برلمان 2025.. انتهاء التصويت في ثاني أيام انتخابات مجلس النواب بلجان أكتوبر    انتهاء التصويت في لجان المرحلة الأولى بانتخابات مجلس النواب 2025    وزير قطاع الأعمال العام يشهد توقيع اتفاق تكميلي لعقود تطوير "مجاويش" بالغردقة    تحركات دولية لإدانة الانتهاكات في الفاشر.. آخر تطورات الأوضاع في السودان    «أبومازن» يبحث مع «ماكرون» سبل تعزيز التعاون الثنائي    الصين تحث الاتحاد الأوروبي على توفير بيئة أعمال نزيهة للشركات الصينية    ارتفاع حصيلة ضحايا إعصار «فونج-وونج» بالفلبين ل 25 قتيلًا    رسميًا.. مباريات دور ال32 بكأس العالم للناشئين بالكامل    الجامعات المصرية تشارك في البطولة العالمية العاشرة للجامعات ببرشلونة    أمطار رعدية ورياح عنيفة.. تحذير من تغير حالة الطقس: استعدوا ل«نوة المكنسة العاصفة»    خلال مسابقة لمحات من الهند.. شواطئ مصيف بلطيم تتزين برسمات 800 طالب وطالبة | صور    ضعي حدودًا واضحة ولا تتركيهما معًا لفترة طويلة.. 8 نصائح لحماية زوجك من «خطافة الرجالة»    هؤلاء يشاركون أحمد السقا فى فيلم هيروشيما والتصوير قريبا    رئيس المؤسسة العلاجية يتفقد مستشفى الإصلاح الإسلامي لمتابعة التطوير    إقبال كثيف من الناخبين على لجان الانتخابات بمحافظة الجيزة في نصف اليوم الثاني    مصرع شخص سقط من الطابق ال 17 بعقار في الإسكندرية    إبداعات مصرية تضىء روما    الرئيس السيسي: مصر تؤكد رفضها القاطع للإضرار بمصالحها المائية    انقطاع التيار الكهربائى عن 24 قرية وتوابعها فى 7 مراكز بكفر الشيخ غدا    هذا ما وعد به ممداني كعمدة وهل سيتمكن من تحقيقه؟    مصرع وإصابة شخصين في حادث انقلاب سيارة أثناء متابعة الانتخابات بأسوان    مراسل إكسترا نيوز بالبحيرة: إقبال تاريخى وتسهيلات لوجستية للناخبين    هل يجوز تنفيذ وصية أم بمنع أحد أبنائها من حضور جنازتها؟.. أمين الفتوى يجيب    تحديد موعد إقامة سوبر اليد بين الأهلي وسموحة في الإمارات    الزمالك يشكو زيزو رسميًا للجنة الانضباط بسبب تصرفه في نهائي السوبر    تأجيل لقاء المصرى ودجلة بالدورى ومباراتي الأهلى والزمالك تحت الدراسة    سفير تركيا: فيدان يستقبل وزير خارجية مصر غدًا في أنقرة للتحضير لمجلس التعاون الاستراتيجي    مأساة على الطريق الزراعي.. سيارة تدهس عابر طريق وتودي بحياته في لحظات    هل الحج أم تزويج الأبناء أولًا؟.. أمين الفتوى يجيب    كيف نتغلب على الضيق والهم؟.. أمين الفتوى يجيب    لحاملي بطاقات الصحافة.. المهرجان يتيح الحجز الإلكتروني المبكر لتذاكر عروض القاهرة السينمائي    محافظ الإسكندرية: انتخابات النواب 2025 تسير بانضباط في يومها الثاني    المنظمة الدولية للهجرة تحذر من قرب انهيار عمليات الإغاثة في السودان    الفريق ربيع عن استحداث بدائل لقناة السويس: «غير واقعية ومشروعات محكوم عليها بالفشل قبل أن تبدأ»    ليفربول يبدأ مفاوضات تجديد عقد إبراهيما كوناتي    توافد الناخبين على لجنة الشهيد إيهاب مرسى بحدائق أكتوبر للإدلاء بأصواتهم    حادث مأساوي في البحر الأحمر يودي بحياة نجل المرشح علي نور وابن شقيقته    بعد أزمة صحية حادة.. محمد محمود عبد العزيز يدعم زوجته برسالة مؤثرة    الحكومة المصرية تطلق خطة وطنية للقضاء على الالتهاب الكبدي الفيروسي 2025-2030    «هيستدرجوك لحد ما يعرفوا سرك».. 