"الأمن السيبراني" في ورشة عمل بجامعة بنها الأهلية    الإجازات الرسمية في شهر مايو 2024.. وقائمة العطلات الرسمية لعام 2024    بالصور.. محافظ الوادي الجديد يزور كنيسة السيدة العذراء بالخارجة    بالصور.. محافظ الشرقية من مطرانية فاقوس: مصر منارة للإخاء والمحبة    محافظة الجيزة : دعم قطاع هضبة الأهرام بمنظومة طلمبات لتحسين ضخ المياه    25 مليون طن، زيادة إنتاج الخضراوات في مصر خلال 2023    خبير اقتصادي: الدولة تستهدف التحول إلى اللامركزية بضخ استثمارات في مختلف المحافظات    الاحتجاجات الطلابية المؤيدة لفلسطين تمتد إلى اليابان    ريال مدريد يقترب من حسم لقب الدوري الإسباني رسميًا بفوزه على قادش بثلاثة أهداف دون مقابل    إصابة 9 أشخاص خلال مشاجرة بالأسلحة النارية بمدينة إدفو    السعودية تصدر بيان هام بشأن تصاريح موسم الحج للمقيمين    لأول مرة، باليه أوبرا القاهرة يعرض "الجمال النائم"    خاص| زاهي حواس يكشف تفاصيل جديدة عن مشروع تبليط هرم منكاورع    وكيل صحة الشرقية يتفقد طب الأسرة بالروضة في الصالحية الجديدة    استشاري تغذية يقدم نصائح مهمة ل أكل الفسيخ والرنجة في شم النسيم (فيديو)    التعادل السلبي يحسم السوط الأول بين الخليج والطائي بالدوري السعودي    أمريكا والسفاح !    السفير الفلسطيني بتونس: دولتنا عنوان الحق والصمود في العالم    قرار عاجل بشأن المتهم بإنهاء حياة عامل دليفري المطرية |تفاصيل    السجن 10 سنوات ل 3 متهمين بالخطف والسرقة بالإكراه    غرق شاب في قرية سياحية بالساحل الشمالي    5 خطوات لاستخراج شهادة الميلاد إلكترونيا    "حريات الصحفيين" تثمّن تكريم "اليونسكو" للزملاء الفلسطينيين.. وتدين انحياز تصنيف "مراسلون بلا حدود" للكيان الصهيوني    شروط التقديم على شقق الإسكان الاجتماعي 2024.. والأوراق المطلوبة    صالون الأوبرا الثقافي يحتفل بيوم حرية الصحافة بمشاركة النقيب    رمضان عبد المعز يطالب بفرض وثيقة التأمين على الطلاق لحماية الأسرة المصرية    وزير الشباب يفتتح الملعب القانوني بنادي الرياضات البحرية في شرم الشيخ ..صور    رسميا .. مصر تشارك بأكبر بعثة في تاريخها بأولمبياد باريس 2024    بعد القضاء على البلهارسيا وفيروس سي.. مستشار الرئيس للصحة يزف بشرى للمصريين (فيديو)    دعاء تعطيل العنوسة للعزباء.. كلمات للخروج من المحن    إصابة 8 في انقلاب ميكروباص على صحراوي البحيرة    ميرال أشرف: الفوز ببطولة كأس مصر يعبر عن شخصية الأهلي    مفاجأة- علي جمعة: عبارة "لا حياء في الدين" خاطئة.. وهذا هو الصواب    لاعب تونسي سابق: إمام عاشور نقطة قوة الأهلي.. وعلى الترجي استغلال بطء محمد هاني    محمد يوسف ل«المصري اليوم» عن تقصير خالد بيبو: انظروا إلى كلوب    استعدادًا لفصل الصيف.. محافظ أسوان يوجه بالقضاء على ضعف وانقطاع المياه    استقبال 180 شكوى خلال شهر أبريل وحل 154 منها بنسبة 99.76% بالقليوبية    تشييع جنازة الإذاعي أحمد أبو السعود من مسجد السيدة نفيسة| صور    «الصحة» تعلن أماكن تواجد القوافل الطبية بالكنائس خلال احتفالات عيد القيامة بالمحافظات    بعد رحيله