''الوضع سيتحسن .. كوني مؤمنة بالله.'' بمثل تلك الكلمات كان محمد الموظف بفرع للبنك الأهلي المصري في وسط القاهرة يحاول إقناع سيدة جاءت لسحب كل ودائعها -لأنها تعتقد أن ''الاقتصاد ينهار''- بالعدول عن ذلك. طلبت منه السيدة أن يخبرها بالمواعيد التي يمكن أن تسحب فيها أموالها بدون أي خصم ثم همت بمغادرة الفرع لأن تلك المواعيد تحين بعد عدة أشهر. لقد هبط الجنيه المصري إلى مستوى قياسي منخفض أمام الدولار بعد أن استحدث البنك المركزي آلية جديدة للمحافظة على احتياطيات النقد الأجنبي التي قال إنها انخفضت إلى مستوى حرج في خطوة وصفها مصرفيون ومحللون بأنها ربما تشكل تحولا مقيدا تجاه التعويم الحر. وتراجع الجنيه المصري مجددا في ثاني عطاءات البنك المركزي للعملة الصعبة يوم الإثنين حيث بيع 74.8 مليون دولار إلى البنوك وبلغ أقل سعر مقبول 6.3050 جنيه للدولار. وكان أقل سعر مقبول يوم الأحد 6.2425 جنيه. ويعتقد كثير من المحللين أن السلطات ربما لم تعد مستعدة أو قادرة على دعم الجنيه، وتوقعت فاروس للبحوث في مذكرة بحثية أمس الأحد تطبيق نظام التعويم الحر على الجنيه وأن تتراجع العملة المصرية إلى 6.50 جنيه للدولار. ويرى بعض المحللين أن العملة تستهدف نحو 6.80 جنيه للدولار على المدى البعيد. وقال علي الحريري نائب رئيس شعبة الصرافة بالاتحاد المصري للغرف التجارية ''الدولار لم يرتفع كثيرا منذ بداية 2012 بسبب ضخ البنك المركزي دولارات من الاحتياطي النقدي بشكل يومي ولذا لم نر انخفاضا كبيرا خلال العام.'' وارتفع الدولار أمام الجنيه 5.3 بالمئة منذ بداية 2012 وحتى الساعة 1042 بتوقيت جرينتش يوم الاثنين. وأنفق البنك المركزي أكثر من 20 مليار دولار من الاحتياطيات الأجنبية لدعم الجنيه منذ أطاحت انتفاضة شعبية بالرئيس السابق حسني مبارك في أوائل 2011 ومع عزوف السياح والمستثمرين الأجانب جراء عدم الاستقرار. وقال الحريري ''إذا لم تستقر الأوضاع السياسية وبدون عودة الأمن بشكل تام وكذلك السياحة سيواصل الجنيه النزيف. قد يصل إلى 6.80 خلال الأيام المقبلة.'' غير أن وكالة أنباء الشرق الأوسط نقلت يوم الاثنين عن الرئيس المصري محمد مرسي قوله إن تراجع الجنيه إلى مستوى قياسي منخفض ليس مبعث قلق أو خوف للحكومة مضيفا أنه ''خلال أيام سوف تتوازن الأمور''. وقال مصرفيون إن البنك المركزي فرض سلسلة من الإجراءات لخفض الطلب على العملات الصعبة في المدى القصير على الأقل من بينها تحديد المبلغ الذي يحق للعملاء من الشركات سحبه عند 30 ألف دولار يوميا في حين سيدفع الأفراد رسوما إدارية بين واحد واثنين بالمئة على مشترياتهم من العملات الأجنبية. ولن يسمح للبنوك بحيازة مراكز دائنة بالدولار الأمريكي تتجاوز واحدا بالمئة من رأسمالها انخفاضا من عشرة بالمئة. وفي ظل النظام الجديد سيظل الحد الأقصى المسموح به لسحوبات الأفراد عند عشرة آلاف دولار يوميا. وقال مصرفيون إن البنك سيواصل مراقبة جميع التعاملات للتأكد من أنها تلبي احتياجات ''مشروعة'' وليست من أجل المضاربة. وقال وائل زيادة مدير مكتب الأبحاث في المجموعة المالية-هيرميس بالقاهرة ''البنك المركزي لن يترك العملة بالكامل للسوق. بالتأكيد سيترك التسعير للسوق ولكن تحت إشرافه ومع رقابة شديدة لتوفيق العرض والطلب.'' وأضاف ''أول مستوى ثابت للدولار في 2013 سيكون عند 6.60 جنيه وزيادته عن ذلك أو انخفاضه مرهون بالسياسات التي ستتخذها الدولة.'' ومازالت التوترات السياسية قائمة. وتقول المعارضة إن الدستور الذي وضعته جمعية تأسيسية يهيمن عليها حلفاء مرسي الإسلاميون لم يكفل الحريات الشخصية وحقوق المرأة والأقليات. وقال أحمد محمد الذي كان يدفع تكاليف بطاقته الائتمانية في فرع للبنك الأهلي بوسط البلد يوم الاثنين ''وضع الاقتصاد مثل وضع السياسة .. مرتبك وغير مستقر، أعاننا الله وأعان بلدنا.'' ويعيش 40 بالمئة من سكان مصر البالغ عددهم 84 مليون نسمة تحت خط الفقر ويعتمدون على الدعم الذي يؤثر سلبا على الوضع المالي للبلاد. وفي الوقت الذي قال فيه متعامل في البنك الأهلي المصري إن الإقبال مستمر على سحب الدولارات قال موظفون في شركات صرافة طلبوا عدم نشر أسمائهم إنه لا يوجد طلب على الدولار اليوم وعزوا ذلك إلى أن الذين اشتروا الدولارات فعلوا ذلك قبل عدة أشهر بالفعل. ووصف رئيس اتحاد البنوك المصري نظام عطاءات العملة الصعبة الذي بدأ البنك المركزي العمل به يوم الأحد بأنه ''الخطوة الأولى والهامة'' لتحرير سعر الجنيه. وقال طارق عامر الذي يرأس أيضا البنك الأهلي المصري أكبر البنوك المصرية والمملوك للدولة إن النظام الجديد حقق نجاحا في يومه الأول و''قلل بصورة كبيرة'' الطلب على الدولار. لكن مثل تلك التطمينات قد لا تكفي لتبديد بواعث القلق لدى المصريين ففي أحد فروع بنك مصر كانت سيدة تقرأ القرآن عندما جاءها موظف بالبنك وقال لها ''ادعي لنا يا حاجة .