4 أبراج فضولية بطبعها    عمرو دياب يطعن على حكم تغريمه 200 جنيه فى واقعة صفع الشاب سعد أسامة    تأجيل محاكمة 8 متهمين بخلية مدينة نصر    ضمن مبادرة «صحح مفاهيمك».. ندوة علمية حول "خطورة الرشوة" بجامعة أسيوط التكنولوجية    الكاف يعلن مواعيد أول مباراتين لبيراميدز في دور المجموعات بدوري أبطال أفريقيا    بعد قليل.. مؤتمر صحفى لرئيس الوزراء بمقر الحكومة فى العاصمة الإدارية    مراسل "إكسترا نيوز" ينقل كواليس عملية التصويت في محافظة قنا    طقس الخميس سيء جدًا.. أمطار وانخفاض الحرارة وصفر درجات ببعض المناطق    شباب بتحب مصر تُشارك في مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ COP30    الرئيس السيسي يوجه بمتابعة الحالة الصحية للفنان محمد صبحي    إدارة التعليم بمكة المكرمة تطلق مسابقة القرآن الكريم لعام 1447ه    بعد غياب سنوات طويلة.. توروب يُعيد القوة الفنية للجبهة اليُمنى في الأهلي    التغيرات المناخية أبرز التحديات التى تواجه القطاع الزراعى وتعيد رسم خريطة الزراعة.. ارتفاع الحرارة وتداخل الفصول يؤثر على الإنتاجية.. ومنسوب سطح البحر يهدد بملوحة الدلتا.. والمراكز البحثية خط الدفاع الأول    إقبال على اختبارات مسابقة الأزهر لحفظ القرآن فى كفر الشيخ    وزير الصحة يؤكد على أهمية نقل تكنولوجيا تصنيع هذه الأدوية إلى مصر    محافظ قنا وفريق البنك الدولي يتفقدون الحرف اليدوية وتكتل الفركة بمدينة نقادة    بنسبة استجابة 100%.. الصحة تعلن استقبال 5064 مكالمة خلال أكتوبر عبر الخط الساخن    إيديتا للصناعات الغذائية تعلن نتائج الفترة المالية المنتهية فى 30 سبتمبر 2025    مجلس الشيوخ الأمريكي يقر تشريعًا لإنهاء أطول إغلاق حكومي في تاريخ البلاد (تفاصيل)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هنا القاهرة بلد الزحام
نشر في اليوم السابع يوم 05 - 11 - 2012

عجبا لتلك المدينة التى تغنى لها جميع الشعراء، وتسكعوا فيها، عجبا لها ولحالها الذى تبدل كثيرا، القاهرة التى كان يتسكع فيها أمل دنقل، وكتب كثيرا عنها، وقال عنها أحمد عبد المعطى حجازى إنها مدينة بلا قلب، وسهر على مقاهيها المبدعون، وأبدع سيد مكاوى وصلاح جاهين رائعتهم "الليلة الكبيرة"، والتى كانت ملحمة حقيقية سجلاها بعد زيارتهم لمولد السيدة زينب.. وتغنى فيها عبد المطلب لحبيبته "ساكن فى حى السيدة وحبيبى ساكن فى الحسين". وتغزل فيها عمنا نجيب محفوظ فى روائعه التى تخلب العقل، إنها القاهرة العاهرة الساحرة، كما وصفها عمنا سيد حجاب، القاهره الآن كما نراها عام 2011 قاهرة أخرى جميلة بعض الشىء، ولكن الزحام يكاد يخنقها، ويشوه هذا الجمال الحقيقى فيها، فالنتخيل يوما فى حياة مواطن قاهرى عام 2011 وماذا سيحدث له.
يصحو حسين وهو موظف فى مجمع المحاكم بالتحرير، وبداخله ازدحام بالأفكار والتساؤلات، هل سيأتى الأتوبيس فى موعده، أم سيتاخر كثيرا كعادته اليومية، يغسل وجهه، بينما تقوم زوجته بإعداد الإفطار له ولابنهم.
وبعد الانتهاء من إفطارهم جميعا، ويتوجه الأب إلى العمل، بينما تمسك الأم يد ابنها ذاهبة به إلى مدرسته لتوصله ككل يوم الأب مازال منتظرا الأتوبيس ناظرا فى ساعته خائفا من التأخير عن العمل، وتوبيخ مديره له.
