وزير التعليم يبحث مع نظيره بالمملكة المتحدة آليات التعاون في مدارس (IPS)    استعدادات مكثفة بجامعة سوهاج لبدء امتحانات الفصل الدراسي الثاني    «الخشت»: أحمد فتحي سرور ترك رصيدا علميا يبقى مرجعا ومرجعية للقانونيين    جامعة بنها تفوز بتمويل 13 مشروعا لتخرج الطلاب    تراجع أسعار الفراخ البيضاء في بورصة الدواجن الرئيسية    محافظ أسوان: توريد 225 ألفا و427 طن قمح محلي بنسبة 61.5% من المستهدف    اليوم.. وزير التنمية المحلية يفتتح عددا من المشروعات الخدمية بالغربية    سعر الدولار في البنوك المصرية اليوم الثلاثاء 21 مايو 2024    استقرار أسعار اللحوم اليوم الثلاثاء.. البلدي ب 380 جنيهًا    صعود جماعي لمؤشرات البورصة في بداية تعاملات الثلاثاء    أسعار الحديد اليوم الثلاثاء 21-5-2024 في أسواق محافظة قنا    عاجل| لابيد: ميليشيا يرعاها نظام نتنياهو هي من تهاجم شاحنات المساعدات لغزة    روسيا تفشل في إصدار قرار أممي لوقف سباق التسلح في الفضاء    المصري يستعد لمواجهة فيوتشر بودية مع النصر القاهري    رئيس لجنة كرة القدم للساق الواحدة عن بطولة كأس أمم أفريقيا: المسئولية على عاتقنا    النصر السعودي يضغط لحسم صفقة صديق رونالدو    إصابة 10 أطفال إثر انقلاب سيارة بترعة في أبو حمص بالبحيرة    سقوط سيارة ميكروباص محملة ب26 عاملا في ترعة بمنشأة القناطر بالجيزة    بسبب لهو الأطفال.. أمن الجيزة يسيطر على مشاجرة خلفت 5 مصابين في الطالبية    طلب تحريات حول انتحار فتاة سودانية صماء بعين شمس    تفاصيل الحالة المرورية في شوارع وميادين القاهرة الكبرى اليوم (فيديو)    وزيرة الثقافة تشهد احتفالية الأوبرا بالموسيقار الراحل عمار الشريعي    تاريخ المسرح والسينما ضمن ورش أهل مصر لأطفال المحافظات الحدودية بالإسكندرية    «القومي للمرأة» يوضح حق المرأة في «الكد والسعاية»: تعويض عادل وتقدير شرعي    "صحة مطروح" تدفع بقافلة طبية مجانية لمنطقة أبو غليلة    خبيرة تغذية توجه نصائح للتعامل مع الطقس الحار الذي تشهده البلاد (فيديو)    مبعوث أممي يدعو إلى استئناف المحادثات بين إسرائيل وحماس    الحالة الثالثة.. التخوف يسيطر على الزمالك من إصابة لاعبه بالصليبي    حسم اللقب أم اللجوء للمواجهة الثالثة.. موعد قمة الأهلي والزمالك في نهائي دوري اليد    بشير التابعي: معين الشعباني لم يكن يتوقع الهجوم الكاسح للزمالك على نهضة بركان    القاضي في محاكمة ترامب المتعلقة بالممثلة الإباحية يخلي القاعة من الصحافة وهيئة المحلفين    داعية إسلامي: الحقد والحسد أمراض حذرنا منها الإسلام    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 21-5-2024    لجان البرلمان تواصل مناقشة مشروع الموازنة.. التموين والطيران والهجرة وهيئة سلامة الغذاء الأبرز    وزير الصحة يوجه بسرعة الانتهاء من تطبيق الميكنة بكافة المنشآت الطبية التابعة للوزارة    جهات لا ينطبق عليها قانون المنشآت الصحية الجديد، تعرف عليها    اليوم.. «خارجية النواب» تناقش موازنة وزارة الهجرة للعام المالي 2024-2025    أمل دنقل.. شهيد الغرفة رقم 8    الجنايات تنظر محاكمة 12 متهما برشوة وزارة الري    رغم انتهاء ولايته رسميًا.. الأمم المتحدة: زيلينسكي سيظل الرئيس الشرعي لأوكرانيا    قبل طرحه في السينمات.. أبطال وقصة «بنقدر ظروفك» بطولة أحمد الفيشاوي    مؤلف «السرب»: الإيرادات فاجأتني وتخوفت من توقيت طرح الفيلم (فيديو)    ضياء السيد: مواجهة الأهلي والترجي صعبة.. وتجديد عقد معلول "موقف معتاد"    مندوب مصر بالأمم المتحدة لأعضاء مجلس الأمن: أوقفوا الحرب في غزة    مندوب فلسطين أمام مجلس الأمن: إسرائيل تمنع إيصال المساعدات إلى غزة لتجويع القطاع    مارك فوتا يكشف أسباب تراجع أداء اللاعبين المصريين في الوقت الحالي    احذروا الإجهاد الحراري.. الصحة يقدم إرشادات مهمة للتعامل مع الموجة الحارة    الطيران المسيّر الإسرائيلي يستهدف دراجة نارية في قضاء صور جنوب لبنان    «في حاجة مش صح».. يوسف الحسيني يعلق على تنبؤات ليلى عبداللطيف (فيديو)    منافسة أوبن أيه آي وجوجل في مجال الذكاء الاصطناعي    «سلومة» يعقد اجتماعًا مع مسئولي الملاعب لسرعة الانتهاء من أعمال الصيانة    الأنبا إرميا يرد على «تكوين»: نرفض إنكار السنة المشرفة    «الداخلية»: ضبط متهم بإدارة كيان تعليمي وهمي بقصد النصب على المواطنين في الإسكندرية    دعاء في جوف الليل: اللهم ابسط علينا من بركتك ورحمتك وجميل رزقك    موعد عيد الأضحى 2024 في مصر ورسائل قصيرة للتهنئة عند قدومه    حظك اليوم برج الميزان الثلاثاء 21-5-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    بدون فرن.. طريقة تحضير كيكة الطاسة    «دار الإفتاء» توضح ما يقال من الذكر والدعاء في شدة الحرّ    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



وثيقة الأزهر.. عبور آمن نحو المستقبل
نشر في الوفد يوم 03 - 09 - 2011

وسط حالة الاستقطاب الحادة التي سادت الوضع السياسي في مصر بعد ثورة يناير بشأن ترتيبات المستقبل، جاءت وثيقة الأزهر لتمثل ما يمكن اعتباره برداً
وسلاماً بالنسبة لجميع القوي السياسية في ضوء الرؤية الوسطية التي مثلتها وجعلت الكثيرين يعتبرونها بمثابة البوصلة التي يمكن أن تقود مصر نحو العبور الآمن في مسيرتها نحو المستقبل.
