طرابلس (رويترز) - قد تبدو فكرة الاستثمار في الأسهم الليبية غير منطقية في وقت تشيع فيه الفوضى في البلاد وتسيطر ميليشيات مسلحة على مرافيء نفط ووزارات إذا أرادت. ومنذ الاطاحة بالعقيد معمر القذافي في عام 2011 تجد الحكومة الليبية صعوبة في اقرار القانون والنظام وبسط سيطرتها على البلد الصحراوي الشاسع الذي تنتشر فيه الأسلحة. ورغم الاضطرابات تستعد البورصة الليبية لاطلاق أول صندوق استثمار إسلامي وهو اهم طرح عام أولي في البلاد منذ الحرب التي استمرت ثمانية أشهر. كما تأمل السلطات ان يقود وجود هيئة رقابية حديثه العهد في ليبيا إلى الشفافية الغائبة عن السوق ويجذب مستثمرين يقبلون على المخاطرة. وبعد موجة الهبوط في الآونة الأخيرة أضحت الأسهم الليبية الأرخص بين البورصات الاقليمية. وكانت أسعار أسهم البنوك الكبرى عند 25 دينارا ليبيا (20 دولارا) للسهم في السابق ولكنها نزلت الآن لأقل من عشرة دنانير. ومع ذلك يقر مسؤولو البورصة بصعوبة الترويج لدولة تتصدر العناوين باخبار الاقتتال وحوادث إطلاق النار في حين يجوب إسلاميون متشددون الشوارع. وقال أحمد كرود مدير البورصة الذي يجلس في مكتب فسيح يقترب من مساحة قاعة التداول "نحتاج الاستقرار". ويأمل مسؤولون ان تهدأ الاضطرابات في ليبيا بما يسمح بنمو الاقتصاد. وليبيا في أمس الحاجة لإعادة البناء بعد الحرب الأهلية المدمرة وتتضمن الميزانية وحجمها 55 مليار دولار انشاء مطارات ومستشفيات وجامعات جديدة غير ان الجمود السياسي يحول دون إنفاق الأموال. ورغم الاضطرابات فان ليبيا دولة غنية تمتلك أكبر احتياطي نفطي مؤكد في افريقيا. وافتتحت علامات تجارية غربية مثل نايكي وماركس اند سبنسر متاجر في نفس الحي الراقي الذي تقع فيه البورصة. والبورصة الليبية صغيرة حتى بمعايير المنطقة وتصل القيمة السوقية لاسهمها نحو ثلاثة مليارات دولار مقارنة مع بورصة القاهرة 70 مليارا والدار البيضاء 50 مليارا. وعلى مستوى العالم العربي ليس هناك اصغر من البورصة الليبية سوي بورصتي الخرطوم ودمشق. ولا تضم البورصة سوى 11 سهما معظمها لبنوك وشركات وتأمين مقارنة مع 13 في عهد القذافي. وحين أسست ليبيا البورصة في عام 2007 كان الهدف جذب رأس المال بعد سنوات من العزلة. غير ان الأجانب احجموا عن الاستثمار بسبب الفساد والقيود على العملة والقرارات التعسفية للقذافي والمحيطين به. ورغم المساواة في معاملة المستثمرين الاجانب والليبين في البورصة فان تعاملات الأجانب لا تتجاوز 1.5 في المئة من الصفقات المبرمة . وقال كرود لرويترز إن أحد المشاكل هو أن البنك المركزي يرفض قيودا على تحويل النقد الاجنبي لخارج ليبيا مضيفا ان البورصة تسعى لتغيير ذلك. وتأمل البورصة الآن أن تضخ صناديق إسلامية مبالغ ولو ضئيلة في سوق جديدة. وأصدر البرلمان قرارا يلزم البنوك بتطبيق مباديء الشريعة الإسلامية ويحظر الفائدة بحلول عام 2015. وذكر كرود انه يجري الاعداد لتأسيس صندوقين عقاريين إسلاميين وقدر حجم الأول عند 165 مليون دينار ليبي من المقرر اطلاقه في ابريل نيسان بعائد سنوي متوقع 20 بالمئة أما الصندوق الثاني فحجمه 300 مليون دينار وسيأتي بعد الأول ببضعة أشهر. وأضاف ان عدة شركات تنوي إدراج أسهمها ولكن تنتظر موافقة الجهة الرقابية. وتدرس السلطات طرح اسهم شركات كبيرة مملوكة للدولة مثل ليبيانا مشغل الهاتف المحمول ومن شأن ذلك ان يضخ سيولة وينهي هيمنة أسهم البنوك. لكن الخطط ارجئت لأن طرح أي شركة للبيع سيثير قضية الاستغناء عن موظفين في شركات تعاني من عمالة زائدة وهو أمر يتسم بالحساسية. واحدى الشركات التي تنوي طرح أسهمها في 2015 مجموعة حسني بي وهي شركة قابضة تمتلك حصصا في وحدات تجزئة ومالية. وقال حسني بي رئيس مجلس إدارة المجموعة الذي يؤكد ثقته بالبورصة انه لا يريد طرح الاسهم قبل أن تستقر الأوضاع الاقتصادية والسياسية في البلاد مضيفا ان تنفيذ الطرح مسألة وقت فحسب. ورغم ذلك لا يزال المستثمرون قلقين. ويقول جاري فان ستادن المحلل السياسي البارز في ان.بي.كيه اندبندت ايكونوميستس إن الاهتمام المؤسسي بليبيا متدن نظرا لان الاسواق الافريقية الاخري تمنح عائدات منخفضة المخاطرة. وتابع "لكن اعتقد ان امام ليبيا مستقبل أكثر اشراقا عما توحي به الأوضاع الحالية لذا ربما تكون مسألة وقت قبل ان ينظر اليها مستثمرون جادون. "في ذات الوقت ربما يدخل السوق مستثمرون يضاربون بجزء من أموالهم وربما تكون العائدات مغرية بما يقلص المخاطرة." ويمثل نقص السيولة مشكلة أكبر إذ أن بعض الاسهم لا تكاد تتحرك حسب متعامل يتملكه الملل. ويقول "بدأنا العمل منذ ما يزيد عن ساعة ولم نبرم سوى صفقتين حتى الآن." ويقول دانييل بروبي مدير الاستثمار في سيلك انفست البريطانية لادارة الاصول في الأسواق المبتدئة ان التحول لمنتجات تلتزم بأحكام الشريعة ربما يساعد البنوك الحكومية العتيقة على التحول نحو نموذج أعمال قابل للاستمرار ولكن البورصة الخاملة تحتاج نشاطا أكبر. ويضيف بروبي " سبق ان القينا نظرة على البورصة ووجدنا أنها تفتقر للسيولة والعمق." وكانت تجربة المستثمرين الليبيين مع البورصة منذ استنئاف العمل بها في مارس اذار أليمة ويقول كرود إنها هبطت 25 بالمئة في عام 2013 بسبب الفوضى. وفقدت البورصة 40 بالمئة من قيمتها منذ تدشينها في 2007. وقال مفتاح شبل تاجر الذهب "هل ترى الارقام ؟هل هذا مقبول" وهو يحاول استيعاب أحدث الأرقام التي تظهر على الشاشات الضخمة في قاعة الاستقبال. وذكر أنه اشترى أسهم بقيمة 15 ألف دينار قبل عام وأن جزءا منها فقد 40 بالمئة من قيمته. وأضاف "لم أكن شديد التفاؤل ولكن أردت تنويع مدخراتي." وألقى شبل باللوم في هبوط البورصة على المؤسسات الحكومية الضعيفة. من اولف ليسينج