عن دورتموند، الوجهة المقبلة ل ماركو رويس    ما حكم أكل الفسيخ وتلوين البيض في يوم شم النسيم؟.. تعرف على رد الإفتاء    خريطة القوافل العلاجية التابعة لحياة كريمة خلال مايو الجارى بالبحر الأحمر    رويترز: قطر قد تغلق مكتب حماس كجزء من مراجعة وساطتها بالحرب    الانتهاء من 45 مشروعًا فى قرى وادى الصعايدة بأسوان ضمن "حياة كريمة"    الخارجية الروسية: تدريبات حلف الناتو تشير إلى استعداده ل "صراع محتمل" مع روسيا    ماريان جرجس تكتب: بين العيد والحدود    إيقاف حركة القطارات بين محطتى الحمام والعُميد بخط القباري مرسى مطروح مؤقتا    القوات المسلحة تهنئ الإخوة المسيحيين بمناسبة عيد القيامة المجيد    توريد 398618 طن قمح للصوامع والشون بالشرقية    المبادرة الوطنية لتطوير الصناعة "ابدأ" .. الليلة مع أسامة كمال في مساء dmc    أوكرانيا: ارتفاع قتلى الجيش الروسي إلى 473 ألفا و400 جندي منذ بدء العملية العسكرية    أبرزها متابعة استعدادات موسم الحج، حصاد وزارة السياحة والآثار خلال أسبوع    مستشار الرئيس للصحة: مصر في الطريق للقضاء على مسببات الإصابة بسرطان الكبد    مي سليم تروج لفيلمها الجديد «بنقدر ظروفك» مع أحمد الفيشاوي    هل بها شبهة ربا؟.. الإفتاء توضح حكم شراء سيارة بالتقسيط من البنك    برج «الحوت» تتضاعف حظوظه.. بشارات ل 5 أبراج فلكية اليوم السبت 4 مايو 2024    المطرب هيثم نبيل يكشف كواليس فيلم عيسى    هبة عبدالحفيظ تكتب: واقعة الدكتور حسام موافي.. هل "الجنيه غلب الكارنيه"؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مجدي حسين في رسالة محبسه : لا يوجد دولة في العالم تحكم من شخص يبلغ 90 عاما ومصر لا تستحق ذلك
نشر في مصر الجديدة يوم 14 - 08 - 2010

من جديد يطل علينا مجدي احمد حسين زعيم حزب العمل والمحبوس بتهمة العبور الى غزة بدون اذن السلطات المصرية برسالة جديدة ينتقد فيها الاوضاع المصرية برمتها ويدين الموقف المصري من قضايا حقوق الانسان التي اصبحت منتقدة من الجميع وكان اخرها مقتل خالد سعيد على اثنين من رجال الشرطة في الاسكندرية والذي تسبب في ادانة من الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي
ويتناول مجدي ايضا المستقبل السياسي لمصر في حالة ترشيح الرئيس مبارك نفسه لفترة رئاسية جديدة اذ انه في نهايتها يكون قد بلغ التسعين عاما .. والى نص الرسالة :
إنه لقول فصل وما هو بالهزل, مصر أصبحت أعجوبة الزمان، والأمر جد خطير ولا يحتمل الهزل. لقد أصبحت مصر أعجوبة الزمان فى الفشل لا النجاح، والإمعان فى الفشل بالنسبة لبلد بحجم ووزن وتاريخ وحضارة مصر يدخلنا التاريخ من أسوأ أبوابه، لقد أصبحت أحوالنا فضيحة يسير بها الركبان حتى فى صحف الغرب وأمريكا التى ترعى النظام المصرى وتعتبره ركنا أساسيا للحفاظ على مصالحها فى ما تسميه (منطقة الشرق الأوسط), ولعلهم بدأوا يخشون من تهاوى هذا النظام الصديق، إلى حد أنهم تدخلوا بصورة غير مسبوقة فى واقعة شهيد الإسكندرية (خالد سعيد), فلأول مرة فى تاريخ علاقة نظام مبارك فى الغرب، تصدر بيانات رسمية من الخارجية العسكرية الأمريكية والاتحاد