أمر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين القوات المشاركة في تدريب عسكري في غرب روسيا بالعودة إلى قواعدها يوم الثلاثاء في خطوة يبدو أنها تهدف إلى تخفيف توتر بين الشرق والغرب بشأن مخاوف من نشوب حرب في أوكرانيا. واستعادت الأسواق المالية الروسية عافيتها بعد تراجع حاد يوم الإثنين وارتفاع لليورو والدولار في اليابان. لكن القوات الروسية ما زالت تسيطر على منطقة القرم الأوكرانية التي أحكمت موسكو السيطرة عليها دون مقاومة عقب الإطاحة بالرئيس الأوكراني فيكتور يانوكوفيتش الشهر الماضي. وكانت روسيا تكبدت خسائر مالية باهظة يوم الإثنين بسبب تدخلها العسكري في جارتها أوكرانيا حيث هوت الأسهم والسندات والعملة الروبل مع تشديد قوات بوتين قبضتها على شبه جزيرة القرم الناطقة بالروسية. وهبطت بورصة موسكو 10.8 بالمئة يوم الإثنين لتخسر الشركات الروسية نحو 60 مليار دولار من قيمة أسهمها لكن مؤشرات الأسهم الروسية ارتفعت أكثر من أربعة في المئة في وقت مبكر يوم الثلاثاء قبل أن تتراجع مجددا على نحو طفيف. وأعلن بوتين مطلع الأسبوع أن من حق بلاده غزو أوكرانيا لحماية المصالح الروسية والمواطنين الروس بعد سقوط يانوكوفيتش عقب شهور من الاحتجاجات. وتوجد قاعدة للأسطول الروسي بالبحر الأسود في القرم. لكن التدريبات العسكرية التي بدأت الأسبوع الماضي في وسط وغرب روسيا وأثارت مخاوف من أن ترسل روسيا قوات إلى مناطق تتحدث الروسية في شرق أوكرانيا استكملت في موعدها المقرر. ونقلت وكالات أنباء روسية عن ديمتري بيسكوف المتحدث باسم الكرملين قوله "أعطى فلاديمير بوتين القائد الأعلى للقوات المسلحة لروسيا الاتحادية أوامره للقوات والوحدات المشاركة في التدريبات العسكرية بالعودة إلى قواعدها." وعلى الرغم من أن نهاية التدريبات كانت مقررة فإن أوامر بوتين بعثت برسالة تنم عن توجه تصالحي مقارنة بتصريحات كثيرة لمسؤولين روس يقولون إن موسكو يجب أن تدافع عن مصالحها الوطنية ومصالح رفاقها في أوكرانيا. ويشعر بوتين بالاستياء بسبب نهج وضعته الزعامة الجديدة في أوكرانيا يميل إلى الاتحاد الأوروبي ويختلف عن نموذج كان يجعل البلاد ساحة نفوذ لروسيا أيام الحكم السوفيتي السابق. وقال مبعوث روسيا في الأممالمتحدة خلال اجتماع عاصف لمجلس الأمن الدولي إن يانوكوفيتش بعث برسالة لبوتين يطلب منه استخدام الجيش الروسي لاستعادة القانون والنظام في أوكرانيا. وبدأت الولاياتالمتحدة في توضيح ردها على التدخل الروسي وأعلنت وقف كل الارتباطات العسكرية مع روسيا بما في ذلك التدريبات العسكرية وزيارات الموانئ وتجميد محادثات التجارة والاستثمار مع موسكو. وقال مسؤول بالبيت الأبيض إن الرئيس الأمريكي باراك أوباما أجرى محادثات لأكثر من ساعتين يوم الإثنين مع مستشاريه للأمن القومي لمناقشة الخطوات التي يمكن أن تتخذها الولاياتالمتحدة وحلفاؤها "لزيادة عزلة" روسيا. وقال أوباما للصحفيين "مع مرور الوقت سيكون هذا اقتراحا باهظ التكلفة لروسيا. والآن هو الوقت المناسب لهم كي يفكروا فيما إذا كان بمقدورهم أن يخدموا مصالحهم بطريقة تنزع إلى الدبلوماسية لا إلى القوة." وذكرت الخارجية الأمريكية أن واشنطن تستعد لفرض عقوبات على روسيا بسبب التدخل لكن لم تتخذ أي قرارات