يواجه قرض صندوق النقد الدولي لمصر والبالغ نحو 4.8 مليار دولار، أزمة كبيرة قد تهدده من الأصل، عقب اشتعال الأحداث السياسية والأمنية بمصر خلال الأيام الماضية. وشهدت مصر خلال الأيام ال 3 الماضية موجة عنف واشتباكات بين الأمن ومحتجين، مع حلول الذكري الثانية لثورة 25 يناير، وصدور حكم قضائي يقضي بإعدام 21 متهم في مذبحة بورسعيد. وتحاول مصر منذ ما يزيد عن العام والنصف أن تحصل على قرض من صندوق النقد الدولي، ولكنها لم تنجح حتى الآن بسبب رفض المجلس العسكري في البداية، ثم اعتراض مجلس الشعب المنحل على عدم اعلان شروط القرض آنذاك. وعقب تولي الرئيس محمد مرسي رئاسة الجمهورية، عادت عجلة المفاوضات بين الجانبين للدوران، وأُعلن عن توقيع اتفاق مبدئي لم يلبث أن تم تأجيله بسبب ما أسمته مصر خلال الشهر الماضي "ظروف سياسية غير مناسبة". ولكن.. رغم إعلان رئيس مجلس الوزراء منذ أيام عن قرب الاتفاق مع صندوق النقد، الإ أن الأحداث الأخيرة في مصر قد تدقع صندوق النقد لإلغاء أو أرجاء القرض لعدة أسباب. الواقع وكما قالت كريستين لاجارد مدير عام صندوق النقد الدولي، فإن الصندوق ليس مؤسسة خيرية، فهو لا يعطي مساعدات أو هبات، وإنما قروض بشروط واضحة، مع فرض شروط اقتصادية وأحيانًا سياسية تضمن له قدرة الدولة على سداد أقساط القرض وفوائده في الموعد المحدد. الثابت بناءً على تصريحات حكومية مصرية وآخري خاصة بمسؤولين بصندوق النقد، فإن الصندوق طلب من مصر ''الأمور المعتادة'' التي يشترطها عادة قبل منح قروضه لأي دولة. فالصندوق اشترط على مصر أن تخفض من عجز الموازنة العامة للدولة، والتي من المتوقع أن تصل إلى نحو 200 مليار جنيه بنهاية العام المالي الحالي، عن طريق ترشيد النفقات الخاص بالدعم على السلع والخدمات، وبيع المؤسسات الحكومية الخاسرة، بالإضافة إلى تعويم العملة المحلية وجعلها مرنة لقوي العرض والطلب بعيدًا عن أي تدخل لدعمها. كما اشترط الصندوق أن تحوز قرارات الدولة بشان الإجراءات المطلوبة، على رضا وموافقة المجتمع، حتي تضمن استمرار الشروط في المستقبل حال تغير الحكومة أو النظام حتى. وطبقًا للأحداث الاقتصادية على الأرض.. فقد استجابت الحكومة لهذه الشروط، حيث استحدثت نظام جديد يعتمد على العطاء - المزاد - لبيع وشراء الدولار، ما أدي لتراجع قيمة الجنيه المصري بنحو 10% خلال أقل من شهر. كما قامت الحكومة برفع الدعم عن بنزين 95، وبحث تحديد 1800 لتر بنزين لكل سيارة ابتداءً من شهر أبريل القادم، في محاولة لترشيد دعم المنتجات البترولية، ناهيك عن رفع سعر السولار والغاز الطبيعي لمصانع الأسمنت والحديد والمنشآت السياحية وغيرها. وسبق واقرت الحكومة زيادة الضرائب على نحو 50 سلعة وخدمة، ثم لم تلبث أن تُلغى عقب ردود أفعال شعبية رافضة للقرار، مع اعلان تطبيق الزيادة عقب إجراء حوار مجتمعي حول القرار. وتكمن أزمة الحكومة الآن في كيفية الحصول على دعم وموافقة المجتمع على فرض إجراءات تقشفية تخص الدعم والضرائب وزيادة أسعار عدد من السلع والخدمات، بينما تتواصل أعمال العنف والاشتباكات بين المواطنين والأمن. والمنطقي أنه خلال الفترة الحالية التي تشهد توتر غير مسبوق بين المصريين والنظام الحاكم، فإن الشعب لن يستجيب لأي زيادة كبيرة في الأسعار، وسيثور على رفع الدعم أو فرض ضرائب على بعض السلع والخدمات، كما أن الحكومة - منطقيًا أيضًا - لن تفكر في إثارة غضب المصريين وإقرار أي زيادة في الأسعار. وعليه.. فمن الصعب للغاية أن تحصل مصر على قرض صندوق النقد الدولي إذا لم تنفذ ما اشترطه الصندوق من إجراءات ستثير حنق المصريين أكثر مما حداث الآن بالفعل.