الأوروبى تستنكر مقتل مواطن مصرى وتذكره بالاسم، ومن المؤسف أن النظام رغم رفضه لهذه البيانات فقد امتثل لها ولم يحبس اثنين من المخبرين إلا بعد صدور بيان الاتحاد الأوروبى، وليس بعد المظاهرات الحاشدة التى عمت القاهرة والإسكندرية وغيرها من المدن. وهو أمر ملفت للانتباه, لأن ضحايا النظام بالآلاف بين القتل والتعذيب والاعتقال وفقأ الأعين بطلقات الرش, وهذا لم يحرك ساكنا لدى الاتحاد الأوروبى أو الخارجية الأمريكية، وكذلك ليست هذه هى المرة الأولى التى يعذب فيها مواطن حتى الموت فى الطريق العام. ولكنه القلق على وضع النظام واستقراره وليس على حقوق الإنسان! ولا أقصد أن مصر أصبحت أعجوبة فى الفشل استنادا لهذه الواقعة, فهذه أحد مظاهر الفشل فى مجال الحريات وحقوق الإنسان فحسب، ولكن أعنى احتلال المراكز المتأخرة بين كافة دول العالم فى مختلف مؤشرات التنمية. وأن بلادا كانت بمستوانا أو أقل أصبحت لها كلمة نافذة فى إقليمها والعالم. بل وتقدم بعضها إلى المراكز الاقتصادية الأولى فى العالم, لا نتحدث عن بلد أو اثنين أو ثلاثة, ولكن عن 19 بلدا, ولا يأتى خلف مصر وهى فى المرتبة 120 أى بلد له حيثية تاريخية أو جغرافية, ففى العالم عشرات الدول بلا حيثية، كجزر صغيرة أو قطع صغيرة من الأرض والسكان وهى خارج الحسبة، وبالتالى فإن مصر فى المركز الأخير بلا منازع بين الدول المعتبرة والمعروفة والتى لها تاريخ وحيثية. وعندما يصل الإنسان إلى مرحلة الشيخوخة المتقدمة فإن أقصى نشاط يمكن أن يمارسه هو الانتقال إلى غرفة مجاورة داخل نفس البيت.

وقد أصبح هذا وضع مصر فى ظل نظام مبارك، فقد فقدت أى تأثير فى العالم الخارجى والمحيط بها، وهى لا تمارس قوتها إلا فى حصار قطاع غزة بالتعاون مع إسرائيل، فحتى ما تبقى للنظام من قوة يمارسها فى الغرفة المجاورة (التى كانت تحت إشراف مصر بين 1948- 1967) ولكن فى الشر!

ولكننى أريد التوقف اليوم عند أعجوبة الأعاجيب، والمتعلقة برأس النظام (حسنى مبارك) فسلامة الجسد من سلامة الرأس، وفى أى تجمع بشرى على مستوى نادى أو شركة فإن أول شرط من شروط نجاح هذا التجمع هو فلاح الرأس وصلاحه، وفى الحديث الشريف أنه إذا صلح الأمراء والعلماء صلحت الأمة وإذا فسدوا فسدت الأمة.
والصلاح والفساد معياران أوسع من مجرد الشائع حول الفساد المالى والمحسوبية, فهذان المعياران أو هو معيار واحد (الصلاح والفساد عكسه) يبدأ بالصلاحية، أى توفر الشروط بالحد الأدنى فى صلاحية القيادة لإدارة بلد بحجم ووزن وحضارة مصر.
ومصر الآن على أعتاب أعجوبة جديدة فإذا ترشح (حسنى مبارك) وهو أمر يبدو محسوما من مجريات الأحداث وإحداثيات الإعلام، إذا ترشح لفترة سادسة فستكون مصر هى البلد الوحيد فى العالم التى يحكمها حاكم فى التسعين من عمره، فعند نهاية الفترة السادسة سيكون قد بلغ 89 أو 90 عاما من عمره المديد. وإذا استمرت الأحوال على ما هو عليه فلماذا لا يحكم فترة سابعة حتى العام ال 96 من عمره إذا كان حيا؟ ولكن دعونا نتوقف عند الفترة السادسة ونجزم أنه لا يوجد حاكم فى نظام جمهورى على أرض البسيطة وعلى مدار الكرة الأرضية بلغ من العمر 89 أو 90 عاما.
