فى الآونة الأخيرة انتشرت ظاهرة خطيرة رصدتها "مصر الجديدة" وهى الأشخاص الذين يتقاضون إتاوات لتنفيذ الأحكام القضائية بديلاً عن الحكومة. الظاهرة جذبت انتباه مركز الأرض لحقوق الإنسان فنشرت عنها تقريرا به عدد من الحالات ننقلها عنه بتفاصيلها ثم نناقش القضية مع الخبراء!! الحالة الأولى بطلها المواطن السيد عبد الله الفقى والمقيم بقرية كمشيش مركز تلا بمحافظة المنوفية والذى قام بشراء قطعة أرض زراعية مساحتها فدان ونصف الفدان بزمام كمشيش وسجلها بالشهر العقارى وحين توجه لاستلام الأرض اعترضه أحد المواطنين ورفض تسليمه الأرض إلا بعد أخذ مبلغ مالى منه لنفوذه داخل المحافظة. الفقى توجه لمركز الشرطة وحرر المحضر رقم 4139 إدارى تلا وقررت النيابة تمكين المواطن المذكور من استلام أرضه وكلفت قوة من الشرطة لتمكينه من استلام الأرض إلا أنه وبعد التسليم قام البلطجى - صاحب النفوذ - بالتعدى عليه وطرده من الأرض فتوجه الفقى مرة أخرى لمركز الشرطة إلا أنه فوجئ بالمأمور يرفض تحرير محضر بالواقعة وقال له "اتصرف معه" !! وحتى الآن لم يتمكن المواطن المذكور من تنفيذ قرار النيابة بالتمكين. أما الحالة الثانية – التى رواها تقرير الأرض - عندما أصدرت محكمة الزقازيق حكماً نهائياً لصالح أشرف عطية عبد السلام ضد شركة مضارب الشرقية "مصنع المكرونة" باستمراره فى العمل بعد فصله ولم تقم الشركة بتنفيذ الحكم بالرغم من قيام المواطن بإنذار رئيس مجلس الإدارة بتنفيذ أحكام القانون وإلا تعرض للعزل والحبس طبقاً لنص المادة 123 من قانون العقوبات إلا أن إدارة الشركة رفضت تنفيذ الحكم ومازالت تعيق رجوع العامل لوظيفته وقد ذكر الشاكى أن بعض الوسطاء وأصحاب النفوذ بالشركة طلبوا منه مبلغ لتنفيذ حكم المحكمة !! الحالة الثالثة أبطالها صيادو إدكو الذين أصدرت لصالحهم محكمة القضاء الإدارى بالإسكندرية حكماً فى الطعن رقم 3298 لسنة 53 ق بوقف إنشاء المزارع السمكية فى 20/2/2006 ومع ذلك رفضت وزارة الزراعة تنفيذ الحكم ومازالت المزارع المخالفة تملئ البحيرة فى تحدى للقانون وأحكام المحاكم . الحالات الثلاث ليست الوحيدة لدى مركز الأرض بل ورد بتقريرهم وجود عدد ضخم من الأحكام القضائية التى ترفض جهات حكومية وأهلية تنفيذها أو تماطل مراكز الشرطة فى تنفيذها ويتم استخدام الكثير من طرق التحايل لوقف تنفيذ هذه الأحكام !! وطالب مركز الأرض مؤسسات المجتمع المدنى وأعضاء مجلسى الشعب والشورى بالعمل معاً لإنشاء هيئة مصرية مستقلة للتحرك لتنفيذ أحكام المحاكم كما يطالب الجهات الحكومية بالالتزام بتنفيذ الأحكام باعتبارها نموذج للمواطنين يلتزم بسيادة القانون ويطبق قيم العدالة بين المواطنين وذلك لكفالة حقوقهم فى الأمان والحرية والمساواة. واستند المركز إلى ما أكده الخبراء من أن إهمال تنفيذ الأحكام سيؤدى لإهدار الأمان الاجتماعى للمواطنين ويمكن أن يؤدى لظهور بؤر للعنف والبلطجة بعد أن يقوم المواطنين بأنفسهم أو عن طريق وكلاء بأدوار الدولة فى تنفيذ الأحكام خاصة فى ظل قيام بعض الجهات الحكومية بالتعدى على القانون ورفض تنفيذ أحكام المحاكم. "مصر الجديدة" لم تكتف بما ورد فى تقرير مركز الأرض وفتحت القضية للمناقشة مع عدد من الخبراء الذين أكدوا أن هذه الظاهرة قد تؤدى إلى انهيار الدولة!! ففى البداية أكد ضياء عبد الهادى المحامى ولواء الشرطة السابق على عودة وتكامل المثلث الذى سيساعد على التخلص من المشكلة