أثارت حملة التفتيش التي شنتها قوات الأمن المصرية مؤخرا ضد عدد من مؤسسات المجتمع المدني غير الحكومية والعاملة في مجال نشر الديموقراطية وحقوق الإنسان استياء البعض، بينما قوبلت بالارتياح لدى البعض الآخر. وكانت قوات الأمن المصرية يرافقها عدد من المحققين بالنيابة العامة قد شنت عدة مداهمات أمنية أمس الخميس استهدفت 17 منظمة محلية ودولية للتحقيق في تهم بتلقي تمويل أجنبي وتمويل بعض الأنشطة بشكل غير مشروع بحسب بيان قضاة التحقيق المنتدبين من وزارة العدل للتحقيق فيما بات يعرف بقضية التمويل الأجنبي في مصر. ومن بين هذه المؤسسات التي تمت مداهمتها المركز العربي لاستقلال القضاء والمحاماة، ومرصد الموازنة العامة لحقوق الإنسان، ومكتب مؤسسة فريدوم هاوس الأمريكية، والمعهد الديموقراطي الأمريكي ومؤسسة كونراد أديناور الألمانية. وقد أثارت هذه القضية جدلا واسعا في الآونة الأخيرة في الشارع المصري إثر اتهامات وجهت لبعض هذه المؤسسات بأن أنشطتها تسهم في إثارة الفوضى في البلاد. وزادت حدة هذه الاتهمات بعد أن قال مسؤلون حكوميون إن هناك طرفا ثالثا يدفع الأحداث للإنفجار بعد أن تكررت مشاهد قتل المحتجين منذ أحداث ماسبيرو التي وقعت في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، مرورا بأحداث شارع محمد محمود في نوفمبر/تشرين الثاني حيث تقع وزارة الداخلية، وانتهاءا بأحداث مجلس الوزارء المصري التي شهدت مواجهات عنيفة بين محتجين وقوات الجيش في ديسمبر/كانون الأول. وقال ناصر أمين مدير المركز العربي لاستقلال القضاء والمحاماة والذي تمت مداهمته ومصادرة أوراقه أمس ل بي بي سي: لقد كانت عملية المداهمة أشبه باقتحام مسلح بغطاء قانوني وليس بإجراء قانوني. وتم أخذ مجموعة من الصناديق المليئة بالأوراق والملفات والمطبوعات، وبالطبع يمكن دس أي شيء فيها لا يخصنا . وقال إن كل أجهزة الكمبيوتر بالمركز قد صودرت وهي التي تحمل أرشيف المركز منذ 15 عاما، وقد رفضت قوات الأمن أخذ نسخة من محتويات هذه الأجهزة وتركها لنا. وقال بيان صدر أمس الخميس عن أكثر من 25 من مؤسسات المجتمع المدني وحقوق الإنسان في مصر: تشكل هذه الخطوة الخطيرة بداية لحملة أمنية يرجح أن تطال عشرات من المؤسسات الحقوقية، في إطار حملة أوسع أطلقها المجلس العسكري للتشهير والوصم لكافة النشطاء الحقوقيين، وعديد من القوى المنخرطة في فعاليات ثورة الخامس والعشرين من يناير . واتهم البيان المجلس العسكري في مصر بتعمد تشويه صورة المؤسسات الحقوقية والديموقراطية في مصر لأنها تستهدف التغطية على الإخفاقات الكبرى من جانب المجلس العسكري في إدارة المرحلة الانتقالية والتنكيل بالكيانات السياسية والنشطاء السياسيين والحقوقيين، الذين تجاسروا على انتقاد سياسات المجلس العسكري. ومن بين المنظمات الموقعة على هذا البيان المؤسسة العربية لدعم المجتمع المدني وحقوق الإنسان، و مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، و مركز النديم لعلاج وتأهيل ضحايا العنف والتعذيب، والمركز العربي لاستقلال القضاء، ومرصد الموازنة العامة وحقوق الإنسان، و الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، و مؤسسة عالم واحد، و الجمعية المصرية للنهوض بالمشاركة المجتمعية، و مركز هشام مبارك للقانون. وفي حين يرى فريق أن هذه المداهمات الأمنية هي بمثابة رسالة تهديد وتخويف من المجلس العسكري الحاكم للبلاد للنشطاء السياسيين والحقوقيين بسبب انتقاداتهم المتكررة للمجلس العسكري وطريقة إدارته للبلاد، يرى فريق آخر أن هذه المداهمات جاءت متأخرة للغاية بعد أن طالب الكثيرون المجلس العسكري مرارا بالكشف عن مصادر التمويل الأجنبي لعدد من المنظمات والأفراد الذين يتهمون بالعمل ضد مصلحة البلاد من خلال الأموال التي يتلقونها من الخارج والتي يقول معارضو تلك المنظمات إنها تستخدم في إثارة الفوضى والاضطرابات. وقال د. حسن أبو طالب المستشار بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية ل بي بي سي: هذا الأمر كان يجب أن يحسم، فكيف تترك منظمات أجنبية تعمل في الدولة دون الحصول على تصريح بممارسة العمل؟ وخصوصا في ظل حديث عن أن إحدى هذه المنظمات حصلت على مبلغ قدره مائة مليون دولار . وأضاف أبو طالب: يجب أن تعرف الدولة من أين تأتي هذه الأموال، وكيف يتم انفاقها، وهل تعمل هذه الأموال على تحقيق مصالح الثورة أم تعمل على تهديد استقرار البلاد . وفيما يتعلق بالاتهامات التي وجهت للمجلس العسكري بأنه وراء هذه الحملة الأمنية بهدف اسكات أصوات معارضيه من العاملين في هذه المؤسسات، قال أبو طالب: علينا أن نضع في اعتبارنا أن من أصدر قرار مداهمة هذه المنظمات هم قضاة التحقيق المنتدبون من وزارة العدل، واقحام المجلس العسكري في هذا الموضوع هو محاولة لتشويه الوضع، وتحويل القضية عن مسارها الحقيقي . وبين من يؤيد مداهمة مقار هذه المنظمات والتحقيق مع العاملين فيها، ومن يرفض ذلك، يترقب الكثيرون من المصريين معرفة نتائج التحقيقات في هذه القضية الشائكة التي شغلت الرأي العام بدرجة كبيرة ، وتسببت في إثارة جدل واسع في المجتمع المصري، واتهامات متبادلة بين أطراف المشهد السياسي في مصر. كما تطالب العديد من الاصوات الآن بوضع آليات واضحة لعمل هذه المؤسسات في مصر بحيث تترك لها الفرصة في العمل بحرية، ولكن مع وضع القوانين واللوائح التي تنظم عملها بدقة، وتضمن عدم خروجها عن خط العمل المحدد لها، لكي تساهم في تحقيق الوعي الديموقراطي ونشر ثقافة حقوق الإنسان بين أفراد المجتمع المصري، لكن دون التدخل في شؤونه أوالإضرار بمصالحه.