وبغض النظر عن تحفظات العامة من قبل البعض بأن الوثيقة تمثل تدخلا من جهة دينية في السياسة ومن قبل آخرين بأنها خضعت للمواءمات السياسية إلا أن درجة الاتفاق حول الوثيقة تعكس نجاح الأزهر في التدخل في اللحظة المطلوبة لإخماد حرب مستعرة لم يكن لها ان تستمر كثيرا إذا أردنا لهذا الوطن أن يلج مرحلة الاستقرار.
وإذا كانت الوثيقة بهذا الوضع تدشن لمرحلة جديدة للأزهر تعيد دوره السياسي المفقود الذي لعبه علي مدي عقود إن لم يكن قرون، فإن ملامح هذا الدور لا شك أنها لن تكون علي شاكلة ما سبقه، في ضوء رؤية للمؤسسة تقوم علي عدم الانغماس في السياسة بمعناها العام، وأن هذا التطور إنما يأتي كمهمة إنقاذ سريعة كان لابد منها، وقد يكون في ذلك طمأنة للبعض وسط حالة التوجس التي أصبحت سمة عامة لدي تيارات عديدة برز بعضها بعد الثورة.
بعيداً عن التأييد أو الرصد، فإن الوثيقة، من خلال القراءة المتأنية في ردود الأفعال، كانت خطوة لا بد منها وتؤكد دور المؤسسات الدينية في مجتمعات مثل مجتمعاتنا التي ما زال الدين فيها يمثل القول الفصل، وهو الأمر الذي يبقي ضرورة البناء عليه.. وتلك هي مهمة رجال السياسة التي يأمل المصريون أن ينجح ممثلوهم في إنجازها.
وثيقة الحل الوسط بين العلمانيين والإسلاميين
دولة الأزهر المقترحة.. «مدنية» بطعم الحضارة الإسلامية
تحليل - محمد جمال عرفة:
أخطر ما واجهته مصر بعد ثورة 25 يناير هو محاولة البعض في الداخل والخارج اختصار الأمر في صراع تقليدي عقيم بين تيارين أحدهما يمثل التيارات الإسلامية علي اختلاف مشاربها، والثاني يمثل شريحة من القوي العلمانية والليبرالية واليسارية، بهدف إغراق الثورة في أتون خلافات تاريخية علي أمل أن تعصف بها أو تضعفها .
هذا الصراع – حتي ولو حاول البعض تزيينه علي أنه صراع سياسي – كان محوره هوية مصر الحضارية الإسلامية.. حيث طرح التيار الثاني – خصوصاً الليبراليين أنصار النهج الحضاري الغربي الذي يفضل بين الدين والدنيا – فكرة تنحية الشريعة الإسلامية جانبا من الدستور لأنهم يلخصونها في الحدود لا في مفاهيم الشريعة الواسعة التي لا تختلف عن الديمقراطية والحرية والمساواة والعدالة.. وبعضهم استغل صراع الدستور أولا أم الانتخابات ليؤجل حسم هذه القضية في الدستور.
وبالمقابل كان من الطبيعي أن يثير هذا احتقان التيارات الاسلامية ويدفع اتجاهات محافظة منها للرد علي هذه الدعوات بشدة وحشد المظاهرات، واتهامهم لهؤلاء الرافضين للنص علي الحكم وفق مبادئ الشريعة علي أنهم علمانيون متطرفون أو يساريون ملحدون!
ووسط هذا البحر المتلاطم الذي سعد به أعداء الثورة في الداخل والخارج جاءت وثيقة الأزهر - الذي يؤمن الطرفان بوسطيته ويحتكمون له – ليقدم طوق النجاة للجميع من الغرق والسقوط في بئر الجدل والثورة المضادة، وليتم حسم الأمر عبر هذه المؤسسة التي لا يختلف حولها أحد.
من هنا تبرز أهمية وثيقة الأزهر الشريف التي ناقشها الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف مع ممثلي القوي السياسية والدينية والفكرية لتكون بمثابة صيغة توافقية تتفق عليها كل القوي السياسية والدينية.
