منافس الأهلي.. بورتو يسابق الزمن لضم فيجا قبل انطلاق مونديال الأندية    7 لاعبين مهددون بالرحيل عن ريال مدريد    أحمد الفيشاوي يثير الجدل مجددًا بظهوره ب«حلق» في أحدث إطلالة على إنستجرام    من مدريد إلى نيويورك..فى انتظار ولادة صعبة لحل الدولتين    باريس سان جيرمان ينهي عقدة تاريخية لأندية فرنسا أوروبيًا    بعد رحيله عن الأهلي.. هل طلب سامي قمصان ضم ميشيل يانكون لجهاز نادي زد؟    لاعبان سابقان.. الزمالك يفاضل بين ثلاثي الدوري لضم أحدهم (تفاصيل)    معاكسة فتاة ببنها تنتهى بجثة ومصاب والأمن يسيطر ويضبط المتهمين    متحدث الصحة: نضع خطة طوارئ متكاملة خلال إجازة العيد.. جاهزية كل المستشفيات    ديستربتيك: استثمرنا 65% من محفظتنا فى شركات ناشئة.. ونستعد لإطلاق صندوق جديد خلال عامين    مطالب برلمانية للحكومة بسرعة تقديم تعديل تشريعى على قانون مخالفات البناء    البلشي يرفض حبس الصحفيين في قضايا النشر: حماية التعبير لا تعني الإفلات من المحاسبة    القومي لحقوق الإنسان يكرم مسلسل ظلم المصطبة    الحبس والغرامة للمتهمين باقتطاع فيديوهات للإعلامية ريهام سعيد وإعادة نشرها    «سيبتك» أولى مفاجآت ألبوم حسام حبيب لصيف 2025    مدير فرع هيئة الرعاية الصحية بالإسماعيلية يستقبل وفدا من الصحة العالمية    رئيس النحالين العرب: 3 جهات رقابية تشرف على إنتاج عسل النحل المصري    وزير الصحة: تجاوزنا أزمة نقص الدواء باحتياطي 3 أشهر.. وحجم التوسع بالمستشفيات مش موجود في العالم    بحثًا عن الزمن المفقود فى غزة    مصطفى كامل وأنوشكا ونادية مصطفى وتامر عبد المنعم فى عزاء والد رئيس الأوبرا    20 صورة.. مستشار الرئيس السيسي يتفقد دير مارمينا في الإسكندرية    موعد أذان مغرب السبت 4 من ذي الحجة 2025.. وبعض الآداب عشر ذي الحجة    بعد نجاح مسابقته السنويَّة للقرآن الكريم| الأزهر يطلق «مسابقة السنَّة النبويَّة»    ماذا على الحاج إذا فعل محظورًا من محظورات الإحرام؟.. الدكتور يسري جبر يجيب    الهمص يتهم الجيش الإسرائيلي باستهداف المستشفيات بشكل ممنهج في قطاع غزة    الإخوان في فرنسا.. كيف تُؤسِّس الجماعة حياةً يوميةً إسلاميةً؟.. خطة لصبغ حياة المسلم فى مجالات بعيدة عن الشق الدينى    المجلس القومي لحقوق الإنسان يكرم أبطال مسلسل ظلم المصطبة    وزارة الزراعة تنفي ما تردد عن بيع المبنى القديم لمستثمر خليجي    برونو يحير جماهير مانشستر يونايتد برسالة غامضة    القاهرة الإخبارية: القوات الروسية تمكنت من تحقيق اختراقات في المواقع الدفاعية الأوكرانية    "أوبك+": 8 أعضاء سيرفعون إنتاج النفط في يوليو ب411 ألف برميل يوميا    قواعد تنسيق العام الجديد.. اعرف تفاصيل اختبارات القدرات    ما حكم بيع جزء من الأضحية؟    محافظ القليوبية يوجه بسرعة الانتهاء من رصف وتطوير محور مصرف الحصة    ب حملة توقيعات.. «الصحفيين»: 5 توصيات ل تعديل المادة 12 من «تنظيم الصحافة والإعلام» (تفاصيل)    استعدادًا لعيد الأضحى| تفتيش نقاط الذبيح ومحال الجزارة بالإسماعيلية    محافظ أسيوط ووزير الموارد المائية والري يتفقدان قناطر أسيوط الجديدة ومحطتها الكهرومائية    تكشف خطورتها.. «الصحة العالمية» تدعو الحكومات إلى حظر جميع نكهات منتجات التبغ    وزير الخارجية يبحث مع عضو لجنة الخدمات العسكرية ب"الشيوخ الأمريكي" سبل دعم الشراكة الاستراتيجية    مصادرة 37 مكبر صوت من التكاتك المخالفة بحملة بشوارع السنبلاوين في الدقهلية    حظك اليوم السبت 31 مايو 2025 وتوقعات الأبراج    لماذا سيرتدي إنتر القميص الثالث في نهائي دوري أبطال أوروبا؟    