حثَّت منظَّمة هيومان رايتس ووتش الديمقراطيات الغربية على التغلُّب على شعورها بالنفور من الجماعات الإسلامية التي تحظى بالدعم الشعبي في شمال أفريقيا والشرق الأوسط، قائلة إنَّه يجب التوقُّف عن إظهار الكره للإسلاميين والبدء بتشجيعهم على احترام الحقوق الأساسية للبشر. فقد جاء في التقرير السنوي للمنظَّمة الأمريكية المعنية بحقوق الإنسان، الصادر اليوم الأحد، أن انتفاضات الربيع العربي التي هبَّت على المنطقة العام الماضي قد أظهرت أنه من الحيوية بمكان بالنسبة للغرب أن يضع حدَّا لسياسة دعم مجموعة من المستبدِّين العرب لقاء تأييد هؤلاء للمصالح الغربية. ونقل التقرير، الذي جاء في 690 صفحة، عن كينيث روث، المدير التنفيذي لمنظَّمة هيومان رايتس ووتش، قوله إنَّه يتعيَّن على الغرب أن يكون أكثر اتِّساقا وانسجاما مع مبادئه في دعمه للقوى المؤيِّدة للديمقراطية في العالم العربي ومناطق أخرى من العالم . وأضاف روث قائلا: على المجتمع الدولي أن يتصالح مع الإسلام السياسي عندما يحوز هذا التيار على تمثيل الغالبية. فالأحزاب الإسلامية تحظى بشعبية حقيقية في الكثير من دول العالم العربي، ومردُّ تلك الشعبية جزئيا هو أن العديد من العرب يرون أن الإسلام السياسي هو نقيض الحكم الاستبدادي. وقال روث: أينما ظهرت حكومات تستوحى نهجها من الإسلام، يتعيَّن على المجتمع الدولي التركيز على تشجيعها، وإن اقضى الأمر الضغط عليها، من أجل دفعها لاحترام الحقوق الأساسية، تماما كما هو متوقَّع من الأحزاب والحكومات التي تُصنَّف على أنََّها مسيحية في أنحاء مختلفة من القارة الأوروبية. ومضى إلى القول إنَّه ينبغي على المجتمع الدولي أن يتَّبع نهجا أكثر مبدئيَّة حيال المنطقة مقارنة مع الطريقة التي كان ينتهجها في الماضي، كما يجب أن يتضمَّن ذلك، وقبل كل شيء، الوقوف بوضوح مع الإصلاحيين الديمقراطيين، حتى وإن كان ذلك على حساب التخلِّي عن الأصدقاء المستبدِّين . وقد تزامن التقرير مع ظهور الكتل الإسلامية كقوى سياسية رئيسية في كل تونس ومصر اللتين شهدتا ثورتين شعبيتين أطاحتا برئيسي البلدين، زين العابدين بن علي وحسني مبارك، على التوالي. وقد أشادت هيومان رايتس ووتش بكلٍّ من الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبي لموقفهما الصارم من القمع الوحشي الذي مارسه الزعيم الليبي السابق معمَّر القذافي بحق المتظاهرين الذين تمكنُّوا في نهاية المطاف من الإطاحة بنظامه وقتله في العشرين من شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي بدعم مباشر من حلف شمال الأطلسي الناتو . ولفت روث إلى أن الولاياتالمتحدة ودول الاتحاد الأوروبي فرضت عقوبات على نظام الرئيس السوري بشار الأسد، وذلك بعد أن كانت قد تردَّدت في البداية في اتخاذ مثل هكذا خطوة. لكن روث أردف قائلا: على أي حال، لقد كان النهج الغربي تجاه انتفاضات شهدتها دول أخرى في المنطقة متردِّدا وغير مؤكَّد. وقال إن واشنطن ظلَّت متردِّدة بالتخلِّي عن نظام الرئيس المصري السابق حسني مبارك الذي كان يُنظر إليه باعتباره مفتاحا للحفاظ على الاستقرار الإقليمي وللسلام مع إسرائيل ، إذ حافظت الإدارة الأمريكية على مثل ذلك النهج حتى أضحت الإطاحة به نتيجة محتومة. ولفت أيضا إلى أن واشنطن تردَّدت بالضغط على المجلس الأعلى للقوات المسلَّحة المصرية الذي تسلَّم إدارة الأمور في البلاد بعد الإطاحة بمبارك، إذ لم تجبره على تسليم السلطة لحكومة مدنية مُنتخَبة. وأشار روث إلى أن فرنسا أيضا كانت هي الأخرى على نفس القدر من التردُّد في دعم الثورة التونسية التي أطاحت بنظام الرئيس السابق زين العابدين بن علي. وقال: وبشكل مشابه، لم يكن لمواقف الحكومات الغربية أي عواقب ذات معنى على نظام الرئيس اليمني علي عبد الله صالح إثر مقتل عشرات المتظاهرين ضدَّه، لطالما نظرت تلك الحكومات إلى صالح باعتباره حصنا منيعا في وجه تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية. وأضاف روث أن الدول الغربية فشلت أيضا باتِّخاذ أي موقف قوي ضد السلطات البحرينية، وكذلك بالنسبة للسعودية التي لا تروق لها فكرة اقتراب الحرية من شواطئها، وينتابها القلق ممَّا تراه تدخُّلا إيرانيا في البحرين ذات الغالبية الشيعية. وتابع روث قائلا: لم يصدر الكثير عن الديمقراطيات الغربية عندما اتَّخذت الأنظمة الملكية إجراءات مناهضة للديمقراطية مثل اعتماد قوانين قمعية جديدة في السعودية وسجن خمسة من النشطاء المؤيِّدين للديمقراطية في دولة الإمارات العربية المتحدة. وأشار إلى أن موقف جامعة الدول العربية اتَّسم أيضا بعدم الاتِّساق والانسجام حيال ما شهدته المنطقة من انتفاضات وثورات شعبية، وكذلك أيضا كانت الحال بالنسبة للاتحاد الأفريقي الذي قال عنه: لقد تصرَّف كنادٍ لدعم الطغاة، إذ وقف إلى جانب أي حكومة تكون موجودة في السلطة، وذلك بغضِّ النظر عن تصرُّفها وسلوكها، وقد فعل هذا على الرغم من أنَّه أُنشئ، ظاهريا، من أجل الترويج للديمقراطية. وتابع روث قائلا: مع تقدُّم الثورات في تونس ومصر وليبيا، كان الاتحاد الأفريقي في أفضل حالاته عبارة عن منظِّمة لا علاقة لها بما يجري، وفي أسوأ الأحوال مؤسَّسة لم تقدِّم أي مساعدة. وقد انتقد روث أيضا الصين وروسيا اللتين استخدمتا حقَّ النقض الفيتو في مجلس الأمن الدولي لدى التصويت في شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي على مشروع قرار ضد سوريا كان من شأنه، فيما لو صدر، أن يدين السلطات السورية بسبب قمعها المظاهرات المؤيِّدة للديمقراطية ويهدِّد دمشق بإمكانية فرض عقوبات بحقِّها. وقال روث إن مجموعة دول البريكس (BRICS)، التي تضمُّ أيضا الهند والبرازيل وجنوب أفريقيا، كانت شريكة لموسكو ولبكين في اللامبالاة حيال ما يجري في سورية.