انطلاق المبادرة الرئاسية تمكين لدعم الطلاب ذوي الإعاقة بالمنيا    مدير «تعليم المنيا»: المعلمين الركيزة الأساسية في بناء الأجيال وصناعة مستقبل الوطن    وزيرة التضامن تشهد الاحتفال باليوبيل الماسي للهيئة القبطية الإنجيلية    تعرف على مواقيت الصلاة الثلاثاء 28 أكتوبر 2025 في مطروح    كام سعر الذهب النهارده فى مصر.. تفاصيل    توقيع اتفاقية مصرية - إيطالية لإنتاج الغاز الحيوي ودعم الطاقة النظيفة    كل ما تريد معرفته عن التوقيت الشتوي في مصر 2025.. الموعد وطريقة الضبط الدقيقة    الأهالي يودعون صغيرهم سليم بعد سقوطه في بالوعة للصرف الصحي    إزاى تقدم على معاش تكافل وكرامة ؟.. خطوات الاشتراك والمستندات المطلوبة    البرهان ل"القاهرة الإخبارية": الجيش السودانى والمقاومة الشعبية قادران على تحقيق النصر    ألفاريز يقود هجوم أتلتيكو مدريد أمام بيتيس في الدوري الإسباني    حقيقة فيديو متداول ل«ترحيل السوريين من ألمانيا»    عبد المنعم سعيد: حماس دمّرت اتفاق أوسلو.. ومصر تبذل جهودًا كبرى لتوحيد الصف الفلسطيني    وادي دجلة يفوز على الاتحاد السكندري في الدوري    هدف عكسي.. أهلي جدة يتقدم على الباطن في الشوط الأول    الأمن يضبط المتهم بسرقة 20 جوز حمام وأدوات كهربائية من منزل بالمحلة    رمضان 2026| انضمام كارولين عزمي ل«رأس الأفعى» مع أمير كرارة    مريم سوليكا تكشف قصة اختيارها كأول شابة مصرية ضمن قادة الأمم المتحدة للشباب    انطلاق مبادرة «عيون أطفالنا مستقبلنا» في المنيا لفحص إبصار طلاب المرحلة الابتدائية    سماء إبراهيم تنضم لأبطال «فخر الدلتا» في رمضان 2026    ابن فريدة سيف النصر يكشف ل اليوم السابع سبب غياب والدته عن جنازة وعزاء شقيقها    خروج جثمان طفل شبرا الخيمة من مستشفى ناصر التخصصى بعد تصريح النيابة بالدفن    لدغتها تصيب بالحمى والقرحة.. مخاطر «ذبابة الرمل السوداء» بعد وفاة طفل في الأردن    نواب الأمة    بعد إعلان عرضه.. تفاصيل مشاركة مهرة مدحت بمسلسل كارثة طبيعة بطولة محمد سلام    الأديب الدبلوماسى أحمد فريد المرسى: أعمالى نوافذ على عوالم مغايرة    المخرج سعد هنداوى يطالب بتكريم عادل إمام ببناء دار عرض تحمل اسمه    هل يضاعف حساب الذنوب حال ارتكاب معاصي بعد العمرة أو الحج؟.. فيديو    استمرار محادثات السلام بين باكستان وأفغانستان لليوم الثالث في ظل توترات حدودية    ضبط 2800 لتر من زيوت السيارات مجهولة المصدر بالخانكة    في ملتقى عالمي بالرياض د.