بعد. ويبحث أعضاء في الكونجرس الأمريكي خيارات من بينها فرض عقوبات على البنوك الروسية وتجميد أصول المؤسسات العامة الروسية والمستثمرين الروس لكنهم قالوا إنهم يرغبون في أن تعزز الدول الأوروبية دورها. وقال أوباما إن وزير الخارجية الأمريكي جون كيري سيقترح سبلا لمفاوضات بين روسياوأوكرانيا تشرف عليها منظمة متعددة الأطراف وذلك أثناء زيارة كيري لكييف يوم الثلاثاء. وتزور بعثة من صندوق النقد الدولي كييف أيضا لمناقشة مساعدات مالية لأوكرانيا للحيلولة دون إفلاسها. ويريد الزعماء الجدد في أوكرانيا مجموعة مساعدات مالية بقيمة 15 مليار دولار على أن تقدم بعض المساعدات النقدية سريعا. وهدد الاتحاد الأوروبي "بإجراءات محددة" لم يوضحها ما لم تعد روسيا قواتها إلى قواعدها وتبدأ محادثات مع الحكومة الجديدة في أوكرانيا. وكان زعماء غربيون قد وجهوا تحذيرات عدة لبوتين من العمل العسكري وهددوا بتداعيات اقتصادية ودبلوماسية لكنهم لم يبحثوا الرد العسكري. ولم تظهر بادرة فورية على أي تحركات جديدة للقوات الروسية في القرم ليل الاثنين لكن القائم بأعمال رئيس أوكرانيا قال يوم الإثنين إن الوجود العسكري الروسي في شبه جزيرة القرم يتنامي. وقال مسؤولون أوكرانيون إن موسكو تحشد مدرعاتها قرب مرفأ للعبارات على الجانب الروسي من مضيق كيرش الذي يفصل بين القرم وروسيا. ويبلغ عرض المضيق 4.5 كيلومتر. وذكر متحدث باسم قوات حرس الحدود الأوكرانية أن روسيا أرسلت ثلاث دفعات من القوات في عبارات إلى القرم بعد سيطرتها على الموقع الحدودي على الجانب الأوكراني. ولم يرصد فريق رويترز الإخباري وصول المزيد من القوات من روسيا يوم الثلاثاء. وقال سفير أوكرانيا في الأممالمتحدة يوري سيرجييف إن روسيا نشرت زهاء 16 ألف جندي في القرم منذ الأسبوع الماضي. وتفادى الجانبان إراقة الدماء لكن اضطراب السوق يوم الإثنين سلط الضوء على الضرر الذي قد تلحقه الأزمة باقتصاد روسيا وزاد من صعوبة تحقيق التوازن في الميزانية كما قد يقوض الشركات الروسية ويقلل من التأييد الشعبي لبوتين. واستدعت أوكرانيا قوات الاحتياط يوم الأحد بعد تصرف بوتين الذي أثار ما وصفها وزير الخارجية البريطاني وليام هيج بأنها "أكبر أزمة في أوروبا في القرن الواحد والعشرين." وتجري دول حلف الأطلسي محادثات طارئة بشأن الأزمة يوم الثلاثاء وهي المحادثات الثانية في غضون ثلاثة أيام بناء على طلب من بولندا جارة أوكرانيا. واستبعد وزراء خارجية في الاتحاد الاوروبي التهديد بفرض عقوبات على روسيا إذا لم تسحب موسكو قواتها من أوكرانيا وعرضوا الوساطة بين الدولتين بالمشاركة مع كيانات دولية أخرى. ويعقد زعماء الاتحاد الأوروبي قمة طارئة يوم الخميس. وقالت منظمة الأمن والتعاون في أوروبا إنها تحاول عقد اجتماع لمجموعة اتصال دولية بشأن أوكرانيا بهدف نزع فتيل الأزمة بعدما قالت المانيا إن المستشارة أنجيلا ميركل أقنعت بوتين بقبول مثل هذه المبادرة. وقالت مساعدة وزير الخارجية الأمريكي فيكتوريا نولاند لمبعوثي المنظمة في فيينا "سيكون هناك توافق واسع جدا جدا على بعثة المراقبة هذه. ندعو روسيا للانضمام الى هذا التوافق والقيام بالاختيار الصحيح وسحب قواتها." (إعداد ياسمين حسين للنشرة العربية - تحرير سيف الدين حمدان)