عاد الأزهر من جديد لمصر وعادت مصر للأزهر...هكذا كان الشعور الأبرز المسيطر علي الجميع في أعقاب حصول وثيقة الأزهر علي تأييد سياسي واسع في أعقاب الاجتماع المغلق الذي عقد الأربعاء الماضي بمقر مشيخة الأزهر ورئاسة الإمام الأكبر د.أحمد الطيب، شيخ الأزهر وبحضور 63 شخصية سياسية يمثلون مرشحي الرئاسة وبعض رؤساء الأحزاب للتشاور حول اعتماد وثيقة الأزهر الشريف لتكون بمثابة صيغة توافقية يتفق عليها الجميع بما تؤكده من الهوية المصرية وضمان الحقوق والحريات واعتبار المواطنة أساسا للمساواة بين المصريين جميعا بغير تفرقة ولاتمييز، من خلال التأكيد علي أن مصر دولة وطنية دستورية ديمقراطية تعتمد علي دستور ترتضيه الأمة لايعرف الدولة الدينية، وهي الوثيقة التي حازت إجماع الحضور في اجتماع الأزهر الأخير الذي دعا له شيخ الأزهر. جاءت الوثيقة تعبيرا عن الأزهر الحر الذي تخلص من أغلال النظام السابق الذي أهانه وكبله وضيع هيبته علي مدار سنوات طويلة، يبدو الأزهر الآن وكأنه استعاد شبابه من جديد كما استعادت مصر بثورة شبابها حيويتها من جديد، لذلك لم يكن غريبا أن يلبي نداء الإمام الأكبر للتوافق حول وثيقة الأزهر 9 من مرشحي الرئاسة علي رأسهم عمرو موسي ومحمد البرادعي وهشام البسطويسي وحمدين صباحي وأيمن نور ومحمد سليم العوا وعبد المنعم أبو الفتوح، وبحضور رؤساء الأحزاب السياسية أمثال السيد البدوي رئيس حزب الوفد وأسامة الغزالي حرب رئيس حزب الجبهة الديمقراطي، ومحمد مرسي رئيس حزب الحرية والعدالة وممثلين عن القوي والحركات الثورية لحركة 6 أبريل وائتلاف شباب الثورة والمجلس الوطني وحال ضيق المكان دون استيعاب العديد من ممثلي التيارات فتقرر عقد اجتماع آخر يضم ممثلي التيارات الدينية والسلفية خصوصا. وأكد شيخ الازهر في كلمته ببداية الاجتماع أهمية هذا اللقاء من أجل مستقبل مصر وتحقيق طموحات شعبها لهذه اللحظة الحاسمة التي تمر بها مصر، مشيرا إلي أهمية التعاون بين الجميع من أجل الحفاظ علي مكاسب ثورة 52 يناير لتكون سقفا يقف عنده كل الأطراف بعيدا عن أي فرقة. وشدد "الطيب" علي أن "الدستور هو الوثيقة النهائية وقمة الهرم القانوني في الدولة الحديثة رغم تنوع الاجتهادات بين الدعوة إلي مبادئ فوق دستورية والتي يراها البعض حائلا دون هيمنة الاتجاه الواحد واستبداده في صياغة البناء الدستوري فيما يراه البعض التفاتا علي إرادة الجماهير". وأشار إلي أن تنوع الاجتهادات حول استراتيجية المستقبل إذا تحول إلي تنابز فكري لن يكون حفظه إلا ثمرا مرا للوطن ولمصر في حاضرها ومستقبلها. فالدساتير تعبر عن هوية الامة ومصالح المجتمع، وأن تنوع الاجتهادات حول البناء السياسي والدستوري القادم لن يكون تنوعا محمودا إلا إذا ظل في إطار وحدة الوطن وأهدافه العليا. وأوضح شيخ الأزهر أن موقف الأزهر كان وما زال الوقوف علي حياد بين كل الفرقاء وهو يتابع بدقة أطروحات الجميع حول مستقبل الوطن ويؤكد عدم خوضه غمار العمل السياسي أو الحزبي أو بممارسة السياسة بمفهومها المعتاد، كما أنه ليس من شأنه الدخول في السياسة رغم اهتمامه بالحفاظ علي حضارة وثقافة وهوية الأمة وعدم ذوبانها في أفكار مشتتة. ودعا الإمام الأكبر المشتركين في اللقاء إلي "النظر في التوافق حول وثيقة الأزهر لحل يخرج الناس من ضيق الاختلاف إلي سعة الآفاق والتعاون من أجل مصر وشهداء ثورتها. وأن وثيقة الأزهر هي مجرد إطار قيمي