تعيش تونس علي وقع أزمة اقتصادية استحكمت حلقاتها إلي درجة باتت تهدد بتسريح الاف الموظفين واتباع اجراءات تقشف مؤلمة قد يصعب علي الشعب التونسي تحملها. ظهر ذلك واضحا في تصريحات رئيس الوزراء يوسف الشاهد الأخيرة أمام البرلمان التي حذر فيها من أن بلاده ستكون "مجبرة علي اتباع سياسة تقشف" في حال استمر تدهور الوضع الاقتصادي. وأضاف أن بلاده قد تضطر لتسريح آلاف الموظفين بالقطاع العام وزيادة الضرائب. قال رئيس الوزراء التونسي "إذا لم نفعل شيئا، سيكون وضعنا في 2017، اصعب بكثير وستكون الدولة مجبرة علي تقليص مصاريفها". وأكد أن "الحكومة ستكون مجبرة علي رفع الضرائب علي المواطنين والشركات، ووقف الانفاق علي البنية التحتية، هذا هو التقشف الذي سنذهب اليه اذا لم نفعل أي شيء لتدارك الأوضاع في 2016". وأشار إلي أن "معدل النمو سيبلغ 1، 5 % في أحسن الحالات في 2016 بعدما كان متوقعا تحقيق نمو نسبته 2، 5% ". وتابع أن عجز ميزانية الدولة في السنة الحالية سيبلغ 6، 5 مليار دينار (2، 6 مليار يورو تقريباً) بعدما توقعت الحكومة مطلع العام ألا يتعدي العجز 3، 6 مليار دينار. الملف الأمني ويضاعف الملف الامني من حدة المتاعب الاقتصادية التي تتعرض لها البلاد، فهناك الكثير من الثغرات التي تملأ هذا الملف فلم تهنأ الحكومة التونسية الجديدة بتوليها إدارة شئون البلاد، حتي بدأت تنفجر الأزمات الواحدة تلو الأخري.. وسيظل ملف الارهاب يؤرق هذه الحكومة كمثيلاتها من الحكومات العربية نظراً لتعقيدات هذا الملف وتشابك عناصره علي جميع الأصعدة المحلية والإقليمية والدولية فالوضع الامني المتردي في ليبيا يلقي بظلاله علي الوضع التونسي لذلك تُقر حكومة الشاهد بأن ملف الإرهاب يُشكل تحدياً جدياً نظرا لتأثيره علي باقي القطاعات وخاصة الاقتصادية، ومن ثم فهي تعتزم بلورة إستراتيجية أمنية واضحة ومتكاملة العناصر، للتصدي للارهاب. غير أن هذا الملف الذي عاد يطغي من جديد علي المشهد السياسي، لم يكن الوحيد الذي يتعين علي حكومة الشاهد مواجهته، حيث تفجر أمامها الملف الاجتماعي المرتبط بحالة الاحتقان الشديد الذي تشهده عدة مناطق في تونس. حلول واجبة وحتي لا يتعقد الوضع وتتفاقم الأزمة الاقتصادية اسرعت حكومة الشاهد في وضع العديد من الحلول وفي بادرة أمل، ينتظرها الشعب التونسي، صادق البرلمان علي مشروع قانون جديد للاستثمار يهدف إلي تعزيز مناخ الأعمال في تونس لدفع عجلة الاقتصاد ومواجهة التباطؤ المستمر في النمو بعد 5 سنوات من الانتفاضة الشعبية. وكانت الموافقة علي هذا القانون الذي طال انتظاره، بحضور 134 نائبا من أصل 217. وحظي مشروع القانون بتأييد 114 نائباً، ومعارضة 4 نواب وتحفظ 16. وينص القانون الجديد، الذي يدخل حيز التنفيذ في الأول من يناير المقبل، علي تشكيل مجلس أعلي للاستثمار، بهدف إزالة الحواجز البيروقراطية والسماح بمرونة أكبر في قطاع الأعمال. ومن جانبه، أكد وزير التنمية والاستثمار والتعاون الدولي التونسي، فاضل عبد الكافي "رغم أني لست راضيا تماما عن هذا القانون، إلا أنه خطوة إيجابية". وأضاف عبد الكافي أن "الاستثمار يجب أن يضمن أيضاً وظائف لائقة، وأجورا لائقة، وتغطية اجتماعية لائقة". في إشارة إلي الصعوبات المالية التي تعاني منها الحكومة التونسية، والتي قد تضطرها إلي الاقتراض الخارجي من أجل سداد أجور الموظفين. وهو ما أكده الوزير قائلاً: "ما يتم تداوله بأن الاقتراض الخارجي سيكون حلا لسداد الأجور هو صحيح". وأوضح الوزير "أن الموازنة العامة للدولة ارتفعت من نحو 18 مليار دينار عام 2010 إلي قرابة 30 مليار دينار، وتداعيات ذلك هو تضاعف مديونية الدولة من 25 مليار دينار إلي نحو 55 مليار دينار". لافتاً إلي أن هذا القانون "خطوة أولي للترويج لموقع استثماري لتونس في البحر الأبيض المتوسط". معتبراً أن "الخروج بالبلاد من المشكلة الاقتصادية يتطلب تشجيع الاستثمار الخاص والأجنبي اللذين هربا من البلاد لأسباب أمنية وسياسية معروفة". وتأتي المصادقة علي مشروع قانون الاستثمار فيما تعتزم تونس استضافة أكثر من 1000 شركة في 29 و30 نوفمبر المقبل، في مؤتمر دولي كبير، بمشاركة فرنسية قطرية، بهدف دفع اقتصاد البلد. وأعلنت الجهات المنظمة الخميس أن المؤتمر سيكون فرصة للتعبير عن "ارادة الدولة في القيام بإصلاحات هيكلية" و"تشجيع نمو الاستثمار الخاص" من خلال تحديد القطاعات الواعدة. حكومة شابة وما كان يمكن ان يقوم بكل هذه الاجراءات والقرارات السريعة الا حكومة شابة، فكان لابد من الاطاحة بحكومة الحبيب الصيد بجلسة عقدت بالبرلمان، لسحب الثقة إثر انتقادات واسعة، تتهمها بعدم الفاعلية في إنعاش الاقتصاد ومكافحة الفساد. وعلي الرغم من المعاناة التي عاشتها تونس بسبب التغييرات الوزارية المتلاحقة، إلا أن التغيير هذه المرة اختلف عن سابقيه، لأن يوسف الشاهد، رئيس الوزراء الجديد المولود في 18 سبتمبر 1975، هو أصغر سياسي يتولي رئاسة الحكومة في تونس منذ استقلالها عن فرنسا سنة 1956. وهو حاصل علي شهادات عليا في العلوم الفلاحيّة واقتصاد البيئة والموارد الطبيعية، كما انه قيادي في حزب "نداء تونس" الذي أسسه الرئيس االباجي قائد السبسي. وعلي الرغم من أن سهام النقد قد طالت الشاهد من عدد من الساسة والمدونين لأنه كان وزير الشؤون المحلية في حكومة الحبيب الصيد، ولم يفعل شيئا وهو ما يراه البعض ليس إلا "توزيعا جديدا لاوراق محروقة"، ومع ذلك فقد راعي الشاهد أثناء تشكيل حكومته الحفاظ علي "تغيير المرحلة العمرية للحكومة" لتكون شابة، فالوزارة الجديدة تتكون من 26 وزيرا بينهم 5 وزراء دون سن ال35، ومنهم 6 نساء، و14 وزير دولة منهم امرأتان.