وفى يوم 16 من ديسمبر 1989قامت ثورة عارمة فى شوارع العاصمة الرومانية ((بوخارست)) خرج الشباب بقيادة بعض النخب فى مظاهرات حاشدة لإسقاط حكم هذا الديكتاتور الشيوعي .. واجههم الأمن مواجهات عنيفة مما أسفر عن قتل 1104 قتيل ثم تخلى الديكتاتور الروماني ((نيكولاي تشاوتشيسكو)) عن الحكم بعد مظاهرات حاشدة لمدة أسبوع كامل فى الشوارع الرومانية وسلمت السلطة ((للمجلس العسكرى الروماني)) قام بعض الضباط الرافضين للثورة والراغبين فى الحفاظ على مصالحهم وبعض الشيوعيين بعمل أعمال إرهابية فى مبنى ((الإذاعة والتلفزيون)) و((الجامعات)) وبعض المنشئات الحيوية وكل هذا على مسمع وبصر المجلس العسكرى ولكن كان يبدوا أن ما كانوا يفعلوه على ((مزاجه)) مما زاد الهم عند الرومانيون أنه كان هناك نقص حاد فى جميع السلع التموينية الأساسية والوقود , وكل هذا كان يلصقونه بالثورة مع أن الثورة لم تكن تحكم. تم أنشاء جبهة تُسمى ((بجبهة الإنقاذ الوطني )) وكان مؤسسها "إيون إيليسكو" وكانت مناهضة للثورة وهدفها هو إعادة نظام " نيكولاي تشاوتشيسكو " وكان من رجال الجيل الثاني للشيوعيين وكان يعقد صفقات مع المجلس العسكرى وبعض رموز النظام الروماني البائد لكي يساعد على عودة النظام البائد هناك. سيطر على كل وسائل الأعلام التى كانت بالمصطلح المصري تطبل له فى كل وقت وحين ثم رشح نفسه رئيساً للجمهورية. أفاق هذا شباب الثورة الرومانية ونزلوا فى مظاهرات حاشدة لوقفه فأرسل لهم بلطجية وبعض عمال المناجم ليصطدموا بالشباب الجامعي وحدثت مجزرة وشبه (حرب أهلية) فى رومانيا علاوة عما كانوا يقولوا الأعلام الروماني على هؤلاء الشباب أنهم عملاء وممولون من الخارج ومثيري شغب وفوضى. وانتهت الثورة بعد معركة واحد ورشح نفسه " إيون إيليسكو " لرئاسة الجمهورية وفاز بنسبة كاسحة ((85 %)) بالتزوير وكان ذالك بدعم من المجلس العسكرى الروماني الذى كان حاكماً للبلاد مما أدى إلى انتهاء الثورة الرومانية ورغم تخلص الثورة الرومانية من رأس النظام مثلما حدث فى الثورة المصرية، إلا أن الأحداث التى تلت هذا جاءت بنهاية الثورة، فقد سيطرت جبهة الإنقاذ الوطني التى تشكلت من قيادات الصف الثاني بالحزب الشيوعي الحاكم، وبمساعدة جنرالات الجيش على مقاليد الأمور. وهذا هو وجه الخلاف الوحيد بين الثورتين المصرية والرومانية فجبهة الإنقاذ بقيادة أيون إيليسكو كانت تابعة مباشرة للحزب الشيوعي الحاكم، أما فى مصر فقد جاء جنرالات الجيش بجماعة الإخوان المسلمين التى كانت محظورة طوال 81 عاماً، وتم منحها شرعية تكوين حزب سياسى وباسم الدين نجح هؤلاء فى تمرير التعديلات الدستورية الكارثية فى 19 مارس عن العام الماضي، وباسمه أيضاً نجحوا فى الوصول للبرلمان، وحصلوا على الأغلبية، وبدأوا فى السعي لتشكيل الحكومة، بل الوصول إلى منصب رئيس الجمهورية، وكأن الثورة قامت لتحل جماعة الإخوان المسلمين محل الحزب الوطني المنحل. وفى يناير عام 1990 قام عمال المناجم بمساعدة رجال الشرطة بالهجوم على الطلبة والمثقفين أثناء تظاهرهم احتجاجاً على اختطاف الثورة على يد أعضاء الحزب الشيوعي المنحل، بعد أن قام ايليسكو بتحريض العمال، وفقدت رومانيا 942 قتيلاً بسبب أحداث الانفلات الأمني المفتعلة فيما بعد القبض على تشاوتشيسكو، بينما راح ضحية الثورة الأولى إبان حكم الديكتاتور 162 شخصاً فقط، وأصيب 2245 جريحاً بينما أصيب 1104 أشخاص فقط فى أحداث الثورة، المفارقة الغريبة أن أحداث مصر لم تختلف كثيراً عن ذلك، حيث أسفرت الثورة المصرية عن 848 شهيداً و5500 مصاب، بينما بلغ ضحايا الفترة الانتقالية 2286 شهيداً و7811 مصاباً نتيجة الاعتداءات