تفاصيل ما حدث في أول أيام امتحانات الشهادة الإعدادية بالمنوفية    "حياة كريمة" تبدأ تنفيذ المسح الميداني في المناطق المتضررة بالإسكندرية    بدر عبد العاطى وزير الخارجية ل"صوت الأمة": مصر تعكف مصر على بذل جهود حثيثة بالشراكة مع قطر أمريكا لوقف الحرب في غزة    وزير التربية والتعليم يبحث مع منظمة "يونيسف" وضع خطط لتدريب المعلمين على المناهج المطورة وطرق التدريس    استخراج حجر بطارية ألعاب من مريء طفل ابتلعه أثناء اللعب.. صور    أفضل الأدعية المستجابة عند العواصف والرعد والأمطار    رئيس الإنجيلية يستهل جولته الرعوية بالمنيا بتنصيب القس ريموند سمعان    ماذا قالت وكالة الطاقة الذرية في تقريرها عن أنشطة إيران؟    مصدر كردي: وفد من الإدارة الذاتية الكردية يتجه لدمشق لبحث تطبيق اتفاق وقّعته الإدارة الذاتية مع الحكومة السورية قبل نحو 3 أشهر    "نفرح بأولادك"..إلهام شاهين توجه رسالة ل أمينة خليل بعد حفل زفافها (صور)    قبل وقفة عرفة.. «اليوم السابع» يرصد تجهيزات مشعر عرفات "فيديو"    عمرو الدجوى يقدم بلاغا للنائب العام يتهم بنات عمته بالاستيلاء على أموال الأسرة    عيد الأضحى 2025.. محافظ الغربية يؤكد توافر السلع واستعداد المستشفيات لاستقبال العيد    سحب 700 رخصة لعدم تركيب الملصق الإلكتروني خلال 24 ساعة    لمكافحة التلاعب بأسعار الخبز.. ضبط 4 طن دقيق مدعم بالمحافظات    سويلم: الأهلي تسلم الدرع في الملعب وحسم اللقب انتهى    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المصريون يعكسون اتجاه عجلة الاستراتيجية الأمريكية ..!!
نشر في مصر الجديدة يوم 23 - 06 - 2013

تعرف بعض الأوساط العلمية نظرية اسمها ( أثر الفراشة ) يقول منطوقها " لو رفرفت فراشة بجناحيها في هونج كونج ، فذلك يمكن أن يؤثر على المناخ في لندن " ، لكن هذه الصورة التي تتنفس عبيرا شاعريا طازجا ، لتأكيد مدى التأثرات المتبادلة في آفاق وجوانب العالم المفتوح ، مهما كانت محدودة أو متناهية الصغر ، صاغها الإستراتيجيون الأمريكيون بأصابع فكرية خشنة ، تحت عنوان آخر هو ( نظرية الصدى ) تقوم على عدم الفصل بين التأثير المباشر لطلقة البندقية أو المدفع ، وبين الصدى الناتج عن العملية ، فإذا كان الصدى يستبق الطلقة ، ويتوزع في دائرة أوسع بكثير من حدودها ، فلابد في كل حالة مشابهة من النظر في الحسابات المتعلقة بتأثير الصدى في البيئة المحيطة ، قبل أن يتم قذف الطلقة من فوهة البندقية ، لكن الواضح أن الأمريكيين لم يضعوا هذه النظرية يوما موضع تطبيق ، ولهذا ظلوا في كل الحالات مشغولين بقذف الطلقة ، لا بالحسابات المعقدة لنتائج الصدى المترتب عليها ، وذلك لا يحتاج إلى تدليل ، فأثرها يبدو في كل معاركهم عبر التاريخ ، وهو يبدو مؤخرا على سبيل المثال في حسابات صدى الطلقة في العراق على تمدد الجار الإيراني ، أو حسابات صدى الطلقة في سوريا على الأوضاع الداخلية للجارين التركي واللبناني ، ذلك أنه في أحوال عديدة كثيرا ما يكون ما يتحقق من تأثير ضار وسلبي جراء صدى الطلقة أكبر بكثير مما يتحقق من تأثير نافع و إيجابي ، حتى لو نجحت في إصابة الهدف .
