"طلعت مصطفى" تحقق 86 مليار جنيه مبيعات عقارية وحجوزات    بوتين في برقية لرئيسة سلوفاكيا: الهجوم على فيتسو جريمة وحشية لا مبرر لها    أول تعليق من كرونسلاف يورتشيتش بعد فوز بيراميدز على سيراميكا كليوباترا وتعزيز صدارة الدوري    ضبط كيلو حشيش وسلاح ناري بحوزة عاطل شمال الأقصر    «جوجل» تطرح أندرويد 15 بيتا 2.. تعرف علي مميزاته    وزارة النقل تنعى الدكتور هشام عرفات وزير النقل السابق    وزارة النقل تنعى هشام عرفات: ساهم في تنفيذ العديد من المشروعات المهمة    مخاطر الإنترنت العميق، ندوة تثقيفية لكلية الدعوة الإسلامية بحضور قيادات الأزهر    وكلاء وزارة الرياضة يطالبون بزيادة مخصصات دعم مراكز الشباب    بعد تشغيل محطات جديدة.. رئيس هيئة الأنفاق يكشف أسعار تذاكر المترو - فيديو    «جوزي الجديد أهو».. أول تعليق من ياسمين عبدالعزيز على ظهورها بفستان زفاف (تفاصيل)    طاقم عمل A MAD MAX SAGA في العرض العالمي بمهرجان كان (فيديو)    «الشعب الجمهوري» يهنئ «القاهرة الإخبارية» لفوزها بجائزة التميز الإعلامي العربي    البداية ب "تعب في العين".. سبب وفاة هشام عرفات وزير النقل السابق    هل الحج بالتقسيط حلال؟.. «دار الإفتاء» توضح    أمين الفتوى يحسم الجدل حول سفر المرأة للحج بدون محرم    خالد الجندي: ربنا أمرنا بطاعة الوالدين فى كل الأحوال عدا الشرك بالله    رئيس جامعة المنصورة يناقش خطة عمل القافلة المتكاملة لحلايب وشلاتين    كوارث النقل الذكى!!    بتوجيهات الإمام الأكبر ..."رئيس المعاهد الأزهرية" يتفقد بيت شباب 15 مايو    يكفلها الدستور ويضمنها القضاء.. الحقوق القانونية والجنائية لذوي الإعاقة    الكويت تطالب المجتمع الدولي بالضغط على الاحتلال الإسرائيلي للامتثال إلى قرارات الشرعية الدولية    "الزراعة" و"البترول" يتابعان المشروعات التنموية المشتركة في وادي فيران    محافظ مطروح: ندعم جهود نقابة الأطباء لتطوير منظومة الصحة    رسميًا| مساعد كلوب يرحل عن تدريب ليفربول.. وهذه وجهته المقبلة    زياد السيسي يكشف كواليس تتويجه بذهبية الجائزة الكبرى لسلاح السيف    بث مباشر مباراة بيراميدز وسيراميكا بالدوري المصري لحظة بلحظة | التشكيل    مدعومة من إحدى الدول.. الأردن يعلن إحباط محاولة تهريب أسلحة من ميليشيات للمملكة    الطاهري: القضية الفلسطينية حاضرة في القمة العربية بعدما حصدت زخما بالأمم المتحدة    كسر ضلعه وأفقده البصر.. أب يعذب ابنه ويصيبه بعاهة مستديمة في الفيوم    بعثة منتخب السلة تغادر للمجر للمشاركة في تصفيات الأولمبياد    ملك قورة تعلن الانتهاء من تصوير فيلم جوازة توكسيك.. «فركش مبروك علينا»    الصورة الأولى لأمير المصري في دور نسيم حميد من فيلم Giant    الزراعة: زيادة المساحات المخصصة لمحصول القطن ل130 ألف فدان    «تضامن النواب» توافق على موازنة مديريات التضامن الاجتماعي وتصدر 7 توصيات    فرحة وترقب: استعدادات المسلمين لاستقبال عيد الأضحى 2024    إصابة عامل صيانة إثر سقوطه داخل مصعد بالدقهلية    الحكومة توافق على ترميم مسجدي جوهر اللالا ومسجد قانيباي الرماح بالقاهرة    «الصحة» تقدم 5 نصائح لحماية صحتك خلال أداء مناسك الحج 2024    ماذا قال مدير دار نشر السيفير عن مستوى الأبحاث المصرية؟    مفتي الجمهورية من منتدى كايسيد: الإسلام يعظم المشتركات بين الأديان والتعايش السلمي    أبرزها «الأسد» و«الميزان».. 