طالعت إعلانًا لإحدى شركات الاستثمار العقاري الكبرى – حسنة السمعة – عن إقامة مشروع سكني ضخم، بطراز معماري فريد، في موقع متميز، بإحدى المدن الجديدة. تقدمت لحجز وحدة سكنية، قمت بتوقيع العقد وسداد المُقدم، وألْتزمت بسداد الأقساط المقررة في مواعيدها المحددة. "دفعت دم قلبي وتحويشة العمر"، انتظرت عدة سنوات حتى يأتي موعد استلام الوحدة السكنية، والمُحدد بعقد الشراء. الحماس يغمُرني وأسرتي، لبلوغ الموعد، انتظرناه طويلاً، انتظرنا لحظة استلام الوحدة السكنية لنقوم بتشطيبها و"فرشها" بأيدينا، تخيلنا أنفسنا بعد أن ننتقل لمسكن جديد، نرتقي بجودة الحياة ونؤسس لمستقبل أفضل. الصدمة كانت عندما أتى موعد الاستلام، وفوجئنا بإدارة الشركة تطلب منا الانتظار لمدة ستة أشهر لعدم انتهائها من تنفيذ المشروع، ثم عاودوا وطلبوا تأجيل التسليم 12 شهرًا أخرى، وظلوا على هذا الوضع، حتى مر على موعد التسليم أكثر من ثلاث سنوات، ولم يلتزموا بالوفاء بأية وعود، حتى أصابنا اليأس، وأصبحنا دون أن ندرى ضحايا لشركة غير مسئولة، تُطالبنا بالاستمرار في سداد الأقساط، بينما كل ما يفعلونه هو إطلاق وعود زائفة وعمليات تسويف، وعلى الجانب الآخر فإن معدلات التنفيذ للمشروع على أرض الواقع متواضعة وبطيئة، ولا تُبشر بخير في المدى القريب. كل ما سبق كان مضمون شكوى تلقيتها من أحد الأصدقاء. قلت له: أنصحك بتقديم شكوى لجهاز حماية المستهلك. قال لي: حاولنا، وكان الرد أن الشقق السكنية ليست ضمن نطاق عمل الجهاز. قلت له: قدم شكوى لجهة حكومية مختصة. قال لي: لم تُحقق أي جدوى. قلت له: توجه إلى القضاء. قال لي: شركة الاستثمار العقاري تتمنى ذلك، وستحاول إطالة أمد التقاضي لسنوات وسنوات، ولديها جيش من المستشارين القانونيين، لن ننجح في مواجهته. قلت له: أطلب استرداد المبالغ التي قمت بسدادها، وحاول شراء وحدة سكنية في مكان آخر. قال لي: إن المبالغ التي قمت بسدادها على مدار سنوات فائتة، تراجعت قيمتها وقوتها الشرائية، وستكون أقل من سعر أي وحدة سكنية في هذه الأيام. قلت له: وماذا ستفعل؟ قال لي: لا أعلم. إلى هنا انتهى الحوار، غير أنني بدأت أُحدث نفسي، وتساءلت: هل بلد بحجم مصر، وفي ظل تلك الثورة العقارية الهائلة وتلك المشروعات السكنية التي تعصى على الحصر، ألا يوجد في منظومة عملها ما يحمِي حاجزي الوحدات السكنية من تأخر المطورين العقاريين عن تسليم الشقق في المواعيد المحددة؟ ألا توجد آلية أو لائحة، أو حتى قواعد تنظيمية ورقابية تُعالج تلك المسألة؟ بعد بحث، انتهيت إلى أن الدكتور مصطفى مدبولي رئيس مجلس الوزراء قام بإصدار ضوابط لتنظيم هذا الموضوع، تضمنها القرار رقم 2184 لسنة 2022 الذي تم نشره بالجريدة الرسمية في 16 يونيو من نفس العام، والذي جاء تحت عنوان "إلزام جهات الولاية بإدراج ضوابط بيع وحدات مشروعات التطوير العقاري لضمان حقوق المشترين". تضمن القرار عدد 8 مواد، توقفت بالشرح والتفصيل لتلك القضية من خلال قواعد تنظيمية وفنية وإجرائية ورقابية، تضمن حقوق المشترين. نص القرار على إلزام جهات الولاية بإدراج ضوابط تُلزم المطور العقاري بتقديم ضمانات مالية لضمان تنفيذ المشروع وتسليم الوحدات في الموعد المحدد. كما نص القرار على أنه لا يجوز بيع وحدات بأي مشروع قبل الحصول على القرار الوزاري باعتماد المخطط العام والقرار الوزاري التفصيلي للمرحلة المراد الإعلان عنها. ونص كذلك على إلزام المطور العقاري بالبرنامج الزمني المقدم منه والمعتمد من جهة الولاية لتنفيذ المشروع. إلى هنا كنت سعيدًا جدًا بهذا القرار شكلاً وموضوعًا، إلى أن بدأت في قراءة محتوى المادة الخامسة، والتي تنص على ما يلي: ((مع عدم الإخلال ببنود التعاقد المبرمة بين المطور العقاري والعميل، في حال تأخر المطور العقاري في تسليم الوحدة العقارية المبيعة إلى العميل في الموعد المتفق عليه في العقد المبرم، شريطة التزام جهة الولاية بشروط التعاقد، واستخراج التراخيص طبقًا للقوانين المنظمة، وبشرط التزام العميل بكافة بنود العقد مع المطور العقاري، والالتزام بسداد الأقساط المستحقة عليه في مواعيدها طبقًا للعقد مع المطور العقاري، يتم الآتي: 1- يُمنح المطور العقاري اثني عشر شهرًا للالتزام بتسليم الوحدة طبقًا للتاريخ المحدد بالعقد. 2- إذا تجاوزت مدة التأخير عن اثني عشر شهرًا، تُرحل الأقساط المستحقة لحين الاستلام بذات المدة بعد الانتهاء من الأقساط المتبقية. 3- في حال تجاوز مدة التأخير عن 24 شهرًا، يكون من حق العميل الاختيار بين استمرار البند السابق لحين الاستلام، أو استرداد ما تم سداده خلال مدة 3 أشهر من الطلب...)) هنا، وأمام ما جاء في تلك المادة، أطلب من السيد رئيس الوزراء أن يسمح لي بالاعتراض على كل ما تضمنته تقريبًا، وذلك للأسباب التالية: 1- صدور المادة جاء (معلقًا) ومقَيَّدًا، ومشروطًا بتوافر معطيات فضفاضة وجدلية، تفتح أبوابًا واسعة للمطور العقاري لينفذ ويهرب من التزاماته. 2- بأي منطق يمنح مُصدِر القرار نفسه صلاحية التحدث نيابة عن المشتري، الذي أبرم عقد اتفاق بنصوص محددة، ويُعطى بالنيابة عنه مهلة 12 شهرًا للمطور العقاري حال تأخره، وعلى أي أساس تم تحديد ال 12 شهرًا، ولماذا لم تكن ستة أشهر أو ثمانية عشر شهرًا؟ 3- خلت المادة من الحديث عن أي غرامات أو قرارات جزائية أو عقابية بخصوص المطور، ولم تتحدث عن أية تعويضات بالنسبة للمشتري. لتلك الأسباب وكثير غيرها – لا يتسع المقام لذكرها – لم أعد سعيدًا بذلك القرار، وأسجل اعتراضي عليه، وأطالب السيد رئيس مجلس الوزراء بإعادة النظر فيه، وأن يُفسح المجال لسماع أصحاب المصلحة من المشترين.