تمثّل فئة الشباب هى العمود و العماد الذى تقوم عليه الدولة و يرتكز عليه المجتمع، فالشباب دائما هم محطّ الآمال و الطموحات فى المجتمعات المختلفة، و فيهم يكمن الأمل فى تغيير الواقع الذى عجزت الأجيال السابقة عن تغييره، فهم القوّة و النشاط فى قلب المجتمع، و هم منبع ديناميكيته التى تحفظ للمجتمع ديمومته و تساعده على مواكبة روح العصر التى تكون فى أغلب الأحيان بعيدة عن فئات المجتمع الأخرى و التى تغرق رويداً رويداً كلّما دار عليها الزمن فى حالة من الاستاتيكية و الجمود ، و التى تبتلى -فى كثير من الاحيان- بالدوجماطيقية أو تغرق فى وحل البيروقراطية. تحتفظ فئة الشباب دائما بأفكارها الطوباوية التى تشرّبتْها فى طفولتها عن الأخلاقِِ وأهميّة الالتزام بالقوانين و أحاديث الشرف و الطاعة و الاحترام، و بمجرّد أن تشبَّ هذه الفئة عن الطوقِ حتى تصطدم بالواقع الذى رانت عليه طبقات و طقات من القوانين الداروينية المهيمنة على العلاقات بين أفراد المجتمع، و تصطدم بالروح التعاقديّة البراجماتيّة التى تسيطر على شكل العلاقات الإنسانية خاصّة فى مجال العمل، هذه الفئة تظلُّ فى صراعٍ مع هذا المجتمع محاولةً الدفاعَ عن أفكارها المثاليَّة و الصورة الطوباويّة القابعة فى كيانها ، قد يستسلم بعض الشباب لشكل المجتمع القائم و يسير مع التيّاَر و يتخلّى مرغما آسفا عن أفكاره بعد أن طُمِستْ شخصيَّتّه و تشوّه وعيُه الذاتى، و قد يثور البعض الآخر على الأعراف و النظم الجامدة المتفشية فى المجتمع و يظل فى صراع مع هذا المجتمع حتى الرمق الأخير، و هذا الصراع يحفظ لفئة الشباب استقلالها النسبى و تفرّثدها و يدعم وجودها خارج إطار المجتمع، و من ثمّ تشرع هذه الفئة فى محاولات مستميتة للتأثير فى المجتمع و إعادته إلى سلامته و صراطه المستقيم، و يظل هذا الصرع الديالكتيتكى بين الشباب و سائر فئات المجتمع حتى يُكلل مجهودهم بالنصر ، و إمَّا أن تُكْبتْ هذه الفئة و تُهضم فى أحشاء المجتمع و يتم استيعابها بالكامل و تتطبّع بالأشكال و الأنماط السائدة فى المجتمع. وضع الشباب فى المجتمعات الحديثة يشابه إلى حدٍ بعيدٍ وضعَ طبقة العمّال (البروليتاريا) فى المجتمعات الرأسماليّة (القديمة)، فكلاهما ينتابه شعور "الإغتراب" الذى يعد الحافز الأوَّل و السبب الرئيسىّ للتمرد على أوضاع المجتمع و القيام بالثورة، وإذا كانت طبقات العمال قد تمت السيطرة عليها أيديولوجيا و تم استيعابها بشكلٍ كاملٍ فى المجتمعات الرأسماليّة الحديثة التى وفَّرت لهذه الطبقات قدْراً كبيراً من احتياجاتها الأساسية و ملأت أيديها بالمنتجات الاستهلاكيّة، و فرضت عليها نوعا من الهيمنة الأيديولوجيَّة عن طريق وسائل الإعلام و الإعلان، فإنّ الآمال تحولت بالتالى عن طبقة العمّال التى خيّبت ظنّ الماركسيين ، و أصبح معقودة حول فئات الشباب التى شغلت مكانها على هامش المجتمع، ذلك لأنها تتمتع بانفصال نسبىّ عن مجريات الواقع الإجتماعى ، و هذا الانعزال أو الإنفصال النسبىّ يوفّر للشباب فرصة النظر من خارج الإطار المُجتمعىّ، و من ثمَّ نقْدُهُ و التعرُّف على مواطن الخلل و العَوَارِ فيه، و هذا بالضبط ما حدث سابقاً خلال ثورة الطَّلَبة بفرنسا عام 1968م، حين ثار الطلبة على مجتمعهم الذى كان آخذا فى تبنّى سياسات و انماط إستهلاكيَّةٍ مقززة، و الذى كان يزحفُ نحو نموذج المجتمع الإستهلاكى