خالد عبد الغفار: العائد الاستثماري في الصحة يحقق أربعة أضعاف    «زي المطاعم».. كباب اللحم بتتبيلة الزبادي والبهارات    هل على العقارات المؤجَّرة زكاة؟.. أمينة الفتوى بدار الإفتاء توضح    الأهلي يختتم استعداداته لمواجهة بتروجيت وسط تركيز عالٍ وتظلم رسمي ضد الكاف    ملك الأردن: لن نرسل قوات إلى غزة ومستعدون لدعم الشرطة الفلسطينية    شيخ الأزهر للرئيس الإيطالي: ننتظر إعلان روما الاعتراف بدولة فلسطين (صور)    رئيس المركزي للمحاسبات يفتتح أعمال المجلس التنفيذي ال79 للإنتوساي بشرم الشيخ    محمد صلاح ضمن قائمة المرشحين لأفضل 11 لاعباً فى العالم من فيفبرو    حكم طلاق المكره والسكران في الإسلام.. الشيخ خالد الجندي يحسم الجدل ويوضح رأي الفقهاء    تأجيل محاكمة 89 متهما بقضية "خلية داعش مدينة نصر" لجلسة 11 يناير المقبل    بث مباشر.. الفتح في ضيافة الرياض الليلة الساعة 5.35 في دوري روشن السعودي 2025    اعرف وقت الأذان.. مواقيت الصلاة اليوم الإثنين 27 أكتوبر 2025 فى المنيا    مشهد صادم على الطريق.. سائق ميكروباص يدخن "شيشة" وهو يقود في الإسكندرية    مصر تواصل إرسال مساعداتها إلى غزة.. وصول شاحنات وقود وغاز (فيديو)    رسمياً.. يوفنتوس يقيل تودور بعد أسوأ سلسلة نتائج منذ 2009    لجنة فلسطين بالبرلمان العربي تعتمد مجموعة من التوصيات لدعم القضية    رئيس الوزراء يتابع مع محافظ بورسعيد عددًا من المشروعات الاستثمارية الجاري تنفيذها في المحافظة    مفتي الجمهورية: الجماعات المتطرفة توظف العاطفة الدينية للشباب لأغراضها الخاصة    أول صورة لضحية حادث تصادم سيارتين ملاكي وتريلا في قنا    المشاط: الإحصاءات تُمثل ركيزة أساسية في صنع القرار ودعم مسيرة التنمية    شيخ الأزهر في القمة العالمية للسلام بروما: لا سلام بالشرق الأوسط دون إقامة الدولة الفلسطينية    هل ستتعرض القاهرة الكبري لأمطار خلال الساعات المقبلة ؟ الأرصاد تجيب    «الرقابة الصحية» تعقد الاجتماع الأول لإعداد معايير اعتماد مكاتب الصحة والحجر الصحي    أسعار اللحوم اليوم الاثنين في شمال سيناء    مدير معهد الآثار الألماني: نتطلع بفرح غامر إلى الافتتاح الرسمي للمتحف المصري الكبير    سيراميكا كليوباترا: نسعى للاستمرار على قمة الدوري.. وهدفنا المشاركة القارية الموسم القادم    «الداخلية» تكشف ملابسات فيديو الاعتداء على كلب في الدقهلية    غزل المحلة: الأهلى تواصل معنا لضم ثلاثى الفريق الأول.. ولكن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مبارك ربيع‮: ‬ الرعية اليوم هي المسئولة عن الراعي‮!‬