أقول ذلك لأنني أعتقد أن صدى الطلقات الإستراتيجية الأمريكية في الإقليم أصبح أكثر فاعلية وتأثيرا من الطلقات ذاتها ، لكن تأثيرها بات يأخذ منحى متناقضا مع مسار الطلقات وأهدافها المباشرة ، وأظن أن ساعة التغيير في الإقليم ، والتي تحركت عقاربها عكس اتجاه عقارب الساعة أو عكس عقارب التاريخ فعليا ، على امتداد الفترة الماضية ، قد أخذت تتحرك رويدا في الاتجاه الآخر ، أي في اتجاه عقارب الساعة أو اتجاه عقارب التاريخ ، على نحو أدق ، وذلك قد يتطلب بالضرورة الإجابة على سؤالين :
الأول : إذا صح ذلك فلماذا أصبح تأثير صدى هذه الطلقات ، أبعد مدى منها ، ومناقضا في الوقت نفسه لاتجاهها وأهدافها ، وكأن التفاعلات الجانبية في الإقليم قد سيطرت على التفاعل الرئيسي ، ودفعته في الاتجاه المعاكس .
أحسب أن هناك عدة عناصر أساسية ، اندفعت تفاعلاتها المشتركة ، لتحويل عقارب ساعة التغيير في الإقليم نحو الاتجاه المعاكس ، أو نحو الاتجاه الذي يتسق مع إيقاع التاريخ :
الأول : ذلك الفشل الهائل في تقدير قوة الشعب المصري ، واستبصار ذكائه الفطري ونبوغه الحضاري ، وذلك النكوص الواضح في محاولات احتوائه ، فقد كان الفهم الغالب لدى أصحاب الاستراتيجية الأمريكية ، وأدواتهم الإقليمية والمحلية ، قد حصر الشعب المصري – أولا – في أنه قد أخرج طاقته في ثورة عاصفة ، وأن رصيد هذه الطاقة قد انتهى ، وأصبح كاليورانيوم المستنفد ، قد يطلق بين آونة وأخرى بعض إشعاعات متقطعة ، لكنها قليلة الفاعلية ، محدودة التأثير ، وحصره – ثانيا – في أنه شعب طائع سهل المراس ، تقلّب بين يدي الظلم والاستغلال والبطش لقرون ممتدة في التاريخ ، ولعقود قريبة ، وأن خروجه العاصف لا يشكل إلا استثناءا عابرا ، قد يحتاج إلى عقود أخرى كي يثمر موجة ثورية جماعية ، وحصره – ثالثا – في أنه شعب يمتلئ وجدانه بالإيمان والتدين ، وأن إشعاع سلطة على وجهها بغض النظر ع سلوكها ملامح تعكس صورة من هذا الإيمان والتدين ، كفيل بأن يخادعه وأن يبقيه رهين سطوتها ، رغم اعتلال أحواله ، فغناه الروحي الشكلي سوف يغالب استلابه المادي ، وحصره – رابعا – في أن نخبه السياسية التي تقف على الضفة الأخرى ، تبدو مشتتة ومتنافرة فضلا عن أنها ليست موصولة كليا بقواعدها السياسية أو الاجتماعية في أنسجة المجتمع ، دون أن يدرك أن مقوّد القيادة والحركة قد انتقل بشكل تلقائي ، من داخل مقرات الأحزاب والقوى السياسية ، إلى الميادين المفتوحة والشوارع الرحبة .
