جاسر - قلب الأسد - اثناء ثورة يناير "تم إطلاق رصاصة على جاسر من ضابط شرطة .. وهو فى المستشفى الآن .. أنا أمه ادعو له يارب ارحم . يارب اشفيه ده ابنى الوحيد حسبى الله ونعمه الوكيل فيك يا مرسى"...
كانت هذه هي الكلمات التى كتبتها أم البطل الشاب "جاسر عبد القادر الكفراوى"، الذي اشتهر بين رفاقه من شباب الثورة، بالصورة الأشهر والأعظم التى التقطتها له الكاميرا وهو يقف بصدره المفتوح أمام مدرعات الداخلية، متحديا نظام الجواسيس وعملاء الموساد الصهيوني، العادلي السفاح واللص مبارك، في الأيام الأولي من ثورة 25 يناير. وقتها كانت غالبية الشعب المصري، إما في دهشة أو في غيبوبة، في الوقت الذي كانت فيه "جماعة" بعينها، تنظر في خبث من وراء ستار، انتظارا حتى تضع المعركة أوزارها وتري من سيكون المنتصر، لتتمسح في رايته وتركب معه وتدهس الجميع، وأولهم الذين قاموا بالثورة ..! في حديث له مع جريدة "مصر الجديدة" من فوق سريره بمستشفي المعادي وفي لحظات فاصلة بين الحياه والموت، قبيل دقائق من إجرائه عملية لاستخراج رصاصة استقرت على مسافة سنتيمترات من القلب، على إثر تعرضه لإطلاق النار بطبنجة ميري لضابط أمن مركزي، من على بعد أمتار....... قال جاسر: كنت في منزلي حتى حوالي الساعة السادسة مساءً، وعندما وجدت الاشتباكات بين الأمن المركزي وبين الشباب قد زادت حدتها، قررت النزول لكي أشاهد على الطبيعة ما لن تنقله الفضائيات، المنقسمة بين مؤيد ومعارض، ولا وجود لقناة محايدة بحق. بصعوبة واصل جاسر التنفس والحديث في نفس الوقت قائلا:
أخذت سيارتي وذهبت بصحبة أحد أصدقائي إلى مصر الجديدة، ومع اقترابي من ميدان روكسي، فوجئت بالطلقات تتطاير بعشوائية، لدرجة أن "شنطة العربية" تلقت ثلاثة طلقات، هدأت السرعة قليلا، كانت الأجواء ملبدة بدخان قنابل الغاز، وأصوات الرصاص. ركنت السيارة قرب حديقة الميريلاند، وانطلقت صوب موقع الاشتباكات، متجاهلا تحذيرات صديقي من أن الدخول إلي ميدان روكسي في هذه الحالة سيكون في منتهي الخطورة. عند سينما روكسي وجدت صفا من عساكر الأمن المركزي يمنع المرور، فصممت علي أن أعبر الطريق، فتصدي لي العساكر، ووقعت مشادة بيني وبين أحدهم، واشتبكنا كلاميا، على إثرها انطلق العسكري إلى ضابط الأمن المركزي، ليأتي الأخير على عجل، ودون استقصاء الأمر، على الفور فوجئت به يمد يده إلى موقع طبنجته، ويستعد للتصويب تجاهي قائلا: اثبت مكانك. فسارعت بالابتعاد وحاولت القفز عبر سور فيللا مجاورة، إلا أن رصاصة الضابط كانت أسبق. أحسست بالمقذوف يخترق كتفي وبشعور غريب كأن موضع الإصابة قد أصبح قطعة من الثلج. شعرت بألم غريب لم أشعر به من قبل. لحظتها وجدت نفسي أنظر إلي السماء مبتسما وهامسا: مش مهم طلقة عشان مصر تعيش. كنت مازلت قادرا علي الوقوف، وذلك قبل أن يندفع صديقي إليَّ ويساعدني فى ركوب سيارة