على المنصورة وغارات القراصنة على الإسكندرية، ومن هنا فلم يكن الشعب مستعدا للمواجهة مع جيوش الاحتلال العثمانى بالقدر الكافى. ومع ذلك، فبمجرد تولى السلطان الأشرف طومان باى لعرش السلطنة فى رمضان سنة 922 هجرية 1516ميلادية عقب وصول الخبر بسقوط عمه السلطان الغورى قتيلا فى مرج دابق، دعى المصريين إلى حمل السلاح للدفاع عن وطنهم، وقد شاركوا بالفعل فى موقعة الريدانية، لكن قوة المدفعية والأسلحة النارية العثمانية كانت أكبر من قدرة الجيش المملوكى والمقاتلين المنضمين إليه من المصريين، فانتصر العثمانيون ودخلوا إلى القاهرة واستولوا عليها، ومع ذلك لم تتوقف المقاومة فسرعان ما جمع طومان باى فلول الجيش المملوكى وتجمع حوله أبناء البلد ليهاجموا قوات الاحتلال ويستردوا القاهرة من أيديهم مره أخرى، لكن لأيام معدودة عادت بعدها سيطرة العثمانيين.
وهذا هو ما يرويه لنا نص مقتطع من رسالة بعث بها السلطان العثمانى سليم الأول إلى نائبه فى الشام يبشره فيها بنجاحه فى الاستيلاء على القاهرة والقضاء على المقاومة فيها، قال سليم فى رسالته بعد أن روى انتصاره فى الريدانية على جيوش طومان باى:
«وكان قد فضل بقية من العساكر المصرية، فهربوا واجتمعوا هم والسلطان طومان باى وجمعوا العربان، والتموا نحو العشرة آلاف، ليلا من نهار الثلاثاء خامس شهر المحرم الحرام سنة ثلاث وعشرين وتسعمائة خفية، ودخلوا البيوت الحصينة، وحفروا حولها الخنادق، وستروا التساتير، واجتمعوا فى الحارات، وأظهروا الفساد، وأبرزوا العناد، فعلمت عساكرنا المنصورة بهم، فربطوا الخيالة لهم الطرقات، لئلا ينهزم أحد، وصاحت عليهم مماليكنا الإينكشارية والتفكجية، وحملت عليهم حملة رجل واحد، ودخلوا عليهم إلى البيوت التى تحصنوا فيها، ونقبوا عليهم البيوت يمينا وشمالا، وطلعوا على أسطحة تلك البيوت التى تحصنوا فيها ورموا عليهم بالبنادق والكفيات، واستمر الحرب بين عساكرنا المنصورة وبينهم ثلاثة أيام.. وفى هذه الثلاثة أيام يستمر القتال من الصبح إلى العشاء، وبعون الله تعالى قتلنا جميع الجراكسة، ومن انضم إليهم من العربان، وجعلنا دماءهم مسفوحة وأبدانهم مطروحة ونهب عساكرنا قماشهم وأثاثهم وديارهم وأموالهم، ثم صارت أبدانهم للهوام، أما طومان باى سلطانهم فما عرفنا هل هو مات أم بالحياة».
هذه هى رواية وقائع المقاومة فى القاهرة كما وردت على لسان المحتل العثمانى، وقد أقر فيها باستمرار المعركة ثلاثة أيام كاملة، فما هى الصورة كما قدمها الجانب المصرى، يقول ابن إياس فى وقائع شهر المحرم سنة 923ه:
«فلما كان ليلة الأربعاء خامس الشهر، بعد صلاة العشاء، لم يشعر ابن عثمان إلا وقد هجم عليه الأشرف طومان باى بالوطاق واحتاط به، فاضطربت أحوال ابن عثمان إلى الغاية، وظن أنه مأخوذ لا محالة.. واجتمع هناك الجم الغفير من الذعر وعياق بولاق من النواتية وغيرهم وصاروا يرجمون بالمقاليع وفيها الحجارة، واستمروا على ذلك إلى أن طلع النهار فلاقاهم الأمير علان الداودار الكبير من الناصرية عند الميدان الكبير فكان بين عسكر ابن عثمان وعسكر مصر هناك وقعة تشيب منها النواحى. واستمر السلطان طومان باى يتقع مع عسكر ابن عثمان ويقتل منهم فى كل يوم مالا يحصى عددهم، من يوم الأربعاء إلى يوم السبت طلوع الشمس ثامن المحرم».
لقد كانت هذه صورة من صور المقاومة المصرية لقوى الاحتلال الأجنبى، وعلى الرغم أن نتيجة هذه المعركة لم تكن فى صالح المصريين، إلا أن جذوة المقاومة ظلت كامنة فى النفوس لسنوات طويلة، لتعود مرة أخرى فتشتعل فى أواخر القرن الثامن عشر.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.