الثاني : ذلك التناقض الفاحش بين صورة الإيمان والإسلام كما يعرفها ويحسها ويتنفسها ، وبين الصورة التي عكستها الممارسة العملية لأولئك الذين قفزوا فوق مقاعد السلطة ، وهم يلفون على صدورهم اسم الإسلام العظيم ، لقد كان اندفاعه لتأييد الجماعة ووجوهها في جوهره ذو منحى أخلاقي خالص ، يقوم أساسا على مبدأ العدل والمساواة ، ولكنه سرعان ما أدرك دون جهد ، أنه استبدل بعد ثورة عظيمة بغيا أضعف ببغي أقوى ، واستغلالا أقل باستغلال أكبر ، وتبعية أضيق بتبعية أوسع ، وفشلا أدنى بفشل أعلى ، بل أنه وجد أن كيانه الوطني نفسه ، قد أصبح عرضة للتآكل ، و عرضة للتقسيم ، وقد تكاثرت عليه صنوف وألوان من التهديدات المستجدة ، ولقد كانت الفجيعة كبيرة ، لأن القياس بين ثمرة الحلم ، الذي أنضجته الثورة ، وبين حصاد الهشيم ، الذي وجه في كل الساحات ، السياسية ، والاقتصادية والاجتماعية ، والثقافية ، والإنسانية ، أكثر قسوة على النفس ، من أن تتحمله دون غضب ، وأن تكتمه دون انفجار .
الثالث : ذلك المنتوج الهائل ، من أنقاض الثورات ، الذي بات يعكس خللا مضاعفا ، على مستوى كافة التوازنات ، فقد كان النجاح باهرا ، في إسقاط أنظمة كانت بطبيعتها آيلة للسقوط ، لكن البدائل في المحيط الإقليمي ، الذي تحرك فيه الزلزال ، لن تلد غير تناقضات جديدة ، وانقسامات جديدة ، وفوضى شاملة ، وإذا كان الاستقرار في ليبيا أو اليمن بعيد المنال ، فإنه واقع تحت التهديد في مصر قبل تونس ، فلم تعد الانقسامات والتناقضات والحروب ، بين حدود الدول ، وإنما أصبحت داخل حدودها ، ولم يعد العدو في الخارج ، وإنما أصبح في الداخل ، ولم يعد الاستقرار هدفا تسعى إليه العقول ، وإنما أصبح هدفا تصوّب إليه البنادق .
الرابع : ذلك التغيير المحسوس في موازين القوى ، بين الآلة العسكرية للنظام في سوريا ، وبين الآلة العسكرية المناهضة له ، والتي تكاد أن تكون قاعدتها الأساسية مصدرة من الخارج ، وهي تضم عشرات الآلاف من الذين زيّن لهم أن الجهاد الحقيقي في سبيل الله والإسلام يمر عبر بوابة دمشق ، لا عبر بوابة فلسطين أو القدس ، والذين يفيض عليهم مطر المال السعودي ، ليزرع حدائق الدم ، بدلا من أن يذهب ليروى صحارى الفقر .
ولا سبيل إلى إنكار ، ما وقع فيه النظام من أخطاء جسيمة ، ولكن الحرب في سوريا بالتوصيف الغربي نفسه ، هي معركة طائفية سامة ، بكل المقاييس والحسابات ، أهدافها قد تمر بالنظام ، لكن نتائجها ستكون مدمرة لكيان عربي اسمه الكيان السوري ، في حالة أقرب إلى حالة تدمير العراق ، ملحقة أضرارا فادحة بالتوازنات الإقليمية ، وبالمصالح الوطنية والإستراتيجية لمصر ، بالدرجة الأولى ، ولشرق البحر الأبيض على امتداد جنوبه وتخومه ، والشاهد دون دخول في التفاصيل ، وبغض النظر عن العوامل ، المؤثرة في ميدان المعركة ، أو المواقف السياسية من حولها ، أن موازين القوى بين جبهتي الحرب في سوريا ، قد أخذت خلال الأسابيع الأخيرة تميل على نحو مؤثر ومحسوس لصالح الجيش السوري.