فالوثيقة لا تتطرق هنا لهذا الخلاف العقيم ولكنها تركز علي ثلاثة أمور لا يختلف عليها مصري وهي: «الهوية المصرية» المؤكد أنها هوية حضارية إسلامية منبثقة من مبادئ الشريعة الإسلامية الكلية بمعانيها الفكرية والثقافية وليس فقط الحدود التي لا تعادل سوي 10% من الشريعة ولا تطبق ولا مجال لتطبيقها إلا في ظل توافر ظروف مشددة من العدالة والمساواة والعيش الكريم، إضافة الي «ضمان الحقوق والحريات», و«التأكيد علي مبدأ المواطنة كأساس للمساواة بين المصريين جميعا بدون أي تفرقة».
وكان الدكتور الطيب واضحاً في تأكيده وهو يقدم هذه الوثيقة علي أهمية التعاون بين الجميع من أجل الحفاظ علي مكاسب ثورة 25 يناير لتكون سقفا يقف عنده كل الأطراف بعيدا عن أي فرقة.. وتأكيده علي أن تنوع الاجتهادات حول استراتيجية المستقبل شيء مفيد ولكنه إذا تحول إلي تنابذ فكري لن يكون إلا ثمراً مراً للوطن ولمصر في حاضرها ومستقبلها.. لافتا إلي أن الدساتير تعبر عن هوية الامة ومصالح المجتمع, وأن تنوع الاجتهادات حول البناء السياسي والدستوري القادم لن يكون تنوعا محموداً، إلا إذا ظل في إطار وحدة الوطن وأهدافه العليا.
كما أوضح الدكتور الطيب أن موقف الأزهر كان وما زال الوقوف علي حياد بين كل الفرقاء وهو يتابع بدقة أطروحات الجميع حول مستقبل الوطن ويؤكد عدم خوضه غمار العمل السياسي أو الحزبي أو بممارسة السياسة بمفهومها المعتاد, كما أن ليس من شأنه الدخول في السياسة رغم اهتمامه بالحفاظ علي حضارة وثقافة وهوية الأمة وعدم ذوبانها في افكارا مشتتة.. ودعا القوي المختلفة للنظر في التوافق حول وثيقة الازهر لحل يخرج الناس من ضيق الاختلاف الي سعة الأفاق والتعاون من أجل مصر وشهداء ثورتها.
هوية مصر تحسم الجدل
والحقيقة أن الوثيقة التي أصدرها الأزهر الشريف وما تبعها من بيان للمجلس الأعلي للقوات المسلحة في مصر (بيان رقم 64) لا يمكن اعتبارهما مجرد صدفة، فالواضح أن وثيقة الأزهر جاءت لتحقيق عدة أهداف علي رأسها تحديد هوية مصر الإسلامية والرد علي بعض الاصوات العلمانية المطالبة بإلغاء النص علي الشريعة في الدستور.
وبالمقابل جاء نص الوثيقة علي رفض «الدولة الدينية الكهنوتية» ليعطي انطباعا أن الأزهر يؤيد الدولة المدنية التي تدعو لها القوي الليبرالية واليسارية والأقباط، ولكن بشرط.. هو أن تكون مرجعية هذه الدولة المدنية هي الشريعة الإسلامية لا كفكرة الدولة المدنية الغربية الناتجة عن هذا الصراع النكد بين الكنيسة الغربية والدولة الذي لا يمت للحضارة العربية والإسلامية بصلة.
ربما لهذا أشادت بهذه الوثيقة التي تحدد مستقبل مصر وهويتها في الفترة المقبلة غالبية القوي والأحزاب السياسية المصرية ورحب بها الليبراليون قبل الإسلاميين؛ لأنها أقرت كما قالوا مفهوم الدولة المدنية ورفضت «الدولة الدينية الكهنوتية» وأكدت استقلال الأزهر ومرجعيته للفكر الإسلامي في مصر ضمن مبادئها ال 11 المعلنة، فأهم ما جاء في الوثيقة هو التشديد علي أن تكون مبادئ الشريعة الإسلامية هي المصدر الأساسي للتشريع، مع ضمان احتكام غير المسلمين لشرائعهم الدينية، والتركيز مستقبلاً علي فقه الأولويات في تحقيق التنمية والعدالة الاجتماعية، ومواجهة الاستبداد ومكافحة الفساد والقضاء علي البطالة، ومناصرة الحق الفلسطيني، والحفاظ علي استقلال الإرادة المصرية، واسترجاع الدور القيادي التاريخي لمصر.
ويلاحظ هنا سعي الأزهر مبكرا لتذكير الجيش بهوية مصر الإسلامية ودعوته لانتقال سلمي للسلطة بأسرع وقت في 12 فبراير 2011، حيث أكد الأزهر الشريف – في أول بيان يصدره بعد تنحي الرئيس مبارك عن الحكم وتولي الجيش السلطة – أنه (يثق في حكمة «العسكريين» الممسكين بزمام الأمور في مسيرة الوطن الراهنة، وأنه يطمئن تماماً إلي أن هوية الأمة وروحها متجذرة في ضمير كل منهم، وأن مبادئ الحرية والعدالة والمساواة والمشاركة الشعبية الحرة هي القيم الهادية لنا جميعا في هذه الظروف الدقيقة).
