**فاتحة القول: فى السادس عشر من ديسمبر عام 1989، وتحديدًا فى العاصمة الرومانية بوخارست، اندلعت ثورة الشعب واستمرت لمدة أسبوع, وتصاعدت أعمال العنف خلال هذا الأسبوع بشكل دراماتيكى حتى أدت فى النهاية إلى الإطاحة بالديكتاتور نيكولاى تشاوتيسكو، وكان حصاد الثورة الرومانية وفاة 1,104 شخص, بمن فيهم الرئيس المخلوع وزوجته "إيلينا"، مات منهم 162 شخصًا فى المظاهرات ضد تشاوشيسكو من 16-22 ديسمبر، والباقى 942 ماتوا ضمن أعمال الشغب قبل الاستيلاء على السلطة. وامتنع الجيش الرومانى عن مساندة الطاغية تشاوتشيسكو تمامًا كما فعل الجيش المصرى فتمت محاكمته وأعدم مع زوجته إيلينا (وهو الأمر لم يحدث فى مصر المحروسة ولو حدث لاسترحنا كثيرًا)، ثم تولى السلطة فى الفترة الانتقالية أحد مساعدى شاوتشيسكو واسمه إيون إيليسكو (ويلعب دوره فى الثورة المصرية المشير حاليًا والفريق لاحقًا)، فماذا فعل إيون إيليسكو؟ امتدح إيليسكو الثورة والثوار واحتفى بها فى البداية، ثم لم يمضِ وقت طويل حتى حدث انفلات أمنى رهيب فى البلاد تبين فيما بعد أنه من تخطيط إيليسكو، حيث بدأت مجموعات من الأشخاص المجهولين (الطرف الثالث) يهاجمون بيوت الناس والمنشآت الحيوية، وراح جنود الجيش يتصدون لهم حتى أصبحت رومانيا ميدان حرب، مما تسبب فى إحساس المواطنين بالهلع وانعدام الأمن، ومع الانفلات الأمنى المتعمد ارتفعت الأسعار وأصبحت الحياة صعبة ما أدى إلى ضيق وضجر الناس وهو نفس السيناريو المتبع فى مصر شح الغاز والبنزين وماء الرى. ** ولعب الإعلام الحكومى (إعلام الفلول) دورًا مزدوجًا، فهو من ناحية ساهم فى نشر الذعر عن طريق الشائعات الكاذبة المتوالية، وفى الوقت نفسه، راح الإعلام يمعن فى تشويه صورة الثوار، وتوالت الاتهامات لمن قاموا بالثورة بأنهم خونة وعملاء، يقبضون أموالاً من الخارج من أجل إسقاط الدولة وتخريب الوطن مع الهلع والأزمات الطاحنة، تأثر المواطنون بحملات التشويه الإعلامى وبدأوا يصدقون فعلا أن الثوار عملاء لجهات خارجية، وهذا ما حدث فى مصر وما زال يتكرر بين الفينة والأخرى. وعندما أحس الثوار بأن "إيليسكو" يسعى لإجهاض الثورة نظموا مظاهرة كبيرة رفعت شعار: "لا تسرقوا الثورة.." فما كان من "إيليسكو" إلا أن وجه نداء فى التليفزيون إلى المواطنين الشرفاء، لاحظ تكرارالتعبير، وطالبهم بالتصدى للخونة وقام "إيليسكو" سرًا باستدعاء آلاف العمال من المناجم وأشرف على تسليحهم، فاعتدوا على الثوريين وقتلوا أعدادًا كبيرة منهم وهذا أيضًا حدث عندنا على نطاق تجريبى محدود. خاتمة القول: كانت هذه نقطة النهاية لثورة رومانيا.. فقد استتب الأمر بعد ذلك ل"إيون إيليسكو"، ورشح نفسه للرئاسة وفاز بالمنصب لدورتين متتاليتين فى انتخابات مزورة بالطبع تزويرًا ناعمًا وخشنًا، ولم يحاسبه أحد لأن ثورته المضادة أفلحت فى القضاء على الثورة وهكذا، بعد أن كانت الثورة الرومانية مفخرة تحولت إلى درس عظيم فى تاريخ الثورات كيف يمكن أن تنتهى ثورة عظيمة بالفشل الذريع؟ لأنها تراخت فى عزل الفلول وتطهير مفاصل الدولة منهم وخصوصًا جهاز الإعلام والقضاء والشرطة.. فهل فى مصر من يعتبر؟ [email protected]