الخامس : ذلك التشقق الذي لحق بالقناع الذي يرتديه النظام التركي ، فأظهر جانبا من ملامح وجهه الحقيقي ، بكل ما يحمله من تناقض صارخ مع الأسباب والمبررات ، التي دارت بها ماكينات الدعاية والتسويق ، مروجة له باعتباره المثال الإسلامي ، الذي يقتدى به ، والنموذج الديمقراطي الذي يحتذى .
السادس : ذلك الانكفاء القطري المكتوم على الداخل ، بحكم ما يتعلق – أولا – بالسعي المحموم لحفظ حقوق توريث الحكم والثروة لأصحابهما الأصليين بعيدا عن أطماع الذين كانت أدوارهم جسرا للانغماس الكامل في الاستراتيجية الأمريكية الخاصة بالإقليم ، وبحكم ما يتعلق – ثانيا – بالاندفاعة القطرية على خطوط هذه الاستراتيجية ، والتي رأى الأمريكيون قبل أسابيع أن مصالح قطر الذاتية ، قد قفزت إلى خطوط تجاوزت خطوط الاستراتيجية وأضرت بها .
لقد قلت في البداية ، أنه إذا صح أن عقارب ساعة التغيير في الإقليم قد تغير اتجاهها ، وتحولت إلى الاتجاه الآخر ، فإن ذلك يتطلب بالضرورة الإجابة على سؤالين ، كان أولهما يتعلق بعوامل وأسباب التحول ، أما الثاني فيتعلق بموقف أصحاب الاستراتيجية ، وهم يرون بوضوح علامات هذا التحول ، وكيف يمكنه العمل على إعادته ، إلى سيرته الأولى ، وظني أن الأمر يشبه محاولة إيقاف ترس كبير حاكم لتروس أصغر ، قبل دفعه إلى أن يأخذ اتجاها عكسيا لحركته ، ولذلك فالسبيل الوحيد لتحقيقه يبدأ بإيقافه عن الدوران ، والسبيل الوحيد لذلك أيضا ، هو استخدام القوة لحشر عامود من الصلب ، بين أسنان أحد التروس الكبيرة لإيقاف الدوران ، قبل محاولة عكس اتجاهه ، والسؤال بالتالي ، أي ترس كبير وأي عامود من الصلب ؟ ليس ثمة إجابة نهائية كاملة ، يمكن الإمساك بها ، ولكن الأمر لا يخرج في ضوء نمط مفردات الاستراتيجية الأمريكية ، عن إحداث تفجير كبير هنا أو هناك ، ولا أعتقد أن حجم هذا التفجير المطلوب ، يمكن ترجمته في إلقاء مزيد من الوقود داخل سوريا ، بمد أطياف " المجاهدين " في سوريا وفق القرار الأمريكي المعلن بمزيد من الأسلحة الثقيلة والمضادات الأرضية ، فتغيير الموازين المستجدة في سوريا وفق هذه الصيغة يحتاج إلى وقت أطول ، إلا إذا تم دمج سلاح الجو الإسرائيلي بشكل كامل في المعركة ، وهو أمر قد يحول دونه دفع روسيا بغواصتين نوويتين قرب الشواطئ السورية ، ومجموعات من الفنيين لتشغيل بطاريات دفاع جوي متطورة ، كما أنه إذا حدث سينقل المعركة إلى دائرة واسعة وإلى مستوى آخر أقرب إلى الخيار شمشون ، ولذلك فإنني أقرب إلى الظن بأن مسرح التفجير سيكون هنا ، وليس هناك .
