رحل زويل.. وبقي حلمه بإقامة مدينة »زويل للعلوم والتكنولوجيا».. الرئيس عبدالفتاح السيسي، وعد بتحقيق الحلم، وكلف القوات المسلحة بالتنفيذ، ودعا كل المصريين للتبرع لاستكمال المدينة الحلم. القائد والشعب عرفا قدر زويل، في حياته ومماته، وفور إعلان نبأ الوفاة، أصدرت رئاسة الجمهورية بيانًا نعت فيه الفقيد قائلة: »فقدت مصر ابناً باراً وعالماً نابغاً بذل جهودًا دؤوبة لرفع اسمها عالياً في مختلف المحافل العلمية الدولية، وتوَّجها بحصوله علي جائزة نوبل في الكيمياء عام 1999 تقديراً لأبحاثه في مجال علوم الليزر واكتشاف الفيمتو ثانية». أضاف البيان: »كان الفقيد حريصاً علي نقل ثمرة علمه وأبحاثه التي أثرت مجاليّ الكيمياء والفيزياء إلي أبناء مصر الذين يتخذون من الفقيد الراحل قدوة علميةً عظيمة وقيمة إنسانية راقية؛ فحرصت مصر علي تكريمه بمنحه وسام الاستحقاق من الطبقة الأولي ثم قلادة النيل العظمي التي تُعد أرفع وسام مصري». وتابع: »سيظل رمزاً للعالِم الذي كرَّس حياته بشرفٍ وأمانة وإخلاص للبحث العلمي، وخيرَ معلمٍ لأجيال من علماء المستقبل الذين سيستكملون مسيرة عطائه من أجل توفير واقع أفضل للإنسانية». واختُتم البيان: »رحم الله الفقيد وأسكنه فسيح جناته، وألهم أسرته وذويه وجميع تلاميذه ومحبيه في مصر والعالم الصبر والسلوان». وتقدم الرئيس عبدالفتاح السيسي، مُشيعي الجنازة العسكرية للدكتور أحمد زويل، التي شارك فيها، المهندس شريف إسماعيل، رئيس مجلس الوزراء، وفضيلة الإمام الأكبر، الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، والفريق أول صدقي صبحي، القائد العام للقوات المسلحة، وزير الدفاع والإنتاج الحربي، والرئيس السابق، المستشار عدلي منصور، والدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار علماء المسلمين، مفتي الجمهورية السابق، وعدد من كبار رجال الدولة فضلًا عن أسرة العالم الراحل. وسُجِّي جثمان الفقيد ملفوفًا بعلم مصر فوق عربة تجرها الخيول يتقدمها عسكريون بأطواق من زهور، وعرض للموسيقي العسكرية، حيث بدأت مراسم تشييع الجثمان بمسجد المشير طنطاوي في التجمع الخامس بأداء صلاة الجنازة، وأمّ الصلاة الدكتور علي جمعة، ووري جثمان العالم الكبير، الثري في مقابر الأسرة بمدينة 6 أكتوبر. كما دعا الرئيس السيسي المشاركين في احتفالات العيد الأول لقناة السويس الجديدة، للوقوف دقيقة حدادًا علي روح العالم الجليل، قبل أن يدعو المصريين للتبرع لبناء مدينة »زويل للعلوم والتكنولوجيا»، قائلًا: »مشروع جامعة زويل صرح كبير لصالح العلم والمعرفة والتكنولوجيا، والمشروع يتكلف 4 مليارات جنيه، وما قام الدكتور أحمد زويل بجمعه 300 مليون جنيه خلال الفترة الماضية، وتكلفة المرحلة الأولي تساوي 1.9 مليار جنيه، ومن المفترض أن تنتهي في أكتوبر، وأنا بطلب من المصريين إكمال هذا المشروع من خلال التبرع لصندوق تحيا مصر، وأن يكون فيه تبرع باسم جامعة زويل حتي ينتهي هذا المشروع»، مُتابعًا: »أرجو أن نقدِّر علماءنا، وأن يتم استكمال المشروع وألا يتوقف، طبقًا للمدي الزمني المخطط له، والقوات المسلحة ستتولي المسئولية لإنهاء مشروع جامعة زويل»، ووجه حديثه للقوات المسلحة، قائلًا: »أنتم المسئولون عن استكمال بناء مدينة زويل سواء تبرع الناس أو لم يتبرعوا». »ادفنوني في مصر، واهتموا بمشروعي». لم تكُن الوصية التي تركها الراحل الدكتور أحمد زويل إلا تجسيدًا للحلم الذي لازمه طيلة حياته، بأن يدفع بمصر إلي مصاف الدول المتقدمة علميًا. عبر مشروع مصر القومي للنهضة العلمية المُجسّد في مدينة زويل للعلوم والتكنولوجيا، التي تهدف استراتيجيتها إلي إحداث نهضة في مجالي التعليم والبحث العملي، من خلال إعداد أجيال جديدة من العلماء والباحثين. ورغم التحديات التي يواجهها المشروع بعد رحيل مؤسسه، إلا أن أهميته الفائقة دفعت الرئيس عبدالفتاح السيسي إلي تكليف الهيئة الهندسية للقوات المُسلّحة، بإتمام أعمال بناء وتشييد الموقع الجديد للمدينة. داعيًا المصريين إلي المساهمة في ذلك عبر صندوق »تحيا مصر». إصرار أبناء المدينة من الطلاب والعلماء