ولد مبارك أحمد ربيع،‮ ‬بمدينة الدار البيضاء،‮ ‬درس الفلسفة وعلم النفس والاجتماع،‮ ‬ثم انضم عام‮ ‬1958‮ ‬إلي مدرسة المعلمين وانتقل عام‮ ‬1963‮ ‬إلي جامعة محمد الخامس في الرباط،‮ ‬وفي عام‮ ‬1988‮ ‬حصل علي درجة الدكتوراه،‮ ‬درّس في مدارس ثانوية ثم عمل أستاذاّ‮ ‬بالجامعة في قسم علم النفس بكلية الآداب‮. ‬
أما أدبيا؛ فقد انضم إلي اتحاد كتاب المغرب عام‮ ‬1961،‮ ‬حيث‮ ‬يملك إنتاجا‮ ‬غزيرا ومتنوعا ما بين القصة القصيرة والرواية والمقال،‮ ‬ومن أبرز أعماله‮: "‬سيدنا قدر‮" ‬عام‮ ‬1969،‮ "‬الطيبون‮" ‬1972،‮ "‬رفقة السلاح والقمر‮" ‬1976،‮ "‬رحلة الحب والحصاد‮" ‬1983،‮ ‬ثلاثية‮ "‬درب السلطان‮" ‬التي صدرت عامي‮ ‬1999‮ ‬و2000،‮ "‬طوق اليمام‮" ‬2008،‮ "‬أهل البياض‮" ‬2011،‮ "‬حب فبراير‮" ‬2014،‮ ‬وصدر له مؤخرا رواية‮ "‬خيط الروح‮"‬،‮ ‬التي‮ ‬يدور حوارنا معه حولها،‮ ‬وحول الشأن الثقافي المغربي،‮ ‬والعربي بشكل عام‮.‬
بداية؛ ماذا تعني بخيط الروح؟‮ ‬
هناك إشارات كثيرة‮ ‬يضمرها ويتحملها عنوان‮ "‬خيط الروح‮"‬،‮ ‬ولا أريد أن أجهز علي ما‮ ‬يستوحيه القارئ من ذلك،‮ ‬بتفاعله مع النص الروائي،‮ ‬فهذا حقه ومتعته،‮ ‬كما أن متعتي أن أعلم ما‮ ‬يذهب إليه القارئ بهذا الخصوص؛ لكن هذا لا‮ ‬يمنع من القول إننا أمام خيط‮ ‬غير مرئي ولا ملموس؛ لكنه محسوس،‮ ‬يشمل وربما‮ ‬يجمع كثيراً‮ ‬من المتفرقات المختلفات المتناقضات،‮ ‬من كائنات وأفكار وأحداث،‮ ‬في الماضي والحاضر،‮ ‬وربما في المستقبل أيضاً،‮ ‬لا سيما ونحن في هذه الرواية،‮ ‬أمام معضلات كبيرة،‮ ‬من قبيل التحول والانقراض،‮ ‬بكافة مظاهره واحتمالاته‮.‬
كيف توافقت الروح الصوفية مع العقيدة اليسارية عندك في هذه الرواية؟
عندما نتحدث عن الروح الصوفية أو روح الصوفية،‮ ‬كما عندما نتحدث عن الروح بإطلاق،‮ ‬أو روح أي شئ،‮ ‬فنحن نتحدث عن الأعمق المطلق في الشئ؛ ومن منظور معين،‮ ‬يمكن أن تلتقي كل الأشياء في هذا المستوي الروحي،‮ ‬الذي هو انفتاح وقابلية؛ لكن المشكل بل الفارق والخلاف،‮ ‬يحصل عند مستوي التحجر العقدي،‮ ‬وممارساته العملية،‮ ‬أي في التجسيد المادي لروح ما نتحدث عنه،‮ ‬سواء كان صوفية أو سياسة،‮ ‬أو فناً،‮ ‬أو تمذهباً‮ ‬فكرياً‮.‬