▲▲▲
يستحق كل عامل من العوامل الخمسة السابقة ، وقفة مستقلة ، لكنني أرى أن التأثير المعنوي الكبير لحالة التشقق ، التي أصابت القناع التركي فأبدت سوءته ، جديرة بالمراجعة ، ليس بقصد رد هذا الكورس النحاسي ، الذي دأب على أن يلقي في مسامعنا أناشيد ركيكة في مديح الذات التركية ، فهو ما زال بغير استحياء يبحث عن ألوان زاوق يغطي بها سوءتها ، رغم أن أمطار الغضب في تركيا سرعان ما تمسحها ، لقد قدموا لنا تركيا على أنها صورة الحداثة الإسلامية ، ديمقراطية على النمط الغربي ، ومعجزة اقتصادية ، يتراكم نموها لينقلها من شاطئ إلى شاطئ ، ونزوعا إيديولوجيا معاديا لإسرائيل ، وسندا قويا لنهوض عربي ، وحلولا إسلامية مبتكرة للمتغيرات تزيل التناقض بين جوهر الإسلام وروح العصر ، ولم يكن في ذلك كله شئ من الصدق أو الصحة أو السلامة ، ولا أعرف ما إذا كان قد شبّه لهم ، أم أنه العمى الاستراتجي ، أم أنه التواطؤ المدفوع القيمة ، لتحقيق مآرب أخرى ، كما أنني لا أعرف ، من أي باب في أبواب الشريعة الإسلامية ، يمكن الجمع بين الإسلام وحلف الأطلنطي في وعاء واحد ، وبين الإسلام والقواعد الأجنبية في أرض واحدة ، وبين الإسلام والرأسمالية الجائرة في نسيج واحد ، وبين الإسلام والعداء للقومية العربية في قلب واحد ، وبين الإسلام والاستبداد في عقل واحد ، وبين الإسلام والانخراط في استراتيجية إمبريالية حد القبول بدور أداة طيّعة بين يديها في صدر واحد :
أولا : في الإطار الاستراتيجي العام ، فإن تركيا تمتلك موقع ودور القيادة الاستراتيجية الجنوبية لحلف الأطلنطي ، وهي واحدة من مفردات الاستراتيجية العامة للولايات المتحدة وللحلف ، وفي سياق تعاون استراتيجي كامل مع إسرائيل ، ومنذ أن بدأ المشروع الأمريكي الجديد ، يدخل طور التنفيذ مع تأسيس القيادة الوسطى للجيش الأمريكي ، والتي اتخذت من قطر قاعدة مركزية لها ، بدأ الدور التركي لتحويل سوريا إلى الرجل المريض ، بحيث ترث دورها ، في ضوء تعهد أمريكي بمنحها دورا قياديا في المشهد العربي ، على صعيد أنظمة الحكم الجديدة ، التي يجري تهيئة البيئة لولادتها في سوريا ولبنان والدولة الفلسطينية المفترضة ، وهي تلعب دور رأس الحربة في المشروع ، ودورها تنفيذي ميداني .
لقد تحدث أردوجان مبكرا ( 3/4/2006 ) عن مشروع الشرق الأوسط الكبير وعن دور تركيا ، ولم يكن المسار العام التركي في الإقليم منذ ذلك التوقيت ، بعيدا عن عملية إعادة صياغة أوضاعه لصالح بناء هذا المشروع ، ولقد كانت الازدواجية كاملة بين القول والفعل التركيين في هذا الحيز ، فعندما أعلنت تركيا أنها تسعى إلى تخفيض الوجود العسكري الأمريكي على أراضيها ، وقررت إدارة أوباما إغلاق قاعدة أزمير على بحر إيجة توفيرا للنفقات ، سرعان ما تقدمت بطلب إلى الولايات المتحدة لبقاء القاعدة في حوزتها كي تستمر في الحصول على أجر استئجارها ، وعندما وافقت على نصب درع صاروخي أمريكي فوق أراضيها ، تحدث خطابها العلني على أنه موجه لحماية اليونان ورومانيا وبلغاريا ، بينما كان الدرع قد وضع مبكرا لحماية القواعد الأمريكية على أراضيها من الصواريخ السورية والإيرانية المحتملة ، ولهذا كله ، فإن الدور التركي في النهاية مجرد شكل جديد لحصان طروادة ، يحتوي حلف الأطلنطي في جوفه .
