قال: إيه مرادابن أدم ؟ قلت له طقة - قال : إية يكفى منامه ؟قلت له: شقة-قال :إيه يعجل بموته؟ قلت له زقه -قال حد فيها مخلد؟ قلت له لآة قال لي: ما دام ابن آدم بالصفات دي نويت أحفظ صفات ابن آدم كل ما اترقى، هكذا لخص محمود بيرم التونسي فلسفته في الحياة التي عاش فيها69عاما حمل فيها هموم وطنه مصر والأمة العربية والإسلامية. وما أشبه اليوم بالبارحة فعند قراءة أيا من أعما ل بيرم التونسي الذى نحتفل اليوم بذكرى 120عاما على مولده نرى ذلك العبقري الذي عبر بالزجل والمقالة والمقامة والمسرحية والقصة عن مشكلات المجتمع وصورها لنا وشخصها كطبيب مقدما العلاج والمطلوب فقط الجراح الذى يستأصل أورام المجتمع ليتعافى والعجيب رغم مرور تلك السنوات فالمشكلات متشابهة إن لم تكن هي فأصل الداء موجود.
ولد بيرم في 4مارس في حي السيالة بالإسكندرية ولم يكمل تعليمه في المعهد الديني بمسجد المرسى ابو العباس بعد وفاه والده ليعمل في دكان والده فاختط بالناس وعرف مشاكلهم خاصة الضرائب فكتب قصيدته الشهيرة ''بائع الفجل'' ينتقد فيها المجلس البلدي قال فيها ''يا بائع الفجل بالمليم واحده.. كم للعيال وكم للمجلس البلدي''، التي فتحت بابين الشهرة وهو لن يغلق. أما الباب الآخر فهو باب المطاردة والنفي واللذين تغلب عليهما بالكتابة والزجل وترك لنا أعمالا نتأمل فيها أحوال البشر في مصر والبلاد العربية والاوربية تظل تدعو الناس الى العمل و إعمال الفكر فقد قال في قصيدة شهيرة يا شرق فيك جو منور... والفكر ضلام / لا بالمسيح عرفوا مقامهم... ولا بالإسلام. وكان النفي بسبب الطعن في الاسرة الحاكمة متخطيا بتمرده كل الوان الخطوط بقصيدة شهيرة طعن فيها شرف زوج الاميرة فوقية بنت الملك فؤاد فتم نفيه إلى تونس بلد جده وعاش فيها سنتان ذاق فيها مرارة النكران لاصله حيث المعايرة بان جده من أم جارية فهرب إلى مرسيليا وباريس. وبعد سنوات من المطاردة من السلطات هناك قررت فرنسا أنهاء تمرده فيها بنفيه الى أحدى الدول الأفريقية وخلال توقفه في ميناء بورسعيد لم يطق البعد عن مصر فهبط من السفينة وظل يعيش فى مصر متخفيا الى عفى عنه الملك فاروق وعن تلك الفترة قال الكثير من القصائد منها قوله ''الأوّله مصر، قالوا تونس ونفوني: والتانيه تونس، وفيها الأهل جحدوني: والتالته باريس، وفيها الكل نكروني''. ولان سلاح بيرم التونسي كلمة الحق، فقد نجح في أن تبحث عنه مشاهير ونجوم العصر بقصائد العشق والسياسية فغنت سيدة الغناء العربي أم كلثوم كثير من الروائع مثل رائعتها ''أنا في انتظارك '' ''هو صحيح الهوى غلاب'' و''الأولة في الغرام'' و''أنا وإنت'' وأغنية ''غني لي شوي شوي'' وأغنية ''القلب يعشق كل جميل''. وإذا كان شب خلاف بين شاعرنا وأم كلثوم وصل الى المحاكم لكن فطنة القاضي قضى عليه دون أي خسائر للطرفين وظلت أم كلثوم تقدر شاعرنا.. ولعل إذاعتها لخبر وفاته في الإذاعة المصرية ونعيها له على الهواء مباشرة يوم 5يناير عام 1961 أكبر دليل على عمق الصداقة والاحترام بين أسطورة الغناء وأسطورة القصيدة العامية. وظل بيرم وفيا لأرض الكنانة وناسها الذى عاش معهم في حي السيدة زينب وتفاعل معهم ولهم وأبدع في نظمه للزجل وللشعر بلغة العامة متفاعلا معهم ومن أجلهم فتفاعل معه الناس ليس في مصرا فحسب وإنما في العالم العربي الكبير وساعد على ذلك غناء كبار المطربين لأشعاره ومشاركاته في الكتابة للسينما حيث كتب 15 فيلما منها -عنتر بن شداد و-السوق السوداء-فضلا عن الكثير من الأغاني للمطربين والممثلين. وعمل بيرم صحفيا في أخبار اليوم و جريدة المصري وجريدة الجمهورية، ومنحه الرئيس الراحل جمال عبد الناصر الجنسية المصرية وكرمه بجائزة الدولة التقديرية في عام 1960 لما قدمه للفن وأعمال اذاعية مثل سيرة اظاهر بيبرس وعزيزة ويونس والادب فضلا عن الزجل أعمال مثل سيد ومراته في باريس والكثير. أما عن حياته الشخصية فلقد تزوج بيرم مرتين، الأولى أنجبت له ولدين وهما محمد ونعيمة، والثانية تزوجها بعد وفاة زوجته الأولى ب 17 يوما لأنه لم يستطع الاعتناء بأطفاله بمفرده، ومع المطاردات والنفي الذى شهده بيرم طوال حياته أنفصل عن زوجته الثانية ولكن مع استقراره في مصر أعادها مرة أخرى إلى عصمته وأنجب منها ولدين آخرين. وحياة بيرم المليئة بالصعاب أفرزت لنا أجمل قصائده وأعماله الأدبية الخالدة في وجداننا حتى الآن ولعل قصيدة الجماهير تلخص حالنا الان مع المظاهرات التي تكثر دون أسباب حقيقية فقد قال ''من المستحيل إنت تخدع أي طفل صغير.. وتلف عقله و تعطيه القليل بكتير ..لكن بأهون طريقه تخدع الجماهير.. لو كنت أغبى غبي تجري وراك و تسير''. واعتقد بعد ثورة 25يناير حان الوقت للنفذ ما طالب به بيرم بالعمل والانتاج فقد قال ''يا مصري ليه ترخى دراعك والكون ساعك ..ونيل جميل حلو بتاعك يشفى اللهيب ..وارضك انت دهب خصبة من غير أنانيب''.