4 أبراج لا تتحمل الوحدة    تحديد نسبة لاستقدام الأطباء الأجانب.. أبرز تعديلات قانون المنشآت الصحية    الأمم المتحدة: أكثر من 7 ملايين شخص يواجهون خطر انعدام الأمن الغذائي بجنوب السودان    أمين الفتوى: الصلاة النورانية لها قوة كبيرة فى زيادة البركة والرزق    قطع الكهرباء عن عدة مناطق بمدينة بنها الجمعة    "النقد الدولي" يوافق على قروض لدعم اقتصاد غينيا بيساو والرأس الأخضر    «الأمن الاقتصادي»: ضبط 13238 قضية سرقة تيار كهربائي ومخالفة لشروط التعاقد    حكم وشروط الأضحية.. الإفتاء توضح: لا بد أن تبلغ سن الذبح    الصحة تشارك في اليوم التثقيفي لأنيميا البحر المتوسط الخامس والعشرين    ضبط 123 قضية مخدرات في حملة بالدقهلية    أحمد مجدي: السيطرة على غرفة خلع ملابس غزل المحلة وراء العودة للممتاز    بعد الصين.. بوتين يزور فيتنام قريبا    وزارة العمل: 945 فرصة عمل لمدرسين وممرضات فى 13 محافظة    فاندنبروك: مدرب صن داونز مغرور.. والزمالك وبيراميدز فاوضاني    قيادي ب«حماس»: مصر بذلت جهودا مشكورة في المفاوضات ونخوض حرب تحرير    بشرى سارة للجميع | عدد الاجازات في مصر وموعد عيد الأضحى المبارك 2024 في العالم العربي    ريال مدريد يكتسح ألافيس بخماسية نظيفة في ليلة الاحتفال بالليجا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"رحلت أُمِّ.. فذبلت كل ورودي"!
نشر في مصراوي يوم 13 - 07 - 2021

ورحلت المرأة الوحيدة التي تربعت فوق عرش القلب.. فكانت لي الأرض والوطن والهوية.. كانت لي العون والسند.. رحلت أُمي وأصبحت في ذمة الله.
خرجت الروح الطاهرة من جسدها الطاهر.. أغمضت عينيها التي كانت ترعاني بهما.. صمت الجسد الذي كان لي الفراش والمأوى والحضن الدافئ ردحا من الزمن.. سكتت الأطراف التي ترك الزمن خطوط سنيه بين عروق يديها ورجليها.
كم هي موحشة هذه المسافات القصيرة التي أحرك فيها جسدي الذي أعياه الحُزن والألم.. كم هو مظلم كل ما هو حولي وكأن الدنيا يُخَيِّمُ عليها وحشة حالكة السّواد كقطع الليل المظلمة.
———
قبل أن يأخذ الله أمانته فيها بيوم واحد، مررتُ بأكثر اللحظات الحرجة من أيام العُمر، كنت في ذلك اليوم أقف صامتا كالصنم أمام جسد أضناه المرض، وأنهكه التعب، ولعب في تجاعيده الزمن، كما تفعل عوامل التعرية والتجوية في الطبيعة.
كنتُ أقف إجلالاً واحتراما وخشوعاً أمام سرير أُمي في قسم العناية المركزة، بعد أن قال الطب كلمته الأخيرة: "لا أمل.. وتبقى إرادة الله التي هي فوق كل إرادة"..
كنتُ أقف أمامها صامتا، متألما من الغصة والأنين.. عجزت كل الكلمات عن الخروج من بين شفتي.. أُصيبَ لساني بالشلل فلم يَعُد يقوى على الحركة، وتلعثمت كل حروف اللغة في فمي، فلم أجد ما أقوله.. كنتُ أقف إجلالًا واحتراما وعظمةً وتقديرا بين يديها وفي حضرتها وأمام هيبتها وعنفوانها وتمسكها بالحياة.
هي أمي التي حملتني في أحشائها تسعة أشهر.. كان جسدها النحيل مصدر الحياة لي وأنا أنمو وأكبر بين خلايا جسدها.. أعيش في غذائي وطعامي وشرابي على ما ينتجه جسمها.. أتنفس جزءا من الهواء الذي تستحقه الدماء التي تجري في عروقها.. أتحرك يمينا ويسارا بداخلها وهي تضع يدها فوق بطنها لتُهدئ من شقاوتي وأنا أكبر يوما بعد يوم لأصبح طفلها المدلل.
يمر شريط الذكريات أمامي وكأنها لوحة أبدعتها يد الخالق العظيم.
نعم يا أُمي؛ أنا ذلك الطفل الذي كان يمرحُ من حولكِ مدندِنا.