ثانيا : في الإطار الاستراتيجي لعلاقة تركيا وإسرائيل ، فإن شرايين العلاقة ظلت على حالها يسري فيها الدم من ناحية إلى الأخرى وبالعكس ، ولم تكن أزمة مرمرة وقبلها مواجهة أردوجان وبيريز إلى مظهرا خارجيا ، أضيفت إليه ألوان من الخشونة ، مما قد يرى فوق الجلد ، لكنه لا يطول جسد العلاقة فلم تحدث مطلقا أي مقاطعة تجارية من جانب تركيا لإسرائيل ، بل إن أرقام التجارة بينهما قفزت خلال فترة المقاطعة إلى حدود غير مسبوقة ، بل إن أردوجان نفسه عندما أعلن تعليق العلاقة التجارية مع إسرائيل ، عاد وصحح إعلانه بقوله أن المقصود هو ما يتعلق بالتجارة العسكرية والدفاعية ، وحتى في هذا الحيز فإنه لم يكن صادقا ، ويكفي للتدليل فقط إبرام صفقة طائرات إسرائيلية للتصوير الليلي من الفضاء ومن بعد ، ولم لا ؟ ، إذا كان أحمد بوراك نجل أردوجان وصاحب شركة النقل البحري MB ، والتي تمتلك سفينتين للنقل لم تتوقف إحداهما " سفران 1" عن الإبحار بين ميناء أشدود في إسرائيل ، والموانئ التركية ذهابا وعودة ، وكانت آخر رحلاتها في يناير الماضي ، أي بفاصل أقل من ثلاثة أشهر عن مكالمة يوم 22 مارس الماضي ، بين نتنياهو وأردوجان ، والتي رعى إتمامها أوباما بنفسه ، والحقيقة أن السعي الأمريكي لإعادة العلاقة إلى واجهة المشهد ، انطوت على أهداف متعددة قد يكون في مقدمتها ، تنسيق عمليات التدخل في سوريا ، وفي أمن منطقة الركن الشمالي الشرقي من البحر الأبيض ، مع الاستجابة لمطالب تركيا بتعظيم دور ميناء جيهان كمحطة ، لتجميع جانب من منتوج الغاز الجديد في البحر الأبيض ، وكصنبور لضخه إلى أوربا خاصة وأنها تستورد 89% من حاجتها إلى الطاقة ، فيما لا تنتج محليا سوى 2% ، وكذلك استكمال محاولة سرية لإحياء مشاركة إسرائيلية تركية للعمل ضد صواريخ أرض- أرض السورية ، التي تحمل رؤوس كيماوية وبيولوجية ، خوفا من وصول النظام السوري إلى الخيار شمشون ، وتفعيل منظومة الدفاع المضادة للصواريخ التابع لحلف الناتو ، إضافة إلى ما ذكره " اليكس فيشمان " عن بناء خطوة تأسيسية للتحالف الذي أطلق عليه 4+1 ، بين أربع دول في المنطقة إضافة إلى إسرائيل ، والحقيقة أيضا أن تركيا شاركت في عدة مؤتمرات وتدريبات ومناورات خلال العامين الماضيين لحلف الناتو ، وقد كانت إسرائيل حاضرة فيها جميعها ، باعتبارها شريك أساسي للحلف .
ثالثا : في الإطار الاستراتيجي لعلاقة تركيا بمصر ، فإن تركيا التي استيقظت حواسها الاستراتيجية ، تجاه الإقليم شرقا ، ظلت تاريخيا تصطف إلى جانب كافة القوى الاستعمارية التي سعت إلى منع قيام أي مركز قوة دولي حقيقي في مصر ، وفي مراحل تاريخية ممتدة ، كانت كل زيادة في قوة مصر من جهة نظر القوى المسيطرة دوليا ، تعني انخفاضا في قوة تركيا ، وخلال القرن التاسع عشر تمحورت سياسة تركيا تجاه مصر ، نحو السعي إلى تقليص رقعتها في سيناء ، ودفع خط الحدود داخلها إلى أقصى حد ، وقد اقترحت خط رفح رأس محمد مرة ، ورفح السويس مرة ، والعريش رأس محمد مرة ، وهو ما يسلب من مصر نصف مساحة سيناء ، والمدهش أن محاولة تركيا في الحرب العالمية الأولى ، عبور قناة السويس من الشرق رغم فشلها فإن منطقة تسللها كانت نفسها منطقة تسلل الإسرائيليين في حرب أكتوبر المجيدة عند سرابيوم .
