على كرسي متهالك بجانب العقار المنهار بمنشأة ناصر، جلس "عم جمال" قهوجي، يبكي من فقدهم من عائلته؛ زوجته وابنته "العروسة" واثنين من أبنائه "سنده" في مواجهة أعباء الحياة، منتظرا مصيره مثل أهالي المنكوبين في الحادث. فجر الخميس الماضي، انطلق "عم جمال" إلى عمله بمفرده في مقهى مجاور للعقار بعدما رفضت زوجته "فاطمة.إ" الذهاب معه كالعادة، لقيامها بمساعدة ابنتها "سماح" طالبة بكلية الحقوق، في تحضيرات حفل "عيد ميلاد" خطيبها "محمد.ه" 24 سنة، صاحب محل موبايلات. استيقظت الفتاة العشرينية مبكرا، تتحرك كالفراشة بين أرجاء المنزل، تعكف على التنظيف، ثم إلى المطبخ لإعداد طعام "الغداء" لخطيبها الذي ارتبطت به قبل 3 شهور في حفل عائلي، حضره الأصدقاء والجيران.. كما تروي شقيقتها "حنان". ومع وصول صديقتها يسرا، 22 سنة، بدأتا في التخطيط لسير اليوم، انهمكا في عمل الحلوى، في انتظار وصول خطيبها لمفاجئته بحفل "عيد ميلاده"، حتى وصل في الثانية عشر ظهرا، فاستقبلته بصحبة والدتها، وقطع حديثهما طرق على الباب، بإرسال الأب، حفيده "محمد" سنتين ونصف، لتغيير ملابسه برفقة أحد العمال. دون سابق إنذار؛ إنهار العقار على رؤوس ساكنيه في الثانية عشر والربع ظهرا، مخلفًا 12 متوفي وإصابة 19 آخرين، بينهم 4 من أسرة "جمال" وخطيب ابنته وصديقتها، بالإضافة لإصابة حفيده "محمد" ونجاة ابنته لوجودها في عملها بأحد المصانع وقت الانهيار. "الحق البيت وقع بعيالك"، كلمات هرول على إثرها الرجل الخمسيني، إلى منزله المكون من 5 طوابق (8 شقق سكنية)، محاولًا البحث عن عائلته تحت الأنقاض، فيمنعه الجيران "كانت الحيطان بتقع ومنقدرش نسيبه، ممكن يموت"، يقول "أبو يوسف" أحد الجيران. تنهمر دموع "عم جمال" عندما تذكر ابنته العروسة "كنا متفقين يتجوزا في آخر السنة دي، وجهازها اتكلف 100 ألف جنيه راح في التراب غير دهبها اللي راح في الأرض"، ليشخص ببصره ناحية العقار "ربنا يتولانا برحمته". رفض سكان العقار المنهار، الانتقال لشقق سكنية بمدينة بدر "إزاي نمشي بعيد عن أكل عيشنا، والشقق دي على البلاط"، وأرجع بعضهم في تحقيقات نيابة منشأة ناصر انهيار العقار إلى قيام أحد المقاولين بالحفر خلفه لإنشاء برج سكني، وهو ما أثَّر على أساسات المنزل الأقدم في المنطقة، حسب الأهالي. 3 أيام مرت على انهيار العقار، ومازالت آثار الحادث تلاحق المتضررين؛ يأوي مسجدان مجاوران السيدات في العقار المنهار والعقارات التي تم إخلاؤها، فيما يبيت الرجال على "القهاوي"، وتواصل الجمعيات الخيرية إمدادهم بما يعينهم على المعيشة "طعام وبطاطين". يذكر أن وزيرة التضامن الاجتماعي غادة والي، وجهت لجنة الإغاثة، بتوفير مكانًا للمتضررين من الحادث بمركز شباب منشأة ناصر، إلى جانب تكليف جمعية (جنات الخلود) بتوفير "وجبات" لحين حل الأزمة، إلى جانب أنه تم صرف مساعدة مؤقتة للإعاشة بواقع 100 جنيه للفرد من المتضررين جراء الحادث.