انطلقت بي إلي المستشفي، مستشفي المعادي، عبر طريق الأوتوستراد، حيث تعمل والدتي هناك كطبيبة. وقبل أن أغادر المكان، ترام إلى سمعي صوت امرأة في بلكون عمارة مقابلة، تنادي على ضباط الشرطة بعلو صوتها مشجعةً: يلا خلصونا من ولاد الكلب الكفار دول.......! وصلت المستشفي في حوالي الرابعة صباحا، وهناك تم إجراء الإسعافات الأولية، حيث تبين أن الجرح قريب جدا من القلب، وتم إيقاف النزيف لكن فشل طبيب الطوارئ في استخراج الرصاصة لأنها "غرزت في العظم"، على حد ما فهمت منه. اضطر الطبيب إلى لف مادة من البلاتين حول موضع الرصاصة حتى لا تتحرك صوب الشرايين الموصلة للقلب، أو إلى أماكن أخري داخل الجسم. وقبل أن ينتقل إلى غرفة العمليات عقب وصول إخصائي في الجراحة من مستشفي 6 أكتوبر، ودعني جاسر قائلا: أنا محتفظ بالرصاصة التى اخترقت جسدي، وكنت قد قررت بعد انتخابات الرئاسة أن أتوقف عن المشاركة في معظم الفعاليات التى كان يتم الدعوة إليها، من أي جهة، لكن الآن لن أقبل الصلح... فلا تصالح على الدم. وهتف بصوت خافت: "يسقط يسقط كلاب المرشد" "يسقط يسقط مرسي العميل"
تدوينات بطل: الغريب أنه وبتصفح ما كتبه "جاسر" على جدار حسابه بموقع فيسبوك للتواصل الاجتماعي، وجدته قد نشر صورة لأحد ضباط الأمن المركزي وقد انخرط في البكاء، حزنا على الشباب الذين يروحون ضحية الاشتباكات مع الشرطة، في ظل عدم قدرة ضباطها على عصيان الأوامر بإطلاق النار. وتحت الصورة، كتب "جاسر": الداخلية منهم رجال شرفاء دعوا الى وقف الضرب .. حتى لا تلصق جرائم الإبادة بالشرطة ولنعلم المتهم الحقيقى.. الشعب بيتناحر مع الشعب وتركوا المجرم الحقيقى. إن بكاء الأمن المركزى رسالة للشعب، نحن منكم، والعدو خارج الخدمة ونحن كبش الفداء برعاية وزير يسعى للسلطة. للأسف الشرفاء من الداخلية إذا استمروا في الصمت فهذا يعنى أنهم شركاء الأخوان في جرائمهم وهذه مصيبة كبرى. وفي تدوينة سابقة كتب جاسر: "من شوية كان فية بلطجية على كوبرى اكتوبر وهاتك ياتثبيت فى الناس اللى معدية وتحرش بالبنات اللى سايقة او راكبة تاكسى .. وبعدها قطعو الكوبرى .. والشرطة الباسلة بتاعتنا سابت كل ده وراحت تأمن دار القضاء وبعتت تعزيزات اضافية هناك .. يولع المواطن لكن المبانى لأ دى هيبة دولة !". وتدوينة أخري: "المصيبة ان مصر بيحكمها الكلاب الإخوان من الأمام ومن الخلف العسكر والشعب هما الضحية". وتدوينة هي الأحدث: "المواطن اللي عرَّي نظام مرسي كان محتجز في الإتحادية واتنقل دلوقتي علي مستشفي الشرطة في مدينة نصر".
دعاء وكلمة "محفوظ" وفي هذه اللحظات التى تركت فيها جاسر بين يدي ربه، إن شاء يشفيه وإن شاء اختاره إلى جواره، تذكرت كلمة للأديب الراحل "نجيب محفوظ": إن الجريمة التي تفلت من العقاب تكرس الإثم بين الناس .. وتزعزع الثقة في العدالة .. وتمهد لارتكاب المزيد من الجرائم.