وشدد الأزهر – حينئذ - علي «أن مكتسبات شعبنا في اعتزازه بمصريته وعروبته وتشريعاته المستمدة من مبادئ الإسلام وروح شريعته السمحة هي الضامنة لحقوق المواطنة والمساواة ووحدة النسيج الوطني بين المصريين كافة دون تمييز علي أساس من الجنس أو الدين أو أي اعتبار آخر».
ولذلك عندما أعلن الإمام الأكبر د. أحمد محمد الطيب شيخ الأزهر الشريف هذه الوثيقة بمشاركة كوكبة من المثقفين المصريين بمختلف انتماءاتهم الفكرية وعدد من كبار المفكرين في الأزهر بشأن مستقبل مصر في الفترة المقبلة، لم يكن هذا الإعلان مفاجئا، لأن شيخ الأزهر سعي منذ اللحظة الأولي لانتصار ثورة 25 يناير لتأكيد هوية مصر الحضارية الإسلامية وحسم الجدل الناشب حول المادة الثانية من الدستور المصري المتعلقة بالشريعة، ولكنه في هذه الوثيقة لم يطرح الأمر بمثل هذا الحسم دون توضيح وبيان يطمئن الخائفين أو المشككين في عدالة الإسلام وشريعته، ويطمئن أقباط مصر بأن «لأتباع الديانات السماوية الأخري الاحتكام إلي شرائعهم الدينية في قضايا الأحوال الشخصية».
الأزهر بوتقة للتيارات الإسلامية
وما فعله الأزهر عبر هذه الوثيقة من السعي لنزع فتيل انفجار أزمة لا معني لها بين التيارات الثورية ذات المشارب الفكرية المتعارضة، سعي له أيضا عبر هذه الوثيقة وعبر دعوته لكافة الفصائل الإسلامية للحوار في الأزهر.
فالأزهر سعي منذ اللحظة الأولي للثورة للعمل كبوتقة تنصهر فيها كل التيارات الإسلامية، واستقبل شيخ الأزهر شيوخاً سلفيين ومن الجماعة الإسلامية ومرشد الإخوان، كما دعا شيخ الأزهر لما يشبه هيئة أو وعاء لجمع هذه التيارات في الأزهر، ولهذا دعت الجماعة الإسلامية باقي التيارات الدينية إلي إنهاء حالة الخصومة مع الأزهر والتصالح ومد جسور التعاون بين عناصر التنظيمات الدينية المختلفة ومؤسسة الأزهر في مجال العمل الدعوي.
ولهذا فإن مقتضيات اللحظة التاريخية الفارقة التي تمر بها مصر بعد أحداث 25 يناير وأهميتها في توجيه مستقبل مصر، كما قال شيخ الأزهر، كانت تحتم بالتالي وضع خارطة طريق أو نهج لمستقبل مصر الثقافي والفكري أو الإستراتيجية العقدية التي سوف تتحرك علي أساسها مصر مستندة لوجود الأزهر الشريف بها، وهو ما تحدثت عنه الوثيقة بالتأكيد أهمية دور الأزهر القيادي في بلورة الفكر الإسلامي الوسطي السديد، وأشارت لهذا التحالف بين كافة التيارات الإسلامية والأزهر بالتأكيد علي «أن الأزهر هو المنارة الهادية التي يحتكم إليها في تحديد علاقة الدولة بالدين وبيان أسس السياسة الشرعية الصحيحة وعلي البعد التاريخي لدور الأزهر في قيادة الحركة الوطنية نحو الحرية والاستقلال».
وجاءت المبادئ ال 11 التي أقرتها وثيقة الأزهر لتؤكد هذه المعاني خصوصا تحديد هوية مصر الإسلامية وبث الطمأنينة في قلوب غير المسلمين، وتوحيد القوي الإسلامية ودعم تأسيس الدولة الوطنية الدستورية الديمقراطية الحديثة، التي تعتمد علي دستور ترتضيه الأمة يضمن الحقوق والواجبات لكل أفرادها علي قدم المساواة، «بحيث تكون سلطة التشريع فيها لنواب الشعب؛ بما يتوافق مع المفهوم الإسلامي الصحيح، حيث لم يعرف الإسلام لا في تشريعاته ولا حضارته ولا تاريخه ما يعرف في الثقافات الأخري بالدولة الدينية الكهنوتية التي تسلطت علي الناس، وعانت منها البشرية في بعض مراحل التاريخ، بل ترك للناس إدارة مجتمعاتهم واختيار الآليات والمؤسسات المحققة لمصالحهم، شريطة أن تكون المبادئ الكلية للشريعة الإسلامية هي المصدر الأساس للتشريع، وبما يضمن لأتباع الديانات السماوية الأخري الاحتكام إلي شرائعهم الدينية في قضايا الأحوال الشخصية» حسب نص الوثيقة.
وجاءت باقي مبادئ الوثيقة لتجمع بين ما يطالب به كل الوطنيين في مصر مثل : اعتماد النظام الديمقراطي، القائم علي الانتخاب الحر المباشر، والالتزام بمنظومة الحريات الأساسية في الفكر والرأي والاحترام الكامل لحقوق الإنسان والمرأة والطفل، وتأكيد مبدأ التعددية واحترام الأديان السماوية، واعتبار المواطنة مناط المسئولية في المجتمع ، وكذا «الاحترام التام لآداب الاختلاف وأخلاقيات الحوار، وضرورة اجتناب التكفير والتخوين واستغلال الدين واستخدامه لبعث الفرقة والتنابذ والعداء بين المواطنين، مع اعتبار الحث علي الفتنة الطائفية والدعوات العنصرية جريمة في حق الوطن، ووجوب اعتماد الحوار المتكافئ والاحترام المتبادل والتعويل عليهما في التعامل بين فئات الشعب المختلفة، دون أية تفرقة في الحقوق والواجبات بين جميع المواطنين».