والباحثين علي استكمال المسيرة التي بدأها الراحل، يعكس أيضًا تمسكهم بالحلم الذي غرسه بداخلهم. حيث خاض الدكتور زويل العديد من المعارك ليظهر الحلم إلي النور، منذ وُضع حجر الأساس للمشروع عام 2000 قبل أن تعرقله العديد من المعوقات ليعيد إطلاقه عام 2011. لا يقتصر تفرّد مدينة زويل للعلوم والتكنولوجيا علي المكانة العلمية التي يحظي بها مؤسسها، ولكن يتمثل ذلك في نجاح الراحل في جذب علماء من أكبر الجامعات والمؤسسات البحثية العالمية. كما يضم المجلس الاستشاري للمدينة مجموعة من الشخصيات العامة والعلماء، من بينهم خمسة من الحاصلين علي جائزة نوبل في مجالات الفيزياء والكيمياء والطب، علي رأسهم ريتشارد إرنست وجونتر بلوبل. وتضم المدينة مجالات بحثية عديدة، حيث تتنوع تخصصاتها ما بين فروع الهندسة البيئية وعلوم الفضاء، وهندسة تكنولوجيا النانو والطاقة المتجددة، فضلاً عن مجالات العلوم التي تشمل الطب الحيوي، وعلوم المواد وفيزياء الأرض والكون. لا يجد محمود عبدالحي رئيس اتحاد طلاب مدينة زويل ما يكفي من الكلمات، ليعبر عن حالة الحزن التي خيّمت علي الطلاب برحيل الدكتور أحمد زويل، مؤكدًا تمسك الطلاب بإكمال الحلم الذي بدأه الراحل، والذي أوصي قبل رحيله بإتمامه والاهتمام به. مُتابعًا: المحاضرات وجميع الفاعليات بالمدينة تسير بشكلٍ طبيعي كما لو كان الدكتور زويل بيننا، فالأمل الذي كان يغرسه بنا طوال الوقت لن ينقطع. ومنذ أول يومٍ لي في الجامعة أدركتُ أنني أمام مُحارب يبذل كل ما يُمكن في سبيل إقامة هذا الكيان العلمي، فالدكتور زويل كان يؤمن بأن العلم والبحث العلمي هو الأمل الوحيد في تقدم البلاد ونهضتها. لذا أتاح الفرصة كاملة للطلاب المتفوقين للدراسة في المدينة. ويضيف: الدكتور زويل كان يتمني أن يري أولي ثمار المدينة، بتخرج أولي دفعاتها من قسم العلوم خلال العام القادم. ويصف الدكتور طارق إبراهيم مدير برنامج فيزياء الأرض والكون بمدينة زويل، رحيل العالم الكبير بالخسارة التي لن تُعوّض. لكن جميع أعضاء هيئة التدريس والفريق العلمي للمدينة، علي أتم استعداد لتحمّل المسؤولية والعمل في الصرح الذي شيّده الراحل ليصبح قاطرة المستقبل في البحث العلمي كما يؤكد. مُتابعًا: هذا العمل هو أمانة عُلقت في أعناقنا وهي مهمة وطنية في المقام الأول. عندما حصل الدكتور زويل علي جائزة نوبل، كنت آنذاك أعمل بجامعة »نورث إيسترن» بالولايات المتحدةالأمريكية، شعرت بسعادة وفخر كبير وتمنيت لو أنني أعرفه عن قرب، وهو ماتحقق بانضمامي إلي الجامعة، غير أن النظام التعليمي الذي تقوم عليه المدينة أبهرني. هذا الصرح يُضاهي أكبر جامعات العالم، بالإمكانيات التي يتيحها، من أقسام ومعامل بحثية مجهزة علي أعلي مستوي، حيث تستهدف تخريج 500 عالم وباحث سنوياً. الدكتور زويل كان يعمل علي استقطاب الأساتذة من جميع أنحاء العالم، وجدت أسماء كبيرة تركت مناصبها بجامعات كبري في العالم منها جامعات كيمبردج وأكسفورد. ورغم ذلك كان متفحصًا ودقيقًا بشكل كبير فيما يخص اختياراته للفريق العلمي وأعضاء هيئة التدريس. وكانت معاييره صارمة بشأن كل تفصيلة في المدينة، وحتي آخر أيامه علي فراش المرض كان يتابع التقارير الخاصة بمستوي المدينة وتقييم العملية التعليمية. مرافقة الدكتور إبراهيم الشربيني رئيس قسم المواد ومدير برامج علوم النانو بمدينة زويل للراحل في آخر سنواته، أتاحت له التعرف عن قرب علي شخصيته: كان يتعامل بتواضع شديد مع فريقه البحثي وأعضاء هيئة التدريس، في كل مرة يؤكد لنا أننا كيان واحد، وكان لديه إصرار كبير علي تخطي كل العقبات التي تواجه مشروع المدينة، وكان يتعامل مع هذه الأزمات ويحتويها بذكاء وحكمة شديدين. عندما طلب مني الراحل الانضمام للمدينة تركت وظيفتي بكلية الصيدلة بجامعة تكساس في أمريكا، لإيماني بأهمية أن يكون لدينا نواة لاحتضان العلماء المصريين المهاجرين إلي الخارج. ورغم أن الدكتور زويل كان مُقدرًا لجميع العلوم، إلا أنني وجدت لديه اهتمامًا خاصًا بعلوم وتكنولوجيات النانو وعلوم المواد، لإدراكه لقدرتها علي إحداث طفرة بالعديد من التطبيقات.