ككل يوم ويتمتم بينه وبين نفسه "طب انا ذنبى ايه بس ياربى اعمل ايه ف الزحام الفظيع دا"، بينما الأم تركب الميكروباص لتوصل ابنها إلى مدرسته، هاهو الأتوبيس ياتى قادما من بعيد والكل يتسابق نحو صعوده، لأن معظمهم موظفون أيضا، يجرى الأب ع الأتوبيس، بينما امرأة عجوز تحاول الصعود، لكنها تفشل ولا يمد لها أحد يد العون، يمشى الأتوبيس ببطء شديد، وكل راكب ينظر فى ساعته، بينما الكمسارى ينادى فيهم (لو سمحتم يا جماعه وسعو
شويه ورا الاتوبيس فاضى قدام)، بينما الأتوبيس يكاد ينفجر من الزحام زحام بالخارج والداخل، أيضا الطريق متوقف، والكل يتصبب عرقا، وفى الخط المقابل، وبجوار الأتوبيس يركب أحد الشباب حديثو التخرج مرتديا بدلته الحديثة تاكسى، حيث إنه متوجه إلى إحدى الشركات لمقابلة المسئولين فيها لعمل (إنتر فيو) للالتحاق بالشركة، وكل لحظات ينظر إلى الساعه الخاصة به قائلا: "مش معقول الطريق واقف بشكل غير عادى، أنا مش عارف أعمل ايه بجد ميعادى هيروح عليا كده شد حيلك والنبى يا اسطى شويه".
الأسطى.. مش ذنبى يا أستاذ والله الطريق واقفة بشكل فظيع، إنت أهو شايف الأتوبيسات مليانه اد ايه والناس واقفة اد ايه، واللى رايح شغله، واللى رايح مدرسته وجامعته إحنا أكتر من 17 مليون كل يوم فى القاهرة.
الكمسارى مازال ينادى فى الركاب كأنه بغبغان "يا جماعة لو سمحتو وسعو لقدام الأتوبيس فاضى خلو غيركم يركب"، والركاب فى ضيق يمتثلون لأوامره، والطريق مازال مزدحما بشكل غير عادى، والكل ينظر فى ساعته تزاحمه أفكار كثيرة.
الشاب مازال يرجو من السائق بخوف وقلق أن يزيد من سرعته، حتى يلحق ميعاد الاختبار الخاص به، إنها أمنية حياته التى كان ينتظرها منذ تخرجة تلك الوظيفة.
وفى الطريق المزدحم يقف الأتوبيس والتاكسى، وكل السيارات بجوارهم تمر دقائق بدون حركة، تمر ربع ساعة، فنصف ساعة، إلى أن يعرف الركاب أن هناك حادثة على الطريق اصطدام سيارتين ببعض يقوم أحد الأشخاص الذين شاهدوا الحادث بالاتصال بالأسعاف، فتأتى الإسعاف مطلقة صفارة الأنظار الشهيرة، لتقوم السيارات بالتوسيع لها، ولكن دون جدوى الطريق مزدحم بشكل خانق، والمصاب يحتضر منتظرا قدوم الإسعاف، بينما يقوم أحد الأشخاص كل ثانية بالاتصال بسائقها لاستعجاله لإنقاذ المصاب "بسرعة أرجوك المصاب بجد بيموت إحنا مش عارفين نعمل ايه مش عارفين نتصرف ازاى ارجوك سرع شوية".
فيجيبه سائق الإسعاف "والله أنا ماشى سريع وبحاول أتفادى العربيات بشكل جنونى، بس اعمل ايه ف الزحام المرعب، دا انا بجد مش عارف اعمل ايه اكتر من حاله مصابه للأسف بسبب الزحام مش بنقدر ننقذها"
تحاول الإسعاف اختراق صفوف السيارات الكثيرة، ولكن الزحام يعقوق أية محاولة اختراق يقوم بها.
"سماح" رسامة كاركتير تذهب يوميا إلى الجريدة التى تعمل بها فى وسط البلد، تقطن ف الهرم تستقل ميكروباصا للذهاب إلى الجريدة، يعوقها أيضا الزحام تنظر فى ساعتها أيضا ككل المتأخرين عن مواعيدهم بسبب الزحام.
تدور فى رأسها أكثر من فكرة كاركتير عن الزحام ومعوقاته، فتخرج قلما رصاصا وبضع أوراق بيضاء، وترسم بعض الرسومات الكاركاترية التى طرأت فى رأسها فى تلك اللحظة العصيبة، ومنها تضيع وقتها بدلا من الإحساس بالملل، وأيضا تمارس هوايتها فى الرسم الكاريكاترى ترسم بقلمها أكثر من رسمة معبرة عن الزحام الرهيب فى القاهرة.
"أستاذ محسن" مدير عام فى إحدى الشركات يركب عربة اثنين كابينة حديثة، بجوار السائق ذاهبا إلى عمله، ويعانى من نفس المعاناة التى يعانيها غيره، وينظر أيضا فى ساعته، نظرا لأن اليوم وكيل الوزارة سيزور موقع العمل، ويجب أن يكون قبله فى الموقع لتظبيط بعض الأمور ويصيبه القلق والخوف من التأخير بسبب الزحام الرهيب.