فضلا عن الحرص التام علي صيانة كرامة الأمة المصرية والحفاظ علي عزتها الوطنية، وتأكيد الحماية التامة والاحترام الكامل لدور العبادة لأتباع الديانات السماوية الثلاث، وضمان الممارسة الحرة لجميع الشعائر الدينية دون أية مُعوِّقات، واعتبار التعليم والبحث العلمي ودخول عصر المعرفة قاطرة التقدم الحضاري في مصر، وإعمال فقه الأولويات في تحقيق التنمية والعدالة الاجتماعية، ومواجهة الاستبداد ومكافحة الفساد والقضاء علي البطالة، وبناء علاقات مصر بأشقائها العرب ومحيطها الإسلامي ودائرتها الإفريقية والعالمية، ومناصرة الحق الفلسطيني، والحفاظ علي استقلال الإرادة المصرية، واسترجاع الدور القيادي التاريخي لمصر ، واعتبار الأزهر الشريف هو الجهة المختصة التي يُرجع إليها في شئون الإسلام وعلومه وتراثه واجتهاداته الفقهية والفكرية الحديثة.
ويبقي التحدي الحقيقي في هذه الوثيقة في قدرة الجميع علي استيعاب أهمية هذه الوثيقة والتعاون معها بقلب مفتوح وتفويض الأزهر في القضايا الخلافية أو الطائفية بما ينهي فزاعة الإسلاميين، ويضيع الفرصة علي الراغبين في ضرب وإجهاض ثورة المصريين.
الأزهر يعيد الدفء بين قطبي الأمة بالوثيقة الجديدة
ترحيب الكنيسة يكشف توازن موقف الأزهر وحرصه علي مفهوم المواطنة
كتبت - ولاء نعمة الله:
خلقت وثيقة الأزهر حالة من التوحد بين نسيج الشعب المصري, وثيقة لم تجتمع أهدافها لصالح كيان أو حركة او حزب ولكنها جاءت لإعادة المساواة في الحقوق والواجبات بين المسلمين والأقباط.. وثيقة إذا ما تم تطبيقها زالت وخفيت معها كل حالات الاحتقان التي حاول الكثيرون من اصحاب المرجعيات الدينية المتشددة او ممن يطلقون علي أنفسهم أقباط المهجر بها إثارة الفتن بين قطبي الأمة.
لم تكن المبادرة التي أعلنها الدكتور أحمد الطيب شيخ الازهر الشريف خلال طرحه لوثيقة الازهر نوعاً من أنواع التلوين السياسي، الذي يسعي البعض بعد ثورة 25 يناير الي صبغ أفعاله به, لكنها كانت مبادرة لبناء وطن جديد راسخ.. وثيقة تحترم الأديان وتؤكد علي حرية الرأي والتعبير وتعتبر المواطنة مناط المسئولية الحقيقية داخل المجتمع.. وثيقة تعتبر الحث علي الفتنة الطائفية والدعوات العنصرية جريمة في حق الوطن.. وثيقة تعتمد علي الحوار المتكافئ والاحترام المتبادل دون أية تفرقة في الحقوق والواجبات بين جميع المواطنين.. وقد كان لهذا صدي واسع حيث استقبلته الكنيسة بترحاب وتأييد حتي إنها وصفته بالمخرج الآمن, في ظل الاشتباك الذي تشهده أطراف القوي السياسية في مصر حول المبادئ الحاكمة للدستور.
كان لذلك الأثر الواضح في موقف الكنيسة الأسقفية بمصر وشمال إفريقيا فقد أعلنت تأييدها ل «وثيقة الأزهر».. وقالت في بيان لها: «إن هذه الوثيقة تعبر عن الغالبية العظمي من القوي السياسية التي ترغب في أن تكون مصر دولة ديمقراطية تضمن حق المواطنة لكل المصريين».. وأكدت انها تعيد للأزهر الشريف دوره التاريخي المعروف به علي مر العصور، خاصة بعد ان اكدت الوثيقة احترامها وحفاظها علي حق غير المسلمين في تطبيق شرائعهم الخاصة.
تجدر الإشارة إلي أن الموقف المعلن للكنيسة المصرية, لم يخف اعتراض بعض المفكرين الاقباط عليها.. وكان من أبرزهم الدكتور إكرام لمعي مدير كلية اللاهوت الإنجيلية، وكمال زاخر موسي، مؤسس فريق العلمانيين الأقباط، حيث اعترضا علي وقوع شيخ الأزهر في الحظر بخلطه بين الدين والسياسة.
وهو أمر يستحق المناقشة, ولمن لا يعرف فالبعد التاريخي لدور الأزهر في قيادة الحركة الوطنية نحو الحرية والاستقلال كان واضحا منذ قديم الأزل, لكن النظام السابق حاول تجاهله وربما إفساده, حيث لعب طوال مراحله دوراً سياسياً ووطنياً في كثير من المواقف سواء داخل مصر أو في مساندة الدول الإسلامية.. لم تخل ثورة من الثورات التي عاشتها مصر من دور علماء الأزهر بدءاً من الثورة العرابية وخلال ثورة 1919.. ويذكر الجميع مشهداً تناقلته السينما المصرية في أعمالها اتحاد الهلال مع الصليب.. وهو نفس المشهد الذي تجلي وضوحه في ثورة 25 يناير.
