إما نفس نظام النظام السابق وإما الفوضى.. هذان هما الاختياران اللذان تحاول جميع القوى الرسمية والحكومية فى البلد الآن إشعارنا بأنهما هما الخياران الوحيدان المتاحان أمامنا.. إذن.. فليكن.. فها أنتم يا من تركنا البلد أمانة فى رقابهم وبين أيديهم قد خيرتمونا وها نحن قد اخترنا.. واختيارنا هو الفوضى! فإذا كان النظام السابق هو الفوضى بعينها وهو الغياب الكامل لأى شبهة نظام يخص أى شىء عندها يصبح الاختيار بينه وبين الفوضى التى تعقبه أمرا سهلا واختيارا بسيطا.. فالفوضى الناجمة من وجود النظام فوضى مستمرة ومتنامية القوة والعدد والعدة والعتاد.. بينما الفوضى الناجمة من غياب النظام الفوضوى أصلا فوضى مرهونة بفترة زمنية محددة سوف تنحسر مع الوقت ومع غياب الدعم الرسمى لها (هى مدعومة الآن ولكن بشكل غير رسمى) لتبدأ بعد ذلك عدها التنازلى وفقدان عناصر قوتها تدريجيا إلى أن تختفى تماما.. فكما أنه وجع ساعة ولا كل ساعة.. فإنه أيضا فوضى ساعة ولا كل ساعة! ها أنتم قد خيرتمونا وها نحن قد اخترنا.. واختيارنا هو الفوضى.. فمن الواضح أن هناك إصرارا عنيفا وتصميما لا يقبل الشك على «لوى دراعنا» وجعلنا نصاب بالزهق والملل والخنقة.. واضح تماما أن هناك حرصا لا يقبل الزحزحة على وضع دحديرة جديدة أمامنا كلما خرجنا من نقرة سابقة.. نخلص من النظام فتطلعلنا فلوله.. نخلص من داخلية حبيب العادلى فيطلعلنا تنظيمها السياسى السرى.. نخلص من أمن الدولة فيطلعلنا تنظيمها البلطجى السرى برضه (بدليل أن رجالة الداخلية بجلالة قدرهم غير قادرين حتى الآن على الإمساك بهم على الرغم من معرفتهم لهم بلطجيا بلطجيا ومسجلا مسجلا).. نخلص من موقعة الجمل فتطلعلنا موقعة العباسية.. نخلص من أحداث أطفيح فتطلعلنا أحداث إمبابة.. نخلص من غموض ملف القناصة الذين قتلوا المتظاهرين ومن هم بالظبط فيطلعلنا غموض ملف فتح أبواب السجون وتهريب بعض المساجين وقتل البعض الآخر.. نخلص من ميدان مصطفى محمود فيطلعلنا ميدان روكسى.. نخلص من أحمد شفيق رئيسا للوزراء فيطلعلنا كمرشح لرئاسة مصر.. نخلص من جمال وعلاء مبارك فتطلعلنا كتيبة كاملة من البلطجية يطلقون على أنفسهم اسم أبناء مبارك.. نخلص من سياسة خارجية مرتبكة فتطلعلنا سياسة خارجية جديدة أكثر ارتباكا.. نخلص من تزوير الانتخابات فيطلعلنا تزوير الحقائق.. نخلص من حالة الصمت المطبق فتطلعلنا حالة الكلام عمال على بطال.. نخلص من التمويل الأمريكى فيطلعلنا التدريب الصربى.. نخلص من أى حاجة فتطلعلنا أى حاجة تانية.. المهم أن يظل ذهننا مشتتا وتركيزنا غائبا وأعصابنا مشدودة طوال الوقت.. هذا هو المهم! ولكن المشكلة الحقيقية التى سوف يواجهها هؤلاء الذين يودون تكسير مجاديفنا وتثبيط عزيمتنا والتقليل من همتنا.. أننا شعب رخم.. تظنه للوهلة الأولى أنتيخا من فرط تكبير دماغه لتكتشف بعد ذلك أنه فاهم كل حاجة بس مدكن وعامل فيها عبيط بمزاجه.. لهذا.. براحتكم خالص.. استمروا فى وضع العراقيل أمامه براحتكو.. فهو لن يتراجع.. استمروا فى جعله يكتئب أكثر وأكثر براحتكو.. فهو لن يستسلم.. استمروا فى التكليح عليه وفى جعله يحزن وينطوى على نفسه براحتكو.. فهو قادر على تحويل كل تلك الأحزان وكل هذا الاكتئاب إلى نكتة كبيرة إذا ما ألقاها فى ميدان التحرير.. قد تقوم ثورة أخرى! ها أنتم قد خيرتمونا وها نحن قد اخترنا.. الفوضى طبعا.. وهى دى محتاجة تفكير.. ففوضى مؤقتة يعقبها نظام بجد أفضل وأكرم بكثير من نظام غشيم تعد الفوضى هى ركيزته الأساسية.. وما دام أننا قد قطعنا شوطا بالفعل من تلك المرحلة الفوضوية.. لماذا نتنازل عن كل ذلك الطريق الذى قطعناه حتى نصل إلى غايتنا؟! لماذا نضحى بكل مكاسبنا ونعيد شريط العوء من بدايته ونعود لنبدأ من أول وجديد؟! لهذا.. فلتذهب إلى الجحيم كل الأنظمة الساقطة بفوضويتها التى لا تنتهى والتى تبدو للوهلة الأولى أنها نظام على الرغم من أنها قمة الفوضى.. ولتحيا الفوضى المتغمسة بالكرامة والشرف ما دام أن ما سوف يعقبها يحمل بين طياته احتمال أن يكون.. نظاما بجد! المصدر : التحرير