وحتي أكون أكثر وضوحاً،‮ ‬فإن قيماً‮ ‬جوهرية مثل الإيمان والإخلاص للمبدأ والتضحية في سبيله،‮ ‬وما في معناها،‮ ‬تشكل روح الإنسانية والأخلاقية المتفتحة،‮ ‬وهي تبعاً‮ ‬لذلك،‮ ‬تكمن في صميم أي فكر إنساني،‮ ‬من‮ ‬يسار ويمين،‮ ‬بيد أن تحول ذلك إلي عقيدة علي مستوي التطبيق العملي،‮ ‬في أي من هذه الميادين،‮ ‬هو ما‮ ‬يخرج بتلك القيم الروحية المطلقة عن طبيعتها،‮ ‬لتتجسد في الذاتية والادعائية والإقصائية والشمولية والطائفية وما إلي ذلك‮.‬
كيف نتعامل مع ما‮ ‬يمثله‮ "‬الديصور‮" ‬بطل الرواية الغامض،‮ ‬هل علينا التخلص منه أم ترويضه؟‮ ‬
لا هذا ولا ذاك فيما‮ ‬يبدو،‮ ‬إذ‮ ‬يجب قبل كل شئ ألا نصنعه،‮ ‬أو نوفر ظروف إفساده‮.. ‬وإذا كان الأمر‮ ‬يتعلق بشخصية رئيسية في رواية‮ "‬خيط الروح‮"‬،‮ ‬فالديصور كان مصلحاً‮ ‬وإنسانياً‮ ‬بمعايير بيئته وزمانه،‮ ‬إن لم نقل إنه كان ثورياً؛ لكن الصناعة المجتمعية في هذا الاتجاه أو ذاك،‮ ‬ومن قبل الفئات المختلفة،‮ ‬عن وعي ومصلحة أو عن عكس ذلك،‮ ‬هي آفة الإنسانية منذ القدم وإلي اليوم؛ إنما هناك دائماً‮ ‬الأمل،‮ ‬ذاك الصوت الإنساني الكامن الهامس فينا،‮ ‬سواء كنا‮ "‬دياصرة‮" ‬أو"عداية‮" ‬أو"أعظميين‮".. ‬عند المنعطفات والحافات الخطيرة، أو"عداية‮" ‬أو"أعظميين‮".. ‬عند المنعطفات والحافات الخطيرة،‮ ‬بما معناه‮: ‬قم،‮ ‬اخرجْ،‮ ‬انتبه‮. ‬
تحدثت في الرواية عن‮ "‬العادات السجنية‮". ‬ما هي تلك العادات؟ وهل هي عامة أم تخص اليساريين؟
تتناول الرواية في جانب منها،‮ ‬توصيف مرحلة هامة ودقيقة من تاريخنا المعاصر،‮ ‬في المغرب علي الخصوص،‮ ‬فترة ما‮ ‬يسمي‮ "‬سنوات الرصاص‮" ‬بما سبقها،‮ ‬وبما رافقها وتلاها علي الخصوص من تحولات؛ لكنها تبقي رواية أدبية ليست تاريخاً‮ ‬ولا‮ ‬يوميات أو سيرة ذاتية جمعية‮.‬
ومن هذا المنظور،‮ ‬تتجلي صور عديدة من العادات والعلاقات السجنية في هذا المستوي،‮ ‬وهي ليست نمطية ولا بسيطة،‮ ‬بقدر ما هي معقدة ودينامية؛ فالعلاقة بين السجين والسجان مثلا،‮ ‬ليست وحيدة المظهر حتي في أقصي الظروف والمراحل السجنية علي النحو النمطي الوحيد الذي‮ ‬يتناهي إلينا،‮ ‬ويتداول في الثقافة العامة؛ إذ قد تنسج خيوط تعاطف وتشارك،‮ ‬لا تضر بدور السجان وإطار مهمته المحدد بوظيفة وقانون،‮ ‬لكنها تستجيب برحابة لدواعي بشرية إنسانية،‮ ‬فتجد السجان الذي‮ (‬يتواطأ بشرف‮)‬،‮ ‬مع السجين ليتمتع بخلوة ما‮ (‬لم تكن واردة في فترات حقوقية سابقة‮)‬،‮ ‬وكذا فرص مختلفة للتمتع الفكري والجسماني وغيرها،‮ ‬حتي أن منها ما‮ ‬يمكن أن‮ ‬يتم خارج أسوار السجن‮! ‬علاوة علي أن السجين مهما تكن صلابته الفكرية ونحن نتحدث عن سجناء سياسيين‮ ‬يساريين‮ ‬بالدرجة الأولي فله نقط ضعفه الخاصة،‮ ‬نزواته