قد يكون شيمون بيريز قريب من هذا السن, ولكنه رئيس بلا صلاحيات. وقد تكون هناك ملكة فى أوروبا الغربية قريبة من هذا السن (أو ملك) ولكنها بدون صلاحيات، والصلاحية الأساسية فى يد رئيس الوزراء المنتخب. (ملكة بريطانيا إليزابيث الثانية عمرها الآن 84 عاما ولكنها مجرد رمز بلا صلاحيات). والملفت للانتباه أن البشرية تتجه إلى سنة من سنن الله, والواردة فى القرآن الكريم، ولكنها توصلت إليها بالعقل والمنطق والممارسة العملية. ففى سورة الأحقاف نقرأ آية تتحدث عن الإنسان عموما وليس عن نبى أو رسول أو شخص محدد فتقول: (حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِى أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِى أَنْعَمْتَ عَلَى وَعَلَى وَالِدَى وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِى فِى ذُرِّيَّتِي) (الأحقاف: 15) وتشير الآية إلى أن ذروة النضج تبدأ فى سن الأربعين كقاعدة عامة، ولا شك أن الإنسان يقف عند هذه الذروة فترة من الزمن, ثم يبدأ فى الانحدار أولا من الناحية الجسمانية, وهو ما ينعكس بالضرورة على كفاءته فى الإدارة, ثم ينعكس بعد ذلك على قدرته العقلية التى تخبو بالتدريج، وتزيد مساحة انعدام الذاكرة، ويصبح الإنسان يذكر الأحداث القديمة ولا يتذكر ما حدث اليوم أو أمس. ثم يصل - والعياذ بالله - إلى مرحلة (لكى لا يعلم بعد علم شيئا)، وهو الفقدان الكامل للذاكرة والعقل. وهو ما يسمونه الآن (الزهايمر) وكأنه اكتشاف جديد!!
وبطبيعة الحال فإن عملية الصعود والهبوط الإنسانى تختلف من شخص لآخر بنسب متفاوتة، ولكن علماء النفس يؤكدون أن الشخص الأكثر ثقافة هو الذى لديه قدرات عقلية أكبر غذاها بالقراءة، والذى يملك ذاكرة أقوى فى الأصل، فإن استمرار عقله فى النشاط يكون لفترة أطول من الشخص الأقل ثقافة لأنه ينشط عقله من القراءة (خاصة قراءة الكتب) والقراءة نوع من تدريب العقل وإكسابه قدرات أكبر وتنشيط أكبر مع إنعاش مستمر للذاكرة (مخزن المعلومات). ورغم وجود هذا التفاوت إلا أن المتوسطات العامة تبقى كما هى، وقد تواضعت البشرية رغم ارتفاع متوسط العمر فى الغرب والشرق (آسيا) إلى حد أن المسنين وصلت نسبتهم فى بعض البلدان إلى 20% وهى نسبة مرشحة للزيادة، تواضعت البشرية رغم ذلك أن يكون سن التقاعد بين (60- 65)، أما فى مصر لأننا خارج سياق البشرية حاليا فقد اخترعنا المعاش المبكر الذى يبدأ من (50-55 عاما!!) لتصفية الإنتاج وتفكيك القلاع الصناعية!! وهو الأمر الذى طال قرابة المليون عامل! كذلك تم تخفيض سن التقاعد فى القوات المسلحة حتى وصل إلى الأربعينيات, وهذا يضر بقوة وصلابة القوات المسلحة. وقد كتبت ضد هذا القانون عند صدوره فى مجلس الشعب فى حينه. ولكننا فى موضوع عمر الحاكم فإننا نسير فى اتجاه عكسى!!
وإذا كانت البشرية قد تواضعت على أن سن التقاعد بين (60-65 عاما) فهذا إقرار عام بأن هذه هى فترة الهبوط كقاعدة عامة، وأنه يتعين تجديد دماء جهاز الدولة والهيئات العامة والشركات.. إلخ، وكما ذكرنا فإن الهبوط المؤكد هو فى الحالة الجسمانية, وهو ما ينعكس على قدرة الإنسان وطاقته المبذولة فى العمل، وهو ما ينعكس على تراجع قدرته على الإدارة. فالأمر يشمل الأعمال المكتبية واليدوية على السواء. ولا يعنى هذا أبدا هبوط القدرات العقلية بشكل كبير وفورى, بل فى الأغلب فإن من يتجاوز الستين يظل يتمتع بحيوية ذهنية بالإضافة للخبرات الثمينة التى اختزلها فى عقله. ولذلك عادة ما يتم الاستعانة بهؤلاء بما يتناسب مع هذه الحالة كمستشارين سواء فى عملهم السابق أو فى أى عمل مماثل.