الأمريكى. لا أريد أن أضفى شكلا جازماً على كيفيّة الصراع و مجراه بين فئة الشباب و فئات المجتمع الأخرى، كما فعل ماركس حين تناول دراسة المجتمعات الرأسمالية ، و عرض فكرته القائمة على الماديّة التاريخية و كسا فكرته برداء الحتمية، و لكن شكل الصراع الذى طرحتُهُ يسبح فى فضاء نظرىّ سيختلف شكلُهُ حتما عند تطبيقه فى الواقع، و فكرة الصراع بين فئة الشباب و الفئات الاخرى سببها أن هذه الفئة تحمل الطَّهارة و العذريّة من مراحل الطّفولة، هى عذريّة و طهارة فى مجتمع فقد عذريته و طهارته عندما سعى وراء الكسب المادى و سلك الطرق التى تؤدّى لتراكم الأموال بغض النظر عن الطريقة – مشروعة أم غير مشروعة – و بعد أن تلطّخت يده بالرشوة و الفساد ، و أصبحت المحسوبية لا الكفاءة هى المعيار الذى يتم على أساسه معرفة مدى اهليّة المتقدم للوظيفة ، و حجم الصدمة التى يعايشها الشباب فور الإنخراط فى الواقع هى التى تفسّر ردّ الفعل العنيف فى الخروج على طاعة الآباء و كبار السنّ الذين يدّعون دائما الخبرة و الحكمة، و هذه الصدمة مصدرها حجم الإزدواجية المرعب الذى يراه الشباب فى الأجيال السابقة عليهم، تلك الأجيال هى التى غرست فيهم الأفكار المثالية و لكنها قلبت الآية و شرعت فى سبيل آخر يرفع شعار "الغاية تبرر الوسيلة" ، و لهذا فقد الشباب الثقة فى مدّعى الحكمة و العقل. و انطلاقا من خوف الشباب على مستقبلهم و حرصاً منهم على تغيير المجتمع حتى يتلاءم مع أفكارهم العصرية، يسعى الشباب فى عصبية و حمية لتغيير المجتمع، و بشرعون فى الخروج على كل معاييره و تقاليده الجامدة التى تكبّل حريّتهم، خاصة بعد الإنفتاح و التعرف على أشكال الحياة فى المجتمعات الأخرى (بأدق تفاصيلها) الذى وفره عصر العولمة و الثورة المعلوماتية، فيأتى التغيير على أيدى الشباب و لكن كثيرا ما يأتى فى شكل ردِّ فعلٍ مبالغ فيه، و يكون صادما للمجتمع الذى سبق و أن صدمه، فلا عجب إذن عندما نرى فتاة ترتدى ترتدى ملابسا مكشوفة صادمة لمجتمع منغلق، أو أن نرى شاباً مرتديا بنطالاً ساقطا مشرفاً على السقوط التّام بعد أن تخلّص من كل أشكال الأحزمة التى تشكّل قيداً على حريّة البنطلون !! التخلص من "حزام" البنطلون فى هذه الحالة هو فى واقع الأمر محاولة للتخلّص من "حزام" التقاليد المجتمعية، و لكن للأسف ففى الحالتين عدم ارتداء الحزام قد يؤدّى إلى كشف عورة الشباب الجسدية أو المجتمعيّة !! تكْمن مشكلة التغيير التى يحمل سراجها الشباب فى أنها كما تحمل طهارة الأطفال ، فإنّها تحمل كذلك تفاهتهم و سذاجتهم و عدم إدراكهم للمسئولية و عدم القدرة على إدراك خطورة المواقف المصيرية، و قد يتحوّل هذا عند الإختلاط بقوة و عنفوان الشباب و طاقتهم دون إرشاد أو ترشيد إلى طاقة مدمرة للمجتمع لا تتوقف عند حد التغيير، خاصّة أن الشباب لا يتحلّى بالصبر و الأناة و دراسة الأمور بعقلانية و النظر إلى القضايا من جميع جوانبها، و لا يرضى بانصاف الحلول ، و عليه فإن الخلاص من هذه المشكلة يكمن فى تفعيل الحوار بين فئات المجتمع و فئة الشباب، و هذا الحوار يجب أن يتم فيه عرض الأمور و الأفكار و مناقشتها بموضوعية من جميع الأطراف، و يجب أن يتخلّى الشباب عن العجلة و فقدان الثقة فى الكبار، و على الكبار استيعاب الشباب و إبداء تقبّل و تفهّم لثورة الشباب، حتى نتجنّب الصراع الذى قد يأتى بالهلاك على المجتمع بأسره.