لا شىء عند الصحفى أجمل من نجاحه فى تغيير واقع ردئ.. ولا أغلى عند الصحيفة من إنجاز حملة تحرك المياه الراكدة، وتجبر المسئولين على الاستجابة خوفا من الرأى العام، هذا ما شعرنا به فى (المصرى اليوم) مؤخرا بعد النجاح الساحق فى حملة رى الزراعات والمحاصيل بمياه (المجارى) ففور البدء فى الحملة تحركت الدولة بجميع مستوياتها، بدءا بوزارتى الزراعة والرى مرورا برئيس الوزراء وانتهاءا برئيس الجمهورية.. الزراعة والرى شرعتا فى إعداد قانون لتجريم الرى بمياه الصرف الصحى ومكافحة التلوث، ورئيس الوزراء اجتمع بالوزارات المعنية، ويتابع إجراءات إزالة الزراعات المخالفة، ورئيس الجمهورية عقد اجتماعا وزاريا مصغرا لمناقشة الموقف.. وماذا بعد؟. هذا هو السؤال الذى طرحناه فى (المصرى اليوم) منذ بدء الحملة.. فحين جاء زميلنا النشط على زلط بالبذرة الأولى أيقن الجميع أن الأمر ينطوى على خطر حقيقى وداهم على صحة المصريين ، ورغم ذلك فإن القضية تمر- عادة- دون اهتمام من الحكومة.. لذا كان لابد أن نضع الدولة أمام مسئولياتها، عبر الاستقصاء بالوقائع والصور والوثائق ودون أى مبالغة وهو ما جعل (الحملة) شديدة التأثير والمصداقية وربما تكون المرة الأولى فى تاريخ الحملات الصحفية، التى تصدر فيها قرارات وقوانين وإجراءات دون نفى أو إنكار أى وقائع منشورة، بما فى ذلك التحقيق الذى نشرته الجريدة حول رى مزارع وزارة الزراعة بمياه الصرف الصحى. ماذا بعد؟.. هذا- أيضا- هو السؤال الذى يشغلنا جميعا.. أنا وأنت.. فإذا كانت (المصرى اليوم) قد وضعت يدها على هذه (الكارثة) التى تجرى وقائعها منذ سنوات دون أن يتحدث عنها أحد، وإذا كانت الحكومة تحركت وكأنها تكتشف الأمر لأول مرة.. فما الذى يجرى فى حياتنا مجرى الدم فى العروق دون أن نعرفه؟.. وهل تعرفه الحكومة وتتجاهله عمدا وإهمالا وعجزا، أم أنها مثلنا لا تعرف وتلك مصيبة أكبر؟. قال لى وزير أسبق فى جلسة صفا وصراحة إن اجتماعات ولقاءات الوزراء كانت تشهد مناقشات ساخنة حول أزمات ومخالفات وتجاوزات (تودى فى ستين داهية).. وفى بعض الأحيان كان الوزراء يتلقون تقارير الأجهزة الرقابية المختومة بعبارة (سرى للغاية) وفور الإطلاع عليها تتحجر الأعين وترتفع الشهقات من هول (المصائب والفساد).. ويضيف أن التعليمات كانت تصدر لهم غالبا ب (إغلاق الفم وتمزيق التقارير فى مفرمة القمامة) والحجة الدائمة (المسائل دى أمن قومى.. بلاش نخوف الناس.. بلاش نثير الذعر والبلبلة).. ثم ينسى الجميع الأمر وكأنه لم يكن! كلام الوزير ورد فعل الحكومة على حملة (المصرى اليوم) يؤكدان شيئا واحدا ثمة (كوارث) تجرى فى أجسادنا، وفسادا نتنفسه مع الهواء وصفقات تمر من تحت الذقون.. وفى كل الأحوال.. الصمت الحكومى والتستر الرسمى والتواطؤ الشخصى هى السياسة الثابتة للدولة، وإذا حدث وكشفت صحيفة أو نائب أمرا ما فلا مانع من عقد اجتماعات طارئة واتخاذ خطوات وإصدار قوانين لذر الرماد فى العيون! هكذا.. أصبحت حكومتنا حكومة رد فعل.. حكومة متسترة ومتواطئة إلى أن (يزنقها) الرأى العام فتتحرك.. حكومة لا تبادر وتؤدى واجبها دون أن نسحبها من (ودنها).. حكومة عمياء أو تتعامى.. لا فرق!!