وفي هذا الشأن يقول الأستاذ فهمي ناشد: إن بداية مسار الوحدة الوطنية في مصر جاءت مع بداية فتح مصر فلم يأت الفتح الإسلامي قصراً أو غزواً، بل صلحاً ينعقد في معاهدة تكشف بنودها عن أصالة البعد الديني المصري سواء بين المصريين الذين يعانون من اضطهاد الرومان لعقيدتهم المسيحية، أو المسلمين الذين يلتزمون بعقيدتهم الإسلامية بأن لا إكراه في الدين، ويصاغ عهد يكتبه عمرو بن العاص, فلم يأت عهد الفتح بالأمان علي النفس والمال والعقيدة وشعائر العبادة من فراغ، بل جاء إعمالاً لأحكام الدين الحنيف بحرية العقيدة وللتنزيل الحكيم بأن «لا إكراه في الدين».
حقائق الأمور أن الأزهر الشريف والكنيسة المصرية عنصران يكملان بعضهما البعض وليس عكس ما يثار من محاولات لزيادة الاحتقان بين قطبي الأمة.
شيوخ الأزهر.. من دعم الشرقاوي للمقاومة إلي رفض جاد الحق للتطبيع مع إسرائيل
تقرير - مصطفي عبيد:
الأزهر روح مصر.. قلبها النابض.. ضميرها الصادق.. حصن الشعب الاخير في وجه السلطة الغاشمة والخطر الخارجي.
ليس مجرد جامع، ولا جامعة وإنما حضارة وتاريخ وحركة مقاومة دائمة ضد الظلم والجور.. ومن يقرأ تاريخ المشيخة يعلم أن معظم من تعاقبوا عليها وقفوا مع الناس ضد السلطة، واختاروا رضا الشعب قبل رضا السلطان.
منذ عام 1690 وحتي الآن تعاقب علي مشيخة الأزهر 42 رجلاً منهم 4 تولوا المشيخة لفترتين منفصلتين هم الشيخ حسونة النواوي من 1896 إلي 1900 ثم عام 1909 لبضعة شهور، والشيخ سليم البشري من 1900 إلي 1904 ثم من 1916 الي 1917.. ونجد أيضا الشيخ محمد مصطفي المراغي من 1928 إلي 1930 ثم من 1935 الي 1945.. كذلك الشيخ عبدالمجيد سليم من 1950 إلي 1951 ثم بضعة اشهر عام 1952.
وكان أطول شيوخ الأزهر بقاء في منصبه الشيخ عبدالله الشبراوي الذي ظل 32 عاماً في مقعد المشيخة منذ عام 1725 إلي 1757 وتلاه الشيخ عبدالله الشرقاوي الذي استمر 19 عاما خلال الفترة من 1793 إلي 1812، ويليه كل من الشيخ محمد النشرتي، والشيخ جاد الحق علي جاد الحق، والدكتور محمد سيد طنطاوي والذي استمر كل منهم 14 عاماً.
وتسجل كتب التاريخ كثيراً من المواقف الوطنية الجريئة لشيوخ الأزهر سواء ضد السلطة الجائرة أو ضد المستعمر الخارجي والتي جعلت الازهر بمثابة قلعة المقاومة ومنطلق افكار الاصلاح والتحديث والعدل. وربما كان دور الشيخ عبدالله الشرقاوي 1793 إلي 1812 من أبرز الأدوار السياسية لشيوخ الازهر فقد عمل الرجل كمفاوض عن الشعب في مواجهة الفرنسيين سواء عند دخول القاهرة او ثوراتها وقد اختلف فيما بعد مع محمد علي باشا الذي وضعه تحت الإقامة الجبرية.
أما الشيخ حسونة النواوي فقد اختلف مع الخديو عباس الثاني بسبب قيام الخديو بتعيين قاض مدني في المحكمة الشرعية وترك منصبه ثم عاد بعد 7 سنوات باختيار الناس، وهو نفس ما جري مع الشيخ محمد أبوالفضل الجيزاوي (1917 - 1927) الذي عارض رغبة الملك فؤاد في إعلان نفسه خليفة للمسلمين بعد سقوط الخلافة العثمانية.
ورفض الشيخ الجيزاوي الاستجابة لطلب الإنجليز بإغلاق الجامع الأزهر خلال ثورة 1919 وهو ما ساهم في خروج كثير من الثوار من الجامع الازهر.
أما الشيخ محمد مصطفي المراغي فقد وقف موقفاً صارماً في وجه الملك فؤاد رافضا تنصيبه كخليفة للمسلمين وتبني حملات لاستقلال الازهر دفعته الي الاستقالة من منصبه، ثم عاد مرة أخري الي مقعد المشيخة بمظاهرات الازهريين الصاخبة التي دفعت الشيخ الظواهري الي الاستقالة.
أما الشيخ الخضر حسين «1952 - 1954» فقد عارض عبدالناصر في بدايات حكمه وقد قدم استقالته احتجاجاً علي إلغاء المحاكم الشرعية.
