هي المرة الأولي التي تمنيت فيها أن تخلو شوارع القاهرة من السيارات.. تجربة عصيبة أمر بها.. أم أولادي علي نقالة في سيارة الإسعاف لا تدري بمن حولها والطريق مزدحم جدا ولا أحد يتحرك ليفسح المجال أمام السيارة لتنقذ حياة المسكينة فاقدة النطق.. ابني الكبير الذي يرافق أمه في الإسعاف يصرخ في الناس بدون جدوي وأنا خلفهم في سيارتي يكاد قلبي أن ينخلع وأسأل نفسي.. وماذا لو استمر الزحام.. هل تموت زوجتي بفعل هذا الزحام المؤلم.. لحوالي 25 دقيقة وأنا أصرخ في كل من حولي ليفسح لنا الطريق لكي نصل إلي المستشفي بسرعة.. مؤكد أن مثل هذا الموقف يحدث كل يوم في الشوارع من حولي لكن الموقف مختلف بالنسبة لي فأنا المعني بالأمر.. المهم كان السبب في هذا الزحام المريع سيارة متعطلة علي جانب الشارع الضيق ووصلنا إلي الكورنيش ليعود الزحام من جديد لكن بصورة أقل.. في معظم الدول وحتي دول الجوار.. هناك شوارع مخصصة لسيارات الإسعاف والخدمات ممنوع السير فيها إلا لهذه النوعية من السيارات لذلك ليس هناك مشكلة علي الإطلاق ولكن في مدينة مثل القاهرة لم يكن مخططا أن يصل عدد سكانها إلي هذا الرقم المفزع ولا لعدد سيارات يفوق المليوني سيارة وأعتقد أنه لا حل لهذه المشكلة إلا بتوعية الناس عبر الفضائيات والصحف بأهمية إفساح الطريق أمام سيارات الإسعاف والنجدة لأن في ذلك إنقاذ لحياة مريض لا ذنب له. ثقافة سيارة الإسعاف غائبة عنا بسبب الجهل والأمية وضيق الشوارع. إصلاح القاهرة للأسف الشديد أصبح صعبا مع ضيق الشوارع وكثرة عدد السيارات والحل في المدن الجديدة التي إنشئت قبل سنوات أو تلك التي تبني الآن.. يجب ألا نستهين بتوسعة الشوارع وإنشاء طرق لسيارات الخدمات لأن هناك مدنا للأسف الشديد لا تستوعب شوارعها الرئيسية حجم السيارات ويبدو الزحام فيها معوقا أمام سيارات الإسعاف والنجدة.. لكنني أعيب علي مرور القاهرة أن تكون شوارعها بدون كاميرات وخاصة الرئيسية منها وهذا ليس حلما بعيد المنال فهناك دول عربية حولنا كل شوارعها تحت المراقبة وتغيب عنها الكثافات المرورية في ساعات الذروة.. لو كانت الشوارع في القاهرة تخضع لكاميرات لأمكن سحب السيارة التي عطلت الطريق لعدة ساعات بدون مبرر.. أخشي أن يكون تخطيطنا للمدن الجديدة بعيدا عن القادم والمستقبل وأنه يخدم الحاضر فقط والمتاح الآن وبهذا لا نستثمر الطرق. وأين شرطة المرور من هذه » التكاتك» التي تخرق القانون جهارا وعلي مرأي ومسمع منها.. آليس هناك رادع لهؤلاء السائقين الصغار البلطجية الذين ينتشرون في الشوارع يسيرون في الشوارع عكس الطريق ويتسببون في وقوع حوادث ويثيرون الفوضي.. أحيانا أشعر أنني لا أعيش في بلد له تاريخ وحضارة والمقارنة تكون واضحة ونحن نزور دولا عربية جاءت بعدنا بمئات السنين.. عندما نشاهد أفلام الأبيض والأسود نرثي لحال بلدنا.. كيف وصلنا إلي هذا الوضع المزري.. هل هي الحروب أم الفقر أم الجهل أم ماذا ؟ من المؤكد بالنسبة لي أن الإهمال هو سبب كل البلاء في مصر وأننا ينطبق علينا مقولة » من أعمالهم سلط عليهم » فنحن من أوصلنا بلدنا إلي هذا لأننا لا نقوم بواجبنا في أعمالنا.. الزحام في شوارع مصر مسئولية وزارة الداخلية ويجب ألا تتركها بهذا الشكل وعليها أن تتدخل في كل شيء وأن يكون لها اليد العليا في تأمينها وتيسير السير فيها. قبل 7 سنوات.. كانت قناة النيل تحتفل باستقبال العام الميلادي الجديد وكنت من بين الضيوف وسألتني المذيعة عن أمنياتي في العام الجديد وفوجئت بردي.. قلت لها : » أدعو الله سبحانه وتعالي ألا يصيبني مكروه وأضطر لركوب سيارة إسعاف في زحام القاهرة » وأقسم بالله العظيم أنني كنت صادقا فيما طلبت من الله لأنني قبلها سمعت وشاهدت سائق سيارة الإسعاف في شارع قصر العيني يستجدي السيارات وهو يقول » الحالة اللي معايا بتموت.. أبوس أيديكم ». أقسم بالله العظيم أنني بكيت وتمنيت ألا يواجهني هذا الموقف العصيب مرة أخري.