البشرية التي تطبع سلوكه في الباطن علي الأقل،‮ ‬علاوة علي الظاهري والمظهري؛ ثم هناك فرص المراجعة الفكرية بالسلب أو الإيجاب،‮ ‬لأن السجن‮ ‬يتيح فرصة التأمل والتبادل في هذا المستوي،‮ ‬مع المماثلين والمختلفين من الرفاق السجناء وغير الرفاق؛ وفوق ذلك قد تتمكن عادة الكتابة،‮ ‬أو تعلم اللغات الأجنبية ممن لم‮ ‬يختبر مثل ذلك سابقاً‮ ‬في نفسه،‮ ‬وهو خارج أسوار السجن‮.‬
التوصيف الروائي لهذه العوالم،‮ ‬كما تقدمه‮ "‬خيط الروح‮"‬،‮ ‬وإن كان‮ ‬يتعلق بنمط من السجناء ذوي توجهات فكرية سياسية معينة،‮ ‬إلا أنه قد‮ ‬يكون في جزء منه قاسماً‮ ‬مشتركاً‮ ‬مع سجناء من توجهات أخري،‮ ‬باعتبار الطبيعة البشرية؛ إلا أنه في الغالب،‮ ‬وحسب الطبيعة البشرية أيضاً،‮ ‬قد‮ ‬يكون مخالفاً‮ ‬إلي حد كبير،‮ ‬لما لدي سجناء الحق العام أو‮ ‬غيرهم‮. ‬
كأستاذ جامعي ومسئول؛ هل أنت مع ممارسة العمل أو النشاط السياسي في الجامعة أم أنها مجرد رؤية أدبية؟
من منظور روائي وحسب المبدأ العام بهذا الخصوص،‮ ‬فإن ما ورد في رواية‮ "‬خيط الروح‮" ‬يبقي روائياً،‮ ‬بكل ما‮ ‬يحتمله المفهوم؛ أما عن السياسة والجامعة أو السياسة في الجامعة،‮ ‬فلا شئ‮ ‬يمنع من حق هذه الممارسة،‮ ‬في حدود قانون قائم علي أساس من العدل ورعاية الحقوق والحفاظ عليها؛ ومهما‮ ‬يكن،‮ ‬فالفترة التي تتناولها الرواية،‮ ‬كانت‮ ‬غنية بالممارسة السياسية،‮ ‬ما بين تيارات مختلفة من أقصي اليسار إلي أقصي اليمين،‮ ‬وباحتدام صراعات قوية ما بين هذه التيارات المختلفة فيما بينها من جهة،‮ ‬وفيما بينها والدولة من جهة ثانية‮. ‬
هل بالضرورة أن‮ ‬يكون المثقف دائما علي‮ ‬يسار السلطة؟
ليس بالضرورة،‮ ‬وعملياً‮ ‬نصادف في الحاضر والماضي،‮ ‬نماذج مثقفة مارست وتمارس السلطة،‮ ‬بغض النظر عن أي تقييم بهذا الخصوص؛ ويمكن القول من حيث المبدأ،‮ ‬إن ما‮ ‬يجعل المثقف في طرف مناقض للسلطة،‮ ‬هو ما‮ ‬يميزه من روح النقد والسؤال والتجاوز والسعي إلي الخصوصية والفرادة؛ إذ أن للمثقف نماذج ومثل،‮ ‬لا‮ ‬غيبية بالضرورة أو ميتافيزيقية،‮ ‬ولكن إنسانية علي وجه العموم،‮ ‬وهذا‮ ‬يتنافي جوهرياً‮ ‬مع مبدأ السلطة،‮ ‬وهي تنشد المصلحة والانضباط والنظام والترتيب والتراتبية؛ ومن هنا فإن المثقف عندما‮ ‬يمارس السلطة،‮ ‬أو‮ ‬يجاريها،‮ ‬أو‮ ‬يقترب منها،‮ ‬وبالتالي‮ ‬يتكيف مع منطقها،‮ ‬فإنه‮ ‬يبدو في‮ ‬غير موقعه الطبيعي وخارج سياقه‮. ‬
هل اغتيلت الاشتراكية بفعل فاعل ولا أمل لها أن تقوم مجددا؟‮ ‬
