نقلا عن العرب اليوم الاردنية لقد شعرت بالنشوة والفرح العارم, وأنا استمع للدكتور احمد الطيب شيخ الأزهر وهو يتلو "وثيقة الأزهر " بشأن مستقبل مصر في الفترة المقبلة بعد نجاح ثورة الشعب المصري بإسقاط نظام حسني مبارك والشروع ببناء دولة مصر الجديدة. ولم يكن مصدر سروري نابعا من كونه يعبّر عن رأيي الشخصي الذي أتبناه وأدعو إليه بل لأنه جاء من مؤسسة علمية كبيرة ومحترمة, تحظى بعناية مميزة, وتمثل رأي جمهرة كبيرة من العلماء, وليس رأياً واحدا يغرد خارج السرب, كما سمعت ذلك مرات عديدة. فقد أكدت " الوثيقة الأزهرية " جملة من المبادئ الكبيرة التي, تصلح أن تكون محل دراسة وبحث ومناقشة وتعميم على جميع الشعوب العربية والإسلامية, والقوى السياسية , والجامعات وكليات الشريعة والعلوم السياسية. نصت الوثيقة على ضرورة اعتماد ودعم تأسيس الدولة المدنية والدستورية الديمقراطية, التي تتبنى دستوراً يرتضيه الجميع. وأوضحت الوثيقة وجوب اعتماد النظام الديمقراطي القائم على الانتخاب الحر المباشر الذي يحقق مبادئ الشورى الاسلامية, ويرسخ منهج مراقبة المسؤولين ومحاسبتهم. كما تضمنت الوثيقة ضرورة الالتزام بمنظومة الحريات الأساسية, في الفكر و الرأي, ووجوب احترام حريات جميع طوائف الأمة, مع الإشارة إلى وجوب احترام آداب الاختلاف, ومراعاة أخلاقيات الحوار, وتجنب التكفير والتخوين والعداء الديني لأي طائفة. كما أكدت الوثيقة وجوب الوفاء بالعهد والمواثيق الدولية العادلة, مع الحرص على صيانة كرامة الأمة والحفاظ على هويتها الثقافية والحضارية, واحترام حرّيات التعبير والإبداع الفني. ولم يفت الوثيقة النص على ضرورة اعتماد منهج التربية والتعليم واعتبار البحث العلمي قاطرة الدخول إلى عصر المعرفة, من دون إغفال لفقه الأولويات في تحقيق التنمية والعدالة الاجتماعية. كما أشارت الوثيقة إلى ضرورة بناء علاقات قوية بين مصر والدول العربية الشقيقة ومع محيطها الإسلامي ومناصرة جميع الشعوب في استعادة حقوقها, والتأكيد على ضرورة استرجاع الحق الفلسطيني. وختمت الوثيقة بتأييدها لمشروع استقلال الأزهر كمؤسسة علمية مستقلة مختصة بمسائل الفقه الإسلامي وعلومه وتراثه, لتكون مرجعية محترمة ومعتبرة للناس في شؤون الفقه والفتوى. وكان مما لفت الانتباه تصريح شيخ الأزهر الإشارة أن الإسلام لم يعرف في حضارته ما يسمى بالدولة الدينية. وعندما تنادي الحركة الاسلامية بضرورة ترسيخ معالم الدولة المدنية الحديثة التي تقوم على ركيزة أن الأمة صاحبة السلطة في ظل المرجعية الثقافية الحضارية الاسلامية, تكون بذلك متفقة مع الرأي الفقهي لدى غالبية فقهاء العصر المختصين, وليس من باب المجاملة للخطاب الغربي, أو الحداثوي, وليس من باب التراجع عن ثوابت الدين ومرتكزات العقيدة الاسلامية. بل يجب تنبيه الغافلين ان الإسلام جاء يقرر حرّية العقيدة وحرية الفكر والرأي والتعبير, لكل أتباع الأديان والطوائف بلا تمييز ولا قهر ولا إكراه, وجاء الإسلام ليحارب الطغاة المستبدين الذين يحتكرون السلطة, ويغتصبون حق الأمة في الحكم الشوري الجماعي القائم على الاختيار الحر المباشر النزيه, وجاء الإسلام ليرسي معالم العدالة التامة لكل بني البشر, ويبشّر بالرحمة و السلام لكل شعوب الأرض المسالمة, ولكل موجودات الكون بلا استثناء.