يصون أساسيات شعبنا وثوابته ويتغير الدولة الوطنية الدستورية الديمقراطية الحديثة من ثوابت المطالب الوطنية لكل ما تستوجبه من مواطنة كاملة وتداول حقيقي للسلطة يمنع احتكارها من فريق والقفز عليها من فريق آخر". كذلك أشار إلي أن "الترحيب الذي حظيت به الوثيقة من مختلف القوي الفكرية والسياسية بمصر والخارج لما مثلته من توافق بين الرؤي الدينية والسياسية لمعالجة شئون الدولة بعيدا عن أي خلاف بما يجعلها وثيقة استرشادية عند وضع الدستور وميثاق شرف يلتزم به الجميع طواعية دون فرض أي توجه علي أحد وترك الأمر للإرادة الشعبية التي يعبر عنها الدستور المنتظر والذي سيكون ميزان عدل بين كل أطياف الشعب دون تمييز". من جانبه أكد الدكتور محمود عزب –مستشار شيخ الأزهر للحوار- علي أن التوافق وإمضاء ممثلي القوي السياسية المختلفة علي الوثيقة يعد دليلا علي أن الأزهر قد عاد من جديد بيتا للأمة وأنه فتح من جديد أبوابه لمختلف التيارات السياسية دون إقصاء أو إبعاد لأي طرف. وأضاف عزب أنه بعد التوافق علي وثيقة الأزهر بشكل نهائي سيتم رفع توصيات الاجتماع إلي المسئولين بالمجلس الأعلي للقوات المسلحة، وإلي مجلس الوزراء لاتخاذ الخطوات العملية لتنفيذها، وأن تكون توافقية بين من يطالب بالانتخابات أولا، أو بالمبادئ فوق الدستورية، أو بصياغة الدستور وغيرها من الأفكار المطروحة علي الساحة السياسية، موضحا أن الأزهر يهدف إلي الوصول إلي توافق الجميع بلا تدخل منه أو فرض وصاية علي أحد أو العمل بالسياسة، ولا يعتبر الأزهر مشتغلا بالسياسة، بل يحافظ علي وحدة نسيج الوطن، ويبعد عن أي أسباب للفرقة. وقال المرشح المحتمل لانتخابات الرئاسة عمرو موسي إن زيارته تأتي تلبية لدعوة الطيب له، واصفاً وثيقة الأزهر بأنها إثراء للحياة السياسية المصرية. من جانبه أكد المرشح المحتمل لانتخابات الرئاسة الدكتور محمد البرادعي أن توافق القوي السياسية باختلاف مشاربها حول "وثيقة الأزهر" أمر "يثلج الصدور". واعتبر –المرشح المحتمل لانتخابات الرئاسة- عبد المنعم أبو الفتوح وثيقة الأزهر إطاراً توافقياً بين مختلف التيارات السياسية تعبيرا عن الروح الجديدة التي سادت مصر بعد الثورة. وطالب السيد البدوي رئيس حزب الوفد بضرورة إقرار وثيقة الأزهر وتبني القوي السياسية المختلفة لها إعتبارها إحدي الوثائق المهمة التي تقضي علي حالة الجدل في الساحة السياسية حول المبادئ فوق الدستورية. ورحب الأمين العام لحزب الحرية والعدالة الدكتور محمد سعد الكتاتني بوثيقة الأزهر. وقال المتحدث الرسمي باسم الدعوة السلفية الشيخ عبد المنعم الشحات إن الجماعة لها تحفظ وحيد علي وثيقة الأزهر أبلغته لشيخ الأزهر أثناء نقاشنا حول الوثيقة بخصوص أن "المبادئ الكلية للشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع"، في حين كان ينبغي أن تنص الوثيقة علي أن "الشريعة" كلها هي مصدر التشريع. وفيما نظمت 54 حركة وائتلافا ثوريا مؤتمرا حاشداً مساء الخميس الماضي للإعلان عن تأييدهم لوثيقة الأزهر، أعلن حزب المصريين الأحرار في بيان له تأييده المطلق للوثيقة. كل هذا التأييد الكاسح للوثيقة لا يعني عدم وجود رافضين للوثيقة فقد نظم العشرات من طلبة وعلماء الأزهر وممن يطلقون علي أنفسهم حكومة الظل وقفة احتجاجية أمام مشيخة الأزهر للتعبير عن رفضهم للوثيقة، علي اعتبار أنها تهدد الهوية الإسلامية وترسخ للدولة العلمانية.