نعم يا أمي؛ أنا ذلك الطفل الذي كان يرمي بنفسه بين ذراعيك وكانت نسائم أمه كريح الجنَّة.
نعم يا أُمي؛ أنا ذلك الطفل الذي كان يتسلق الأشجار دون ضجر وكان قلبكِ يتقطع خوفا عليه.
نعم يا أُمي؛ أنا ذلك الطفل الذي كان يخوض في وحل الشتاء وحرقة الشمس دون كلل أو ملل.
نعم يا أمي الحبيبة؛ أنا ذلك الطفل الذي دنياه كانت أحضانك الدافئة.
وقلت قبل يوم واحد من رحيلها أمام سريرها وهي غائبة عن الوعي تماما.. سكون تام... صمت كقطع الليل المظلمة.. لا حركة ولا صوت غير صوت الهواء من فمها وهي تتنفس من جهاز الأكسجين الذي وضعه الأطباء فوق وجهها الباسم.
في عالمي أنا توقفتْ في تلك اللحظة عجلة الحياة، وتوقفت حركة الأرض عن الدوران.
الله.. الله.. الله.. ما أجمل هذا الوجه.. وجه أمي الذي رافقني منذ أن كنت طفلا بين أحضانها..! كلماتها صارت وشما في نفسي عندما كانت تقول لي: "أنت أكثر عيالي أرضعتك من صدري.. أرضعتك حولين كاملين".
كنت في تلك اللحظات أناجيها: سامحيني يا أمي الغالية.. فأنا أقف اليوم بين يديك وأمام وجهك الباسم عاجزا عن رد أي جزء من الجميل.. وأي جميل أرده إليك وأنتِ التي كنت وما زلتِ لِي الوطن والهوية.. وكنت أرفع يدي إلى الباري- عز وجل- وأتمتم:
اللّهُمَ الطف بأمي.
اللّهُمَ الطف بأمي.
اللّهُمَ الطف بأمي.
———-
آهٍ يا أُمّي آه.. كم هي خالية خاوية على عروشها هذه الدُنيا الفانية بدونك..!
كم هي صامتة هذه الحياة صمتَ القبور..!
آهٍ يا أُمِّي.. كم هو مؤلم قهر الرجل وانكساره وضعفه وانهياره في مواجهة فراق أمه..! كم هو جبار هذا الألم الذي يحبس الدمعة في عيني في هذه اللحظة..!
إن قوة دمعة الرجل تهُزُّ الأرض من تحته، فتتشقق النفس من شدتها، وتتقطع الروح أنينًا من ألمها.
آهٍ يا أمي.. ابيضّت عيناي من الأنين.. الدمعة محبوسة في المقلتين، والقلب يتفطر حزنا على فراقكِ، فمنذ هذه الليلة لن أجد المرأة التي كنت أحِنُّ لدفء أحضانها، ولن أجد المرأة التي كانت تشاركني أمل الصباح ونغمة المساء.. لا أعرف يا أمي كيف سيكون طعم الحياة بدون أن أشم كل لحظة رائحة الطِّيب من جسمك.
آهٍ يا أُمي.. حاولت وصفكِ لكل من حولي فاستعصى الخيال معي، ولم يبق لي سوى السفرُ مع أحزاني على فراقكِ دون هدى.. فمَنْ بعدكِ يرفع يديه إلى السماء ليدعو لفلذة كبده "عبدالله" غيرك يا "أم عبدالله"؟!
من الذي يُحصِّنني بالقرآن، ويفتح أبواب الدعاء لي إلى الله؟!
إليكِ يا أمي أميل.. فما لجمال عينيك ولسحرك وللنغمات من بين شفاهكِ وللحُب الأزلي من قلبكِ في حياتي بديل.. ما لوجودك يا من رحلتِ عن الأرض بديل.. وكلُّ حبٍّ غير حُبِّي لكِ مُستحيل.
اللَّهُمَّ إن أُمي بين يديك، وفي رحمتك وتحت ظلالك.
اللَّهُمَّ لا تحرمها من رائحة الجنة، فهيَ لم تحرمني شيئاً من الدُنيا.
اللَّهُمَّ ارزقها لذة النظر إلى وجهك الكريم والشوق إلى لقائك.
اللَّهُمَّ أَطْعِمها من الجنة، واسقها من الجنة، وأرِها مكانها من الجنة، وقل لها ادخلي من أي باب تشائين.
أُمِّي،
رحَلْتِ ورَحَلتْ معكِ رُوحي..
***
عبد الله رشيد
صحفي وإعلامي إماراتي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.