ويتردد أن العمل السياسى ليس عملا وظيفيا, وأنه لا يعرف حكاية التقاعد والمعاش. والواقع أن العمل السياسى سواء فى الحكم أو المعارضة (خاصة فى الحكم) إذا أخذناه على محمل الجد، فإنه أكثر قسوة وصعوبة وأشد فى الأعباء من العمل الإدارى الوظيفى، فهو عملية خلق وإبداع, وتحتاج للعمل على مدار الساعة، ولا يعرف مسألة انتهاء الدوام وتوقيع الانصراف ظهرا أو عصرا والعودة للراحة فى البيت. وإذا كنا نتحدث عن وصول الإنسان إلى مرحلة التشبع وعدم القدرة على العطاء المتجدد فى إدارة حكومية أو فى إدارة شركة، فإن ذلك ينطبق من باب أولى على مسألة إدارة دولة, فالحاكم سواء فى دولة استبدادية أو ديمقراطية يتعين عليه دراسة العديد من الموضوعات والبت فيها فى مجالات شديدة التنوع, وبالتالى فحتى فى إدارته فهو بعيد عن العمل النمطى، والعمل النمطى أقل إجهادا للذهن. بل إنه يكون على مدار الساعة فى حالة مستمرة من الصراع بين تيارات وعناصر متعارضة يتعين عليه أن يتخذ موقفا متوازنا أو صحيحا بينها.
ولكن التجارب المعاصرة لم تتضمن النص الصريح فى دستور أو قانون على حد أقصى لعمر الحاكم فى النظام الجمهورى, ولكن الأعراف أصبحت مستقرة أن يتراوح سن الحكام بين 40-60 تقريبا, وقد يقل قليلا أو يزيد قليلا عن هذا الحد (أوباما يتولى وعمره 47 عاما، وبلير كان فى نهاية الثلاثينيات، وكلينتون كان فى الأربعينيات، وبوش الصغير حول أواخر الخمسينيات، ونتنياهو كان فى الأربعينيات فى بداية حكمه أول مرة، أردوجان فى الأربعينيات، وكذلك أحمدى نجاد)، ولكن دعنا نلقى نظرة على الحكمة الصينية فى هذا الصدد رغم أنها تحكم بنظام الحزب الواحد، ففى العقدين الماضيين، تم تجديد قيادة الدولة والحزب مرتين بصورة سلمية هادئة، وليس لخلاف فى السياسات، ولكن باستبعاد أصحاب السبعينيات والثمانينيات لصالح أصحاب الستينيات، وتم الأمر بمنتهى السهولة واليسر. وعندما تولى الرئيس الصينى الحالى جنتناو كان عمره 59 عاما، وهذا أصغر رئيس صينى منذ ماوتسى تونج، رغم أن الصين من بلاد المعمرين. ويجرى الحديث الآن عن تجديد قريب فى القيادة الصينية، والأمر لا يحتاج كثيرا من التفكير أو المناقشة لنعرف أن هذا هو التصرف الرشيد.
فالكفاءة الذهنية ترتبط طرديا مع الكفاءة الجسدية، والكفاءة الإدارية ترتبط طرديا بالاثنين معا.

بالإضافة لعنصر لا يقل أهمية وهو تجديد الدماء، وإضفاء مزيد من الحيوية على صناعة القرار، فالبشر ليسوا قوالب متماثلة، وكل حاكم جديد لديه جديد ويريد أن يقدم جديدا. وما ينطبق على الحاكم يسرى على الأطقم المساعدة له سواء من الحزب الحاكم أو الوزراء أو المساعدين. وفى الدول الناهضة جميعا ستجد هذا القانون يعمل، وستجد مطابخ صنع القرار تعج بالعاملين فى الثلاثينيات والأربعينيات من العمر.
وعندما يصبح حاكم مصر على مشارف التسعين فسيكون قد ابتعد عن ذروة النضج الذى حدده القرآن الكريم بنصف قرن. وسيكون بعيدا عن الحد الأقصى المتعارف عليه فى العالم (سبعين عاما على الأكثر) بعشرين سنة.
حالة التيبس هذه تشير إلى انحطاط فى الأداء السياسى والإدارى والاجتماعى، لذلك من الطبيعى أن تكون مصر فى المركز الأخير (120) وتكون تركيا فى المركز (17) وتكون ماليزيا فى المركز (10) وتكون الصين فى المركز الثانى وتتجه إلى الأول بثبات. خاصة وأن حاكمنا ليس رئيسا شرفيا بل هو رئيس كل شىء تقريبا (الحكومة - الشرطة - الجيش - القضاء - وعشرات اللجان الأخرى) بحكم الدستور وبحكم آلية الحكم الفردى التى جعلت حتى من البرلمان (مجلس الشعب) مجرد إدارة تابعة للرئاسة.