بطبيعة الحال،‮ ‬لا‮ ‬يمكن إغفال عوامل الصراع الخارجية العالمية من فكرية وسياسية واقتصادية،‮ ‬في تأثيرها علي مآل الاشتراكية وأفول نجمها؛ لكن‮ ‬يجب الاستدراك مباشرة بالتأكيد مبدئياً‮ ‬علي أن الاشتراكية اغتالت نفسها بنفسها،‮ ‬قبل أن‮ ‬يغتالها الغير،‮ ‬اغتالها الاشتراكيون قبل‮ ‬غيرهم،‮ ‬وذلك عندما تحولت من فلسفة إنسانية وأسلوب في العيش والتعايش علي أساس مساواتي ديمقراطي اجتماعي،‮ ‬فأصبحت في عديد من صورها العالمية سواء منها النظرية أو التطبيقية،‮ ‬مذاهب فكرية مغلقة،‮ ‬وأيديولوجية سياسية مكتملة الدائرة،‮ ‬وبالتالي استوفت كل ما تتطلبه التسلطية الشمولية،‮ ‬وهو ما تمثل في الأنظمة السياسية المرتبطة بها،‮ ‬مما ساهم بقسط كبير في تفعيل العوامل الذاتية المضادة،‮ ‬علاوة علي الخارجية التي تصبح إلي حد ما ثانوية أو مساعدة؛ وهذا الأمر‮ ‬يصدق علي جملة التوجهات الفكرية السياسية التي تنغلق علي ذاتها،‮ ‬وترفض الاختلاف الذي‮ ‬يبقي المغذي الأساس للتطور والتجدد،‮ ‬ونري مثالا عليه في النزعات القومية،‮ ‬ومنها القومية العربية التي أضر بها دعاتها وذووها قبل‮ ‬غيرهم،‮ ‬كما‮ ‬يصح علي المنظومات الدينية بصفة عامة،‮ ‬في الماضي والحاضر،‮ ‬فهي بقدر ما تتحجر وتضيق بالاختلاف والاجتهاد،‮ ‬بقدر ما تتشبع بالتسلطية،‮ ‬والطريق ماهدة لنقائضها المختلفة‮.‬
أما فيما‮ ‬يتعلق بمنظور‮ (‬الأمل‮) ‬في انتفاض الاشتراكية من جديد،‮ ‬فهذا حاصل فعلا ويزداد ترسخاً،‮ ‬لكن في صياغات جديدة،‮ ‬من صور الديمقراطيات الاجتماعية التي تأخذ بالجوهر الاشتراكي،‮ ‬وتغمره ضمن تفاعلات منظومة الحريات والحقوق والمؤسسات بصفة عامة؛ ومن ثم،‮ ‬لا تبقي من ضرورة للمألوف،‮ ‬من صور وأطر الاشتراكيات القديمة والتقليدية‮.‬
عايشت الملكية مواطنا والجمهورية رفيقا‮. ‬كيف تري كلا النظامين وأيهما‮ ‬يلائم الوطن العربي أكثر؟‮ ‬
يتعذر التحكم لدرجة القول مسبقاً‮ ‬إن نظاماً‮ ‬معيناً،‮ ‬هو الأصلح لشعب أو أمة،‮ ‬لكن ما‮ ‬يختاره الشعب ويرتضيه هو الأصلح له،‮ ‬بمعني أنه مسؤول عن اختياره،‮ ‬سواء في النظام الاقتصادي أو السياسي أو الاجتماعي؛ علماً‮ ‬بأن هذا الاختيار‮ ‬يجب أن‮ ‬يكون حقيقياً،‮ ‬بمعني توافر الآليات والضمانات المؤسسية القانونية،‮ ‬التي تتيح الفرصة لتعديل الاختيار،‮ ‬أو العدول عنه،‮ ‬أو تدارك الخطأ المحتمل فيه،‮ ‬وهو ما‮ ‬يتيحه النظام الديمقراطي بصفة عامة،‮ ‬بغض النظر عن نوعيته،‮ ‬إن كان جمهورياً‮ ‬أو ملكياً‮ ‬أو رأسمالياً‮ ‬أو اشتراكياً؛ إذ أن الجوهر والأصل هو الحرية الفردية والجمعية،‮ ‬ومنظومة الحقوق والمؤسسات‮. ‬