يقول داوود أوجلو في كتابه ( ما بعد العمق الاستراتيجي : تركيا دولة مركز ) أنه " لا يمكن لتركيا الدولة التي ظهرت على الأراضي التاريخية ، والجيوسياسية للدولة العثمانية ، والتي كان لها نصيب الأسد من ميراثها ، أن تقصر مجال تخطيطها وتفكيرها الدفاعي ، داخل حدودها القانونية فحسب " نحن إذا أمام نزعة إمبريالية ترى العالم ولاسيما الجغرافيا العثمانية السابقة وفي قلبها مصر، مجالا حيويا لتمدد نفوذها واستعادة ميراثها التاريخي كما تزعم ، رغم أنها ما تزال تعاني من أزمة هوية وأزمة معنى .
رابعا : كيف تقع في تركيا التي قدموها لنا ، على أنها النموذج والمثال ، 235 مظاهرة في 67 مدينة خلال ثلاثة أيام ، لأن السياسة الاقتصادية لحزب التنمية والعدالة ، هي تطبيق مباشر لنموذج الليبرالية الجديدة ، التي وضعت اقتصاد الدولة كله على أساس آليات السوق الحر ، وفي يد مجموعة من أصحاب رجال الأعمال المقربين ، ولذلك رغم التباهي بنسبة النمو التي وصلت إلى 8% وقد انخفضت حاليا إلى 2.2% فإن عنصر توزيع الدخل ظل يعاني من فروق هائلة ، سواء بين المناطق الجغرافية ، أو بين الطبقات الاجتماعية ، وفي ظل اختلالات هيكلية ، يعاني منها الاقتصاد ، سواء على مستوى علاج العجز في ميزان المدفوعات ، الذي يتم بالاقتراض الخارجي ، أو على مستوى العجز في الميزان التجاري ، حيث أن الواردات ضعف الصادرات ، أو على مستوى البطالة ، التي قفزت إلى نسبة 8% ، وتفشت خاصة في المناطق المهمشة ، فالحديث عن المعجزة الاقتصادية التركية ، التي تم إنعاشها بضخ استثمارات خارجية تتجاوز مائة مليار دولار من الخليج وأوربا فيه كثير من تجميل صورة اقتصاد تابع ، ورأسمالية مفرطة ، وإذا كان الحديث عن الفساد ، فإن نموات الرأسمالية الجديدة في تركيا ، لا تخلو من انحياز طائفي للسلطة ، ومن فساد حزبي وشخصي ، وأردوجان نفسه مواجه ب 13 قضية فساد ، منذ أن كان عمدة لاسطنبول ، لم تصدر فيها أحكام لحصانة برلمانية ، أما الديمقراطية التي أصبحت جثة محنطة في صندوق الانتخاب ، فيكفي للحديث عنها ذلك الوضع المتدهور لحرية الصحافة ، فوفق مؤشر حرية الصحافة السنوي ، الذي تصدره منظمة صحفيون بلا حدود ، فقد احتلت تركيا المركز 154 من 179 دولة ، مما يعني أن حرية التعبير في مرتبة أدنى من الصين وإيران ، بل وأدنى من العراق وأفغانستان وزمبابوي.
▲▲▲
ما حدث ويحدث في تركيا ، ليس صخبا داخليا ، كما كتب أحدهم ، ولكنه قناع النموذج الذي يتمزق ، وتطل من فجواته الحقيقة كاملة ، بكل حاستها الاستعمارية ، واستبدادها ، ورأسماليتها القاهرة ، أنه ليس النموذج الأقرب إلى جوهر الإسلام ، ولكنه النموذج الأبعد عنه ، لأنه نموذج اصطنعه حلف الأطلنطي لنفسه .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.