ويسجل تاريخ الأزهر للشيخ الجليل محمود شلتوت «1958 - 1963» مواقف كريمة في الدفاع عن الأزهر والحفاظ علي استقلاله ضد تدخل الرئيس عبدالناصر وقد وصلت جرأة الشيخ الي تقديم استقالته اعتراضا علي إلغاء هيئة كبار العلماء.
وبالنسبة للشيخ عبدالحليم محمود والذي تولي المشيخة خلال الفترة من 1973 الي 1978 فقد عارض قانون الاحوال الشخصية الجديد الذي عرف بقانون «جيهان» وكان يتضمن بعض المواد المخالفة للرشيعة الإسلامية، كما عارض تدريس الدين المسيحي مع الإسلامي في حصة مشتركة وهو ما دفع الرئيس الراحل أنور السادات إلي التراجع وعدم الدخول في صدام مع الأزهر.
أما الشيخ جاد الحق علي جاد الحق «1982 - 1996» فعرف بمواقفه الشجاعة التي عارض فيها التطبيع مع إسرائيل ورفض مطالب تحديد النسل وإباحة الإجهاض، وقف موقفا قوياً داعماً لمطالب تقنين الشريعة الإسلامية.
عودة الروح لمؤسسة رائدة في العالم الإسلامي
كتب - صلاح شرابي:
بدأ الأزهر الشريف في استعادة روحه.. ولحق بثورة 25 يناير المجيدة ليعود إليه بريقه وحيويته ودوره في قيادة العالم الاسلامي بعد فترة من التراخي نتيجة حكم النظام البائد الذي تعمد نشر الفساد والإفساد في كل مؤسسات الدولة المصرية علي مدار 30 عاما هي مدة حكم الرئيس المخلوع حسني مبارك ونظامه البائد.
لم تنج المؤسسات الدينية في مصر من تدخل النظام البائد في شئونها واختراقها بل الإصرار علي تولي شخصيات معينة لمناصب قيادية بها لضمان استقرار الحكم والإمساك بزمام الأمور وإلهاء الشعب عن دور تلك المؤسسات خاصة في الفترة الأخيرة التي كان الصمت فيها سيد الموقف من بينها تزوير ارداة الشعب في الانتخابات دون صدور أي بيانات إدانة أو تحريم للتزوير.
وقد وصل الأمر إلي تكليف أئمة المساجد بخطب معينة دون التطرق للجانب السياسي الذي هو أساس الدولة والمهتم بالشئون الحياتية للشعب، وطمس الهوية السياسية لأي تجمعات.
ولم يختلف الأزهر الشريف كمؤسسة دينية كثيرا عن باقي المؤسسات، إلا أنه عاد للمصريين ليعبر عنهم كما كان علي نحو سابق بل ويضع خريطة ومنهجاً لبناء الدولة المصرية الجديدة، ولعل وثيقة الأزهر التي صدرت مؤخراً خير دليل علي ذلك.. لقد اتخذ الأزهر الشريف أولي خطواته بعد الثورة بقيام الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر بعقد اجتماع مع ممثلي الأحزاب السياسية والقوي الوطنية و9 من مرشحي رئاسة الجمهورية لوضع صيغة توافقية حول شكل ونظام حكم الدولة الديمقراطية وضمان عدم العودة إلي سياسات أضرت بالبلاد.
مشروع الوثيقة
وتضمنت الوثيقة 11 بنداً أكدت تدعيم الدولة المدنية والابتعاد عن الدولة الدينية والكهنوتية والبعد عن التكفير والتخوين وضرورة استقلال الأزهر واختيار شيخ الأزهر نفسه بالانتخاب، بل وأكد شيخ الأزهر أن الوثيقة التزمت في بلورة مستقبل مصر ملتزمة بالمنهج الوسطي السديد للأزهر وإصرار كل المشاركين فيها علي حتمية تأسيس مسيرة الوطن علي أسس وقواعد ومبادئ كلية شاملة.
وتضمنت الوثيقة في بنودها دعم الدولة الوطنية الدستورية الديمقراطية الحديثة التي تعتمد علي دستور ترتضيه الأمة ويفصل بين السلطات ويضمن الحقوق والواجبات لكل أفرادها بحيث تكون سلطة التشريع لنواب الشعب بما يتوافق مع المفهوم الاسلامي الصحيح بل قالت إن الإسلام لم يعرف علي مدار تاريخه لا في تشريعاته ولا حضارته ما يعرف في الثقافات الأخري بالدولة الدينية الكهنوتية التي تسلطت علي الناس وعانت منها البشرية في بعض مراحل التاريخ.
وأشارت الوثيقة إلي حق المجتمعات في إدارة شئونهم بما يحقق مصالحهم شريطة أن تكون المبادئ الكلية للشريعة الاسلامية هي المصدر الأساسي للتشريع وبما يضمن لأتباع الديانات السماوية الأخري الاحتكام إلي شرائعهم الدينية في قضايا الأحوال الشخصية.
وأكدت وثيقة الأزهر اعتماد النظام الديمقراطي القائم علي الانتخاب الحر المباشر وتداول السلطة ومراقبة أداء المسئولين أمام ممثلي الشعب والالتزام بمنظومة الحريات الأساسية في الفكر والرأي مع الاحترام الكامل لحقوق الانسان والمرأة والطفل واعتبار المواطنة مناط المسئولية في المجتمع، والالتزام بالمواثيق والقرارات الدولية والحرص التام علي صيانة كرامة الأمة المصرية والحفاظ علي عزتها العربية والحماية التامة والاحترام الكامل لدور العبادة وضمان الممارسة الحرة لجميع الشعائر الدينية دون أية معوقات.