يقال إن صلح الراعي صلحت الرعية‮. ‬هل تؤيد ذلك؟ وهل‮ ‬يتوقف صلاح حال الملايين علي شخص واحد؟‮!‬
هذه المقولة كغيرها من النصائح والحكم والكليشيات تحتمل أوجهاً‮ ‬كثيرة،‮ ‬ويجب في كل الأحوال تكييفها عملياً‮ ‬وشكلياً،‮ ‬ومن ذلك أن مفهوم الراعي والرعية الذي‮ ‬يستقي من معجم السمع والطاعة وما‮ ‬يربط بمنظومته؛ ونحن اليوم أبعد ما نكون عن ذلك،‮ ‬لكن‮ ‬يمكن فهم الأمر علي أن المواطن اليوم‮ (‬الرعية‮)‬،‮ ‬هو المسئول عن الراعي‮ (‬الحاكم‮)‬،‮ ‬بمعني أنه هو الذي‮ ‬يختاره ديمقراطياً؛ ومن جهة أخري،‮ ‬فالحاكم بدوره‮ ‬يخدم مواطنيه،‮ ‬الذين اختاروه وفق برنامج عمل وخطة معلنة،‮ ‬ومن ثم‮ ‬يحدث التطابق‮: ‬فهو منهم وهم منه،‮ ‬وصلاح الطرفين بالتكافؤ والتماثل‮. ‬
ما الفارق‮ ‬ في رأيك‮ ‬ بين الربيع العربي في مصر وتونس وغيرها من الدول العربية،‮ ‬والربيع العربي في المغرب؟
أعتقد مبدئياً‮ ‬أن الربيع العربي جاء فرصة وموعداً،‮ ‬مع صناعة التاريخ،‮ ‬وهو ما أفلتته النخب العربية والحاكمة منها علي الخصوص؛ وهو من الناحية الحضارية،‮ ‬جاء ليسجل انتفاضة المجتمع ضد التخلف والفساد والاستبداد،‮ ‬بعد‮ ‬يأس من كافة الطرق المسلوكة سابقاً‮ ‬بقصد التغيير،‮ ‬ولا ننسي أنه بذلك المظهر،‮ ‬أصبح نموذجاً‮ ‬يحتذي صراحة،‮ ‬من أجل‮ ‬إحداث التغيير لدي مجتمعات أخري،‮ ‬ومنها الأوروبية علي الخصوص؛ بطبيعة الحال لا‮ ‬يغير هذا من واقع الأمر البالغ‮ ‬المأساوية،‮ ‬السائر في العالم العربي اليوم،‮ ‬ونتيجة الربيع المأسوف عليه‮.‬
بخصوص حالة المغرب في علاقته مع الربيع العربي،‮ ‬فالعادة هنا أن نتحدث عن الاستثناء المغربي،‮ ‬بينما أراه اختلافاً‮ ‬وليس استثناء؛ ذلك أن الاستثناء‮ ‬يعني الخروج عن القوانين حتي في حدود الإنسانية والنسبية منها،‮ ‬وهذا لا‮ ‬يصح،‮ ‬أو أنه‮ ‬يتعذر إثباته،‮ ‬بينما الاختلاف ممكن،‮ ‬وله تعبيراته العملية في المجتمع والتاريخ المغربيين؛ فالمغرب لم‮ ‬يكن مؤهلا فحسب لتبني شعارات الربيع العربي وتوجهاته،‮ ‬بل إنه كان علي الطريق‮ ‬ لا بأس من أن أقدم نفسي علي أنني لست مجرد واحد من قلائل،‮ ‬يعتبرون أقدم الأعضاء في اتحاد كتاب المغرب،‮ ‬باعتباري علاوة علي ذلك؛ مؤسس حقيقي لهذه المؤسسة،‮ ‬ومن الثلة الأولية الممهدة للمؤتمر التأسيسي عام‮ ‬1961،‮ ‬إضافة إلي أنني توليت المسئولية بمكتبه المركزي،‮ ‬لدورات وفترات عديدة‮.‬
