فى الخامس والعشرين من يناير اندلعت الشرارة الحقيقة لثورة الورد والتى فجرها الشباب وسرعان أن شاركت فيها جموع الشعب بكل طوائفه انطلاقاً من الشعور والمعاناة التى عاش فيها الشعب طوال فترة حكم مبارك وزبانيته. وكانت الآمانى التى تراودنا جميعاً بسيطة فى البداية ويوم بعد يومٍ علت وارتفعت حتى بلغت ذروتها فى الحادى عشر من فبراير بتنحى المخلوع. وتوالت المطالب كما عايشناها وانتهت بإيداع مبارك وأبنائه ورموز حكمه قفص الإتهام . وبدأت المحاكمات فى جرائم قتل المتظاهرين ونهب الأموال وتابعنا هذه المحاكمات التى لم ترضِِِِ طموحات الشعب والتى انتهت بالحجز للنطق بالحكم فى الثانى من يونية من هذا العام وهذا القرار قد أصابنا بالصدمة والإحباط ولكن لانملك إلا الرضوخ لحكم القضاء فقد يكون لطول المدة تبريراً هم أعلم به وامتثالاً لنزاهة القضاء ارتضينا بالقرار. ولكن تناسى الكثيرون قضية هى من أخطر الجرائم التى ارتكبها مبارك ونظامه والتى كان يجب أن يحاكم عليها مبارك فهى لاتقل أهمية ولاتقل جرماً عن قتل المتظاهرين. هذه القضية هى : قتل الإنتماء فى نفوس جيل بأكمله. هذا الجيل الذى تربى وترعرع فى عهد المخلوع. هذا الجيل الذى لانجد لحب مصر مكاناً فى قلبه وهو معذور فى ذلك فقد تربى فى ظروف قاسية منذ نعومة أظافره وحتى بلوغه مرحلة الشباب. فقر مدقع وأمراض تحت مسميات كثيرة وخطيرة .. مناهج تعليمية لاتهدف إلى تكوين مواطن صالح يخدم وطنه وماهى إلا تحصيل حاصل وبالتالى رأينا جيلاً طوال هذا الحكم الفاسد حاصلاً على شهادات دراسية ورقية ولكنه يفتقد الى كل مقومات المواطن الذى يستطيع النهوض بوطنه. جيل لم يرَ أو يشعر بالعدالة الاجتماعية ورأى وعايش الوساطة مع الفساد فى كل مناحى الحياة. كل هذه العوامل وغيرها قتلت انتماء هذا الجيل بأكمله وأصابته باليأس والإحباط واللامبالاة القاتلة وهذا كله عكسته الأحداث التخريبية التى عاشتها البلاد فى الآونة الأخيرة. فمن أحداث ماسبيرو ومحمد محمود ومجلس الوزراء وحرق المجمع العلمى وأحداث بورسعيد كل هذه الأحداث وماصاحبها من غلٍ وكراهية وبتحليل شخصيات من ارتكبوها وأعمارهم فسوف نجد أن غالبية هؤلاء هم الجيل الذى تربى فى عهد هذا الطاغية. هذا الجيل الذى لم يفكر ولو للحظة وهو يدمر بأن مايدمره هو ملكه وملك الشعب كله وكيف يشعر بذلك وهو لم يتربَ على الإنتماء الذى قتله هذا النظام الذى كان يحكم وكل همه هو استنزاف ثروات البلاد لنفسه وأعوانه. من هنا ننادى ونقول :حاكموا مبارك على هذه الجريمة الكبرى ألا وهى قتل الإنتماء فى جيل بأكمله.