على المتظاهرين فى فض اعتصامات ميدان التحرير المتكررة، والاعتماد على المتظاهرين أمام السفارة الإسرائيلية، ثم أحداث ماسبيرو وشارع محمد محمود ومجلس الوزراء ثم مجزرة بورسعيد، بالإضافة إلى حوالى 16 ألف معتقل يحاكم عدد كبير منهم أمام المحاكم العسكرية الآن. والسيناريو الذى تسير فيه مصر الآن يشبه إلى حد كبير ما حدث فى رومانيا، بل إن حالة الفوضى التى تعيشها مصر الآن بسبب عدم وجود دستور، وعدم إمكانية الانتهاء منه قبل انتخابات الرئاسة، التى أصبحت مهددة بالإلغاء، والخلافات الشديدة بين المرشحين واللجنة العليا للانتخابات، والصراعات الموجودة بين التيارات السياسية المتصارعة على الرئاسة سواء كانت دينية أم تابعة للفلول، كل هذه الحالة من الفوضى والارتباك ترشح ثورة مصر لتفوق الثورة الرومانية، وتنتهي إلى لا شيء. أن التاريخ لا يعيد نفسه والثورات لا تكرر نفسها ولكن الأمور فى مصر قد تتفاقم لتصبح أصعب مما أصبحت عليه فى رومانيا، أن مصر لن تصل للحالة الرومانية لعدة أسباب منها أن الجيش المصري مختلف عن الجيش الروماني، كما أن التركيبة الشعبية مختلفة، ولكن الأوضاع السياسية فى مصر تنذر بحالة من الفتن والصراعات بين الجيش والتيارات الدينية على خلفية حذف مرشحيهم من قوائم المرشحين للرئاسة، وقد يصل هذا الصراع لاستخدام السلاح، وقد يصل الأمر لحد الحرب الأهلية المحدودة خاصة مع غياب الأفق السياسي، ولذلك أتوقع أن يتم تأجيل الانتخابات الرئاسية، وقد تحدث أيضاً انفجارات شعبية نتيجة نقص السلع والاحتياجات الأساسية للمواطنين، هذا بالإضافة إلى إمكانية تعرض الحدود للاعتداء سواء الشرقية أو الغربية. فإسرائيل تنتظر والجماعات المسلحة الليبية قد تقدم على أي عمل، لذلك فالسيناريو فى مصر سيكون أسوأ مما هو عليه فى رومانيا، والحل الوحيد فى أن تعتزل جميع القوى السياسية المتنازعة العمل السياسي لفترة، وتعمل على حل مشاكل المواطنين أولاً، وتتوافق فيما بينها من أجل مصلحة مصر ولدرء الخطر الخارجي عنها. أن ما يحدث فى مصر أسوأ بكثير مما حدث فى رومانيا، فالثورة المصرية تمت سرقتها بشكل ممنهج ومنظم، بدءاً من تشويه الثورة والثوار، وإطلاق المجرمين من السجون لترويع الناس، ودس البلطجية والمجرمين وسط الثائرين للقيام بعمليات تخريب وتدمير وحرق المنشآت العامة وتعطيل الاقتصاد لإظهار الثائرين بمظهر المخربين، ومنها افتعال الأزمات فى السلع الغذائية والوقود وغيرها، حتى لا يجد الناس أمامهم سوى المتسلطين لإنقاذهم مما يعانون، حتى إننا أصبحنا أمام مشهد بلا نظير لتقديم رموز النظام السابق وتقليدهم أرفع المناصب القيادية فى البلاد، وكأن النظام لم يتغير وبذلك أصبحنا أمام نموذج أسوأ من نموذج الثورة الرومانية. الثورات لا تتكرر : أن كل ثورة ولها ظروفها ومطالبها، فالثورة المصرية اتخذت قراراً من اللحظة الأولى أن تكون سلمية، تعتمد على إرساء القانون، ولكننا بعد 13 شهراً عدنا مرة أخرى لنقطة الصفر لعدة أسباب وهى أن التيار الغالب يقود العمل السياسي لأول مرة، كما أن هناك فصيلاً سياسياً راغباً فى الاستئثار بالسلطة، والشعب لن يرضى باستئثار أي فصيل للسلطة، فالثورة قامت بسبب استئثار الحزب الوطني بالسلطة من قبل، ولذلك أصبحنا نجرى نفس المكان، وأصبح على الشعب أن يبحث عن بديل آخر يدعمه للانتقال السلمي للسلطة. أن مصر لن يحكمها ديكتاتور آخر، فالشعب المصري كسر حاجز الخوف يوم 25 يناير ولن نسمح أبداً بتكرار سيناريو رومانيا فى مصر، وجيل الشباب الذى قام بالثورة لن يسمح بالقضاء عليها وكيفية إعادة إنتاج الطغاة والأنظمة المستبدة بالرغم من قيام الثورة. 1 2 › »