ورغم أن التجارب الديمقراطية الغربية والآسيوية لم تضع نصا دستوريا وقانونيا للحد الأقصى لسن الحاكم، إلا أنها عالجت احتمال أن يتولى الحكم شخص طاعن فى السن بتحديد فترة الرئاسة بدورتين، وهذا بطبيعة الحال غير متوفر لدينا, بل إن المادة 77 من الدستور التى تفتح فترات الرئاسة بلا حدود هى قدس أقداس النظام الذى لا يسمح لأحد بالاقتراب منه.
تبقى نقطتان يمكن أن تبررا وجود حاكم أبدى أو على مشارف التسعين، وهو أننا أمام حاكم فذ لا مثيل له، ومحبوب من 80 مليون مصرى ومصرية. وفيما يتعلق بهذه الأخيرة فإن الأرقام الرسمية لانتخابات الرئاسة تحدثت عن نسبة حضور 23%، والواقع أقل من ذلك بكثير (من 3-5%) كذلك فإن تزوير الانتخابات فى بلادنا من الحقائق التى لا يختلف عليها اثنان, ومن ضمن الارتباك فى التزوير جاءت أرقام الناجحين فى انتخابات الشورى الأخيرة أكبر من أرقام انتخابات الرئاسة الأخيرة! فحتى النظام لا يعلن رسميا أن الحاكم محبوب من 80 مليون مصرى ومصرية، بقيت إذن النقطة الأخيرة وهى أننا أمام حاكم فذ لا مثيل له فى الأولين ولا الآخرين. وهذه هى الحجة الوحيدة المنطقية - إن صحت - التى تبرر استمرار حاكم 36 سنة فى الحكم (بعد 6 كنائب!) حتى وإن بلغ التسعين. ولذلك فإن صفوت الشريف كان هو الإنسان المنطقى الوحيد فى البلاد عندما قال إن (مبارك أسطورة) وهو بالفعل لابد أن يكون أسطورة حتى يحكمنا حتى سن التسعين أو حتى المائة. ولكن هذا هو المنطق الشكلى وفقا لمعادلاته المعروفة:

إذا كان فلان أسطورة.. وإذا كان لا يوجد أسطورة غيره فى البلاد (إذن) من الواجب أن يحكمنا مدى الحياة بغض النظر عن مسألة السن ولكن لا أحد فى مصر - سوى صفوت الشريف وأقلية معه - هى التى تؤمن أن مبارك أسطورة!
الإصلاح والتغيير متمحور حول رأس النظام:
لذلك سواء رضينا أم أبينا، أحببنا أم كرهنا، شعرنا بالخوف أو تشجعنا، فإن أى حديث عن الإصلاح والتغيير مرهون برأس النظام المتحكم فى كل شىء، فمستوى العلاقات مع إسرائيل وأمريكا هو الذى يحددها وحده (لا شريك له) أى قرار داخلى مهم يرجع إليه وحده (لا شريك له).
وهو يرى أنه ليس فى الإمكان أبدع مما كان, وهذا أمر مفهوم لأنه يدافع عن 30 سنة من الحكم بينما كل العقلاء من مختلف التيارات والطبقات يرون أن أحوالنا سيئة للغاية، وأن مصر تعيش واحدة من أسوأ فترات تاريخها القديم أو المعاصر.
فلا إصلاح أو تغيير نحو الأفضل دون إعفاء أو عزل أو إقالة أو استقالة حسنى مبارك, فهو شخصيا العقبة الكؤود أمام أى استنهاض لأوضاع البلاد وإعادتها مرة أخرى لمجرى تاريخ البشرية, وأن من يتحدث عن الإصلاح أو التغيير دون أن يطرح ذلك فقد يكون خائفا، قد يكون مخطئا فى التكتيك، ولكنه لن يكون جادا ولن يكون ناجحا فى مسعاه. والملحوظ فى العامين الآخرين أن سقف حركة المعارضة (الأحزاب الرسمية مستبعدة من مفهوم المعارضة) قد هبط هبوطا شديدا، وتراجع عن شعار (لا للتمديد.. لا للتوريث) إلى السقف المعتاد الذى أكل عليه الدهر وشرب منذ 34 عاما (أى منذ عام 1976) وهو سقف المطالب الذى تمسكت به المعارضة من قبل: إلغاء حالة الطوارئ - تعديل بعض مواد الدستور.. إلخ, وهو ما لا يمكن تحقيقه فى ظل هذا النظام، لأن أى إصلاح ديمقراطى حقيقى سيعنى سقوطه. بل إن استمرار المعارضين فى طرح هذه المطالب يعطى مشروعية للنظام، ويعطى أملا فى إمكانية استجابته، وكأن 30 سنة خبرة لا تكفى!