الحالية التى تفجرت من فترة ماضية ومازالت متصاعدة فإذا قام كل مكون من مكونات المثلث وهم المواطن والشرطة والقضاء بعمله الذى هو مكلف به سوف تتغير المنظومة الشائكة التى تحت فيها حيث أنا المواطن فى أبسط الأمور يرفض بشدة فى مساعدة ومساندة الشرطة عند حضورها لتنفيذ الأحكام على أصحابها فإذا كانو موجودين فينكرون وجودهم وبالتالى لن يصلوا إلى حل وأيضاً من وجهة نظرى أن النظام الجديد لإيجار الشقق له دور فى ذلك حيث أن المواطنين المطالبين بتنفيذ هذه الأحكام يقومون بالتنقل إلى عناوين غير العناوين المثبوتة وكل شهر فى مكان ولذلك وإضافتاً إلى ذلك، فالحكومة فى بعض الأحيان لا تنفذ الأحكام التى عليها بسبب تكرار الظاهرة وأستمرارها ولكن هناك المادة "123" من الدستور عقوبتها الحبس والقبض على المدعى عليه وفصله من الوظيفة إذا لم يقوم بتنفيذ الحكم النهائى للقضاء ولكن هناك بطئ شديد فى تنفيذ الأحكام نفسها فهناك بعض القضايا لا تحتاج إلى وقت كبير لكى لا يتم الحكم فيها ومن هنا يأتى التهرب إلى أكبر وقت ممكن فى تنفيذ الحكم. وأشار أيضاً إلى خطأ الأفراج عن الأشخاص حيث أنه يحب عند الأفراج عن أحد يتم أتباعه للتأكد من البيانات المدونة لدى الشرطة ولكن هذا لا يحدث ويختفى بعد ذلك. وأطالب أيضاً بالتفتيش الدائم على الفنادق التى بها نزلاء حيث أنهم يكونو بعضهم أشخاص هاربون من أحكام صادرة ضدهم فنحن الآن نحتاج إلى أدوات مساعدة فى المقام الأول لضباط الشرطة من الجمهور لتكون الخطوة الأولى للتخلص من الظاهرة. وقد أوضحت د.نسرين بغدادى -أستاذة علم الإجتماع- أنه حينما تفقد القوانين فاعليتها فى ذلك الوقت يلجأ الأفراد فى تطبيق القانونية المخالفة واتباع أسلوب البلطجة "فالعدالة البطيئة ظلم" فحينما يشعر الفرد بالظلم جراء عدم تطبيق القوانين من خلال الطرق الشرعية هذا يؤدى فقدان الثقة بين المواطن والجهة المسؤولة عن مساندته ولذلك يلجأ إلى السلوك العنيف فهو الآن سلوك أساسى فى أخذ الحقوق فالآن القيمة الفردية أصبحت المسيطرة على السلوك وأختفت المصلحة العامة والإجتماعية فى مجتمعنا الآن . وأشار د. عثمان محمد عثمان -أستاذ العلوم السياسية بجامعة 6أكتوبر وأمين لجنة حقوق الإنسان بمجلس الشعب- أن ظاهرة عدم تنفيذ الأحكام واللجوء إلى الإتاوات تعتبر ظاهرة من أكبر مظاهر تعطيل العدالة فضلاً عن أنها تعتبر إنذار لحقوق الإنسان الذى حصل على حكم وحق من حقوقه بحكم قضائى ولم يستطيع تنفيذه وبالتالى فإن الحرص على تنفيذ أحكام القضاء هو الجهة الأخرى للعدالة لأن الحكم القضائى بدون تنفيذ يعتبر كما لم يكن وأنه يوجد وحدة لتنفيذ الأحكام ولكن لم تستطيع تنفيذها حتى الآن وهذا من جانبى ولكن من جانب آخر فإن خطورة هذه الظاهرة أنشأت فجوة غير شرعية يحاول أن تنفذ الأحكام بطرق قد يعجز المواطن العادى الوصول إليها وهى "البلطجة". كما أن لهذا الموضوع جانب آخر وهو عدم تنفيذ الأحكام من جانب بعض الجهات الحكومية بمعنى إذا كان هناك حق للمواطن فى بعض الوزارات وتتوقف الجهة الحكومية عن التنفيذ فإن هذه الظاهرة أيضاً يجب أن تتوقف فوراً وعلى الجهات الحكومية أن تكون قدرة فى تنفيذ قرارات القضاء . وتضيف إلى أن بطئ العدالة يؤدى إلى إهدار لحقوق الإنسان سواء كان نتيجة طول الفترة الزمنية التى تستغرقها الإجراءات القضائية حتى النطق بالحكم، ثم يواجه صاحب هذا الحق بعدم قدرته على تنفيذ هذا الحكم الصادر لصالحه.