يصل الأب إلى عمله فى مجمع التحرير بعد طول عناء، ولكنه يصل متأخرا، ويسمع نفس كلمات التوبيخ من رئيسه فى العمل.
ويصل الشاب إلى الشركة لعمل "الإنتر فيو"، فيجدهم فى الشركة تخطوه، حيث انتظروه أكثر من ساعتين لعمل الاختبار، ولم يأت فتصيبه خيبة أمل وانكسار، ويلعن تلك الزحمة التى أضاعت حقه فى الاختبار وألغت آدميته بشكل كبير.
سيارة الإسعاف تواصل السير لتنقذ المريض، وبعد ساعتين أو أكثر تصل، فتجد أن بعض الأشخاص أخدوا المصاب إلى أحد المستشفيات، ولكنهم حملوه خطأ، فزودوا نزيف جرحه ومات فى طريقه إلى المستشفى.. فيصاب سائق الإسعاف بخيبة أمل كبيرة، قائلا "لعنة الله ع الزحام اللى بيخلى الواحد مكتوف اليد ومش عارف ينقذ حد بشكل كويس"
أمل سماح رسامة الكاركتير استطاعت أن ترسم معاناتها داخل الميكروباص، ووسط الزحام ببعض الرسومات الكاركاتيرية الجميله، وما إن تصل إلى الجريدة، تذهب مباشرة إلى زملائها، قائلة لهم "شفتوا المعاناة اللى عانتها النهارده من الزحام مش ممكن شىء صعب جدا الرسومات دى هى اللى هتشرح المعاناة الكبيرة اللى عانتها".
أما الأم فتصل إلى مدرسة ابنها متأخرة أيضا، فتجد أن الجرس ضرب والتلاميذ دخلوا فصولهم، فتذهب لناظرة المدرسة متأسفة لها عن التاخير فتقول لها الناظرة "معلش أنا مقدره تاخيرك دا انا نفسى بعانى كل يوم بسبب الزحمه الكبيره ف البلد".
أما محسن فيصل إلى موقع العمل متأخرا، فيسمع كلمات توبيخ من وكيل الوزارة له عن تأخيره قائلا له "المفروض تكون أول واحد ف الموقع هنا الشغل مينفعش يمشى من غير مسئول يكون على رأس العمال".
تمر ساعات على الأب فى العمل، ويواجه نفس المصير فى العودة إلى البيت، ولكن الفارق هنا أنه ليس هناك أحد سيحاسبه على عودته متأخرا، ويركب نفس الأتوبيس وكأنه فى ساقية لا تنتهى.
وسماح تواصل عملها إلى آخر النهار مستغرقة فى رسم الكاركتير والشاب يعود فى نفس اللحظة التى وجد فيها أن فرصته فى الاختبار ضاعت، وأستاذ محسن يواصل إطلاق لعناته على العاملين معه فى الموقع، وتكديرهم، وسائق الإسعاف يواصل عمله لإنقاذ مريض آخر، متمنيا أن يلحقه تلك المرة قبل أن يموت أو تحدث له مضاعفات كبيرة.
الأب والأم والابن يقررون بعد العودة إلى البيت، وتناول الغذاء والنوم بضع ساعات قليلة، أن يخرجوا إلى الكورنيش للتنزه بعد عناء اليوم الرهيب، فيركبون ميكروباصا تلك المرة، حيث إنها فسحو وليس عمل، لكنهم يمرون بنفس الزحام، إذ إنهم يجدون من أنفسهم نسخاً كثيرة مكررة عانت مثلهم فى الصباح، بسبب الزحام، وتريد الخروج لتشم الهواء، فتستقبل السيارات بشتى أنواعها، مسبيين زحاما كبيرا أيضا وكأنه دائرة، لا تنتهى من المعاناة يصل الأب والأم والابن إلى الكورنيش بعد أكثر من ساعتين مواصلات، واجهوا فيها ضغطا كبيرا رغم أنهم خرجوا أصلا للترويح عن أنفسهم، ولكنه الزحام المسبب لمعظم أمراض الضغط والعصبية.. وبعد بضع ساعات يقضونها على الكورنيش، يعودون إلى بيتهم مستقلين ميكروباصا ليواجهوا نفس المعاناة، حيث إن الآخرين أيضا عائدون فى نفس التوقيت، وكأنهم أخذوا إشارة الرحيل بصفارة واحدة، مواجهات ومواقف يراوها فى الطريق، وبعد بضع ساعات يصلون إلى البيت منهكى القوى.
بعد يوم عصيب ضاع أكثر من نصفه فى المواصلات والزحام، فيضعون رأسهم على المخدة ليناموا، بينما هم مستغرقون فى النوم يقوم المنبه بالتنبيه، إنها السادسة صباحا هيا إلى العمل لمواصلة معاناة كل يوم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.