بل وأكثر من ذلك فإن كثيرا من المعارضين ما يزالون يطالبون مبارك بكذا وكذا، والتدخل لحل مشكلة كذا، وكأنه ليس المتسبب فى كل هذا المشكلات، وكأنه ما يزال الأمل المرتجى والحصن الأخير.

يطالبونه مثلا بحل مشاكل نهر النيل مع دول الحوض، وكأنه ليس هو الذى استدار للعرب والمسلمين والأفارقة، ويمم وجهه شطر باريس وروما وواشنطن وتل أبيب.
ويشكرونه على تدخله فى فضيحة جزيرة آمون، وكأنه لا يعرف أن الوزير المغربى رجل أعمال ولا يجوز دستوريا أن يعينه وزيرا، هو وغيره من رجال الأعمال، وما جزيرة آمون إلا نقطة فى بحر الفساد الذى جاء من هذا الباب وحده, فهذا وزير الصحة يتعاقد مع مؤسسته الخاصة، وهذا الوزير يتعاقد مع نفسه، ومع زوجته وابن خالته، وبين آلاف المصائب عندما يمنع مبارك صفقة واحدة لأمر ما يلهج الجميع بالثناء عليه. المهم لقد عاد شعار "لا للتمديد" إلى الخلف ويكاد أن ينساه المعارضون، إلا بعض المخلصين فى "كفاية" وبعض الشباب وبعض نشطاء الإنترنت وحزب العمل وبعض اليساريين، أما الغالب فهو حديث عن ضمانات الانتخابات وترشيحات الرئاسة الافتراضية, وهذا ما يجعل معظم طاقات الحراك المعارض بدون هدف حقيقى وواقعى, فبلادنا لا توجد فيها انتخابات لا برلمانية ولا رئاسية, وقد أعلن النظام ذلك علنا بوسائل شتى, وليس بالتزوير الفاضح لانتخابات الشورى فحسب.
إن الحركة الوطنية لا تنتصر بدون هدف، وأن يكون الهدف صعبا ومليئا بالأشواك خير من السير بدون هدى, ومن طلب العلا سهر الليالى, ومن تطلع إلى قمم الجبال لا ينشغل بالحفر، وتحرير مصر من قبضة الطغيان والتبعية والفساد والظلم لن يكون بدون تضحيات.
لماذا هانت علينا أنفسنا؟ ولماذا هانت علينا مصر؟
لقد أذل القهر أعناق الرجال، إن كثيرا من المتصدرين لمشهد المعارضة يمارسون ذلك كوظيفة أو هواية فى إطار السقف المعروف (عدم الاقتراب من الإله أو الشرك به)، وأنه سيظل يعيش آمنا، ويظهر فى الفضائيات، بل ويظهر فى التلفزيون الحكومى!!
بل توصل النظام إلى وسائل مستقرة لإدارة المعارضة أو معظم أنشطتها، لذلك هو منزعج من شباب الإنترنت وحزب العمل باعتبارهم أبرز الخارجين عن السيناريوهات المسموح بها.
هذا قانون طبيعى، سنة من سنن الله فى خلقه، لن تتحرر أمة بدون تقديم تضحيات، فلماذا يتصور البعض أنه يمكن تحرير مصر، بينما المعارضة ترتدى الملابس الرسمية وتنام آمنة فى بيوتها. ولا أقصد بالتضحيات (السجون) فليس هذا إلا أحد أوجه التضحية، وليس بالضرورة أخطرها، بل قد يتحول دخول السجون والخروج منها إلى عملية روتينية محسوبة.
فهناك تهديدات نفسية واجتماعية أكثر هولا وتأثيرا من السجن.
أعلم أن التغيير فى مصر يكون أكثر هدوءا وأقل دموية من بلاد أخرى عديدة، ولكن مصر ليست خارجة عن سنن التغيير.
واستمرار الحال من المحال


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.