واعتبرت الوثيقة التعليم والبحث العلمي ودخول عصر المعرفة قاطرة التقدم الحضاري للبلاد وتكريس كل الجهود لتدارك ما فاتنا في هذه المجالات وحشد طاقة المجتمع لمحو الأمية واستثمار الثروة البشرية وتحقيق المشروعات المستقبلية الكبري وإعمال فقه الأولويات في تحقيق التنمية والعدالة الاجتماعية ومواجهة الاستبداد ومكافحة الفساد والقضاء علي البطالة.
وبالنسبة لسياسة الدولة الخارجية أكدت الوثيقة بناء علاقات مصر بأشقائها العرب ومحيطها الاسلامي ودائرتها الافريقية والعالمية ومناصرة الحق الفلسطيني والحفاظ علي استقلال الإرادة المصرية واسترجاع الدور القيادي علي أساس التعاون علي الخير المشترك والحفاظ علي البيئة وتحقيق السلام العادل بين الأمم.
وأيدت الوثيقة مشروع استقلال مؤسسة الأزهر وعودة «هيئة كبار العلماء» واختصاصها بترشيح واختيار شيخ الأزهر والعمل علي تجديد مناهج التعليم الأزهري ليسترد دوره الفكري الأصيل وتأثيره العالمي في مختلف الأنحاء، واعتبار الأزهر الشريف الجهة المختصة التي يرجع إليها في شئون الإسلام وعلومه وتراثه واجتهاداته الفقهية والفكرية الحديثة مع عدم مصادرة حق الجميع في إبداء الرأي متي تحققت فيه الشروط العلمية اللازمة والالتزام بآداب الحوار واحترام ما توافق عليه علماء الأمة.
الوثيقة في أروقة القوي السياسية
كان شيخ الأزهر موفقا في مبادرته لكونه أشرك ممثلي الأحزاب السياسية في المائدة النقاشية، وبالطبع كانت هناك بعض الاختلافات أثناء المناقشات الا انه في النهاية تم وضع الصيغة النهائية بتوافق جميع الحاضرين.
وهنا علينا أن نقف لنؤكد خطيئة ما وقع فيه النظام البائد من احتكار السلطة وانفراده بها وهو ما انعكس بالتالي في الاحتجاجات والمظاهرات، وظهر الفرق هنا حول وثيقة الأزهر فعندما شاركت الأحزاب والقوي الوطنية كان التوافق حولها بعد المشاركة في إعدادها ولم تلق أي معارضة باستثناء بعض التيارات الدينية المتشددة التي وصفتها بأنها تسعي للدولة العلمانية مشيرين إلي ضرورة قيام دولة دينية إسلامية، الأمر الذي قابلته الغالبية بالنفور واتهامهم بتطبيق أجندات دول أخري.
وقد أصدرت غالبية الأحزاب بيانات مؤيدة للوثيقة وسيطرت بنودها علي جميع اللقاءات السياسية خاصة عندما أعلن الأزهر الشريف أنه لا يريد قيادة العمل السياسي والحزبي، وإنما جاءت وثيقته لكون الأزهر يحمل علي كاهله دوراً وطنياً وأنها مجرد إطار قيمي يصون أساسيات شعبنا وثوابته، لتكون بمثابة مشروع لوضع دستور جديد للبلاد دون فرضه علي أحد.
عودة الروح
لقد استطاع الأزهر الشريف من خلال الوثيقة أن يتخطي فترة الصعاب ،ويعبر عن ارادة المصريين وما يدور في أذهانهم ليثبت للجميع الدور القيادي له في بلورة الفكر الاسلامي الوسطي لكونه المنارة الهادية التي يستضاء بها ويحتكم إليها في تحديد علاقة الدولة بالدين وبيان أسس السياسة الشرعية الصحيحة التي ينبغي السير عليها، ارتكازا علي خبرته المتراكمة علي مدي تاريخه.
واحتفظت جامعة الأزهر خلال الفترة الماضية بمكانتها في نشر العلم والثقافة وتعاليم الإسلام وروحه السمحة ولم تتأثر إلا قليلا ويقصدها طلبة العلم من جميع أنحاء العالم، إلا أنها تحتاج أيضا لمزيد من الجهد لتعود إليها روحها التي كانت ومازالت حديث العالم في بث تعاليم الإسلام، ولا يزال الجامع الأزهر بمنطقة الحسين علامة بارزة في تاريخ العمارة الاسلامية يقصده الزائرون من كل الأنحاء.
كان غياب الأزهر في الفترة الماضية عاملاً أساسياً لفتح الطريق أمام العديد من التيارات لاستغلال الدين في أغراض سياسية وغيرها والتحدث باسم الإسلام دون شرعية وكان الشعب، خاصة فئة الشباب فريسة لهذه التيارات وسيطرتها وتواجدها في التجمعات.
أما الآن بعد ثورة 25 يناير، فقد عادت الروح إلي الأزهر ليقوم بدوره التاريخي العريق بعد أن لقيت مبادرته ردود أفعال واسعة خارج مصر، خاصة في دول العالم العربي ليثبت للعالم أجمع أنه الأجدر والأقدر لقيادة الإسلام والمسلمين.. حفظ الله الأزهر جامعاً وجامعة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.