أهم ما‮ ‬يميز اتحاد كتاب المغرب،‮ ‬منذ تأسيسه،‮ ‬هو أنه كان الاتحاد الوحيد تقريباً‮ (‬يماثله إلي حد كبير اتحاد الكتاب اللبنانيين‮) ‬المستقل عن حكومته،‮ ‬لدرجة المعارضة بمعناها السياسي القوي،‮ ‬للدولة لا للحكومة فحسب؛ بينما سائر الاتحادات العربية الأخري من هذا المنظور،‮ ‬كانت رسمية حكومية وتظل كذلك إلي اليوم؛ وهذا الوضع أعطي لاتحاد كتاب المغرب‮ ‬ في مواقفه علي المستوي العربي،‮ ‬وفي نطاق الاتحاد العام للكتاب والأدباء العرب،‮ ‬كما علي مستوي الحياة العامة‮ ‬ مكانة الاعتبار والتقدير‮.‬
وأظن اختلاف الظروف العامة محلياً‮ ‬وعربياً‮ ‬ودولياً،‮ ‬علي الأقل منذ الألفية الحالية ولا سيما في العشرية الأخيرة،‮ ‬قد انعكس علي الوضع الثقافي العربي ومؤسساته،‮ ‬ومنها إن لم‮ ‬يكن أولها اتحادات وروابط الكتاب العرب،‮ ‬وأظن وضعية اتحاد كتاب المغرب ليست استثناء في ذلك،‮ ‬من منظور الدينامية الجماعية الداخلية،‮ ‬وإن كان ذلك لا‮ ‬يخفي أو‮ ‬يمنع من منجزات نوعية؛ وأعتقد أن المتغير الأساس هنا،‮ ‬يتمثل في الفارق بين مرحلة أو مراحل،‮ ‬كانت في جوهرها،‮ ‬قائمة علي الالتزام الفكري والمؤسسي،‮ ‬علي قاعدة التطوع والبذل،‮ ‬وبعيداً‮ ‬عن أي تطلع أو طموح إلي ما سوي ذلك،‮ ‬عبر العضوية أو المسؤولية في الاتحاد،‮ ‬بل إن المهمة داخل جهاز الاتحاد،‮ ‬كانت بالأحري‮ ‬غير مريحة اجتماعياً‮ ‬وسياسياً،‮ ‬فأحري أن تكون مدرة لشئ من مكتسبات شخصية فردية أو جمعية‮.‬
ما تأثير تعدد الثقافات في المغرب؟
التعدد الثقافي في المغرب طابع ملازم،‮ ‬يدخل فيه العامل الجغرافي والإثني والديني والثقافي،‮ ‬وهو وضع طبيعي؛ وإذا اعتبر هذا التعدد من منظور الثقافة الأجنبية والغربية علي وجه التحديد،‮ ‬فيمكن استحضار أن ذلك ليس وليد اليوم،‮ ‬إذ أن التبادل الحضاري مع الأجنبي،‮ ‬كان دائماً‮ ‬حاضراً‮ ‬طوال التاريخ المغربي،‮ ‬وبحيرة المتوسط كانت دائماً‮ ‬صلة وصل،‮ ‬لا حاجزاً‮ ‬أو عائقاً،‮ ‬حتي ما تم من ذلك عن طريق حروب أو‮ ‬غزو متبادل؛ ومن‮ ‬غير الطبيعي أن نتصور هذا التواصل المستمر لم تكن له مظاهر ثقافية؛ علماً‮ ‬بأن الخلاف بهذا الخصوص مع ما عليه الأمر حالياً،‮ ‬هو أن التبادل اليوم،‮ ‬يتم عبر استراتيجيات عامة،‮ ‬لا تبعاً‮ ‬للطوارئ والظرفيات‮.‬
‮ ‬أما فيما‮ ‬يخص التعدد الثقافي الداخلي،‮ ‬فهو أكثر تأصلا واستمرارية،‮ ‬باعتبار ما‮ ‬يمثله المغرب منذ خمسة عشر قرناً‮ ‬علي الأقل،‮ ‬من تمازج تلاحمي عربي أمازيغي إفريقي صحراوي متوسطي،‮ ‬وكمثال علي ذلك تغلغل الثقافة الإفريقية في الفنون المغربية،‮ ‬ولا‮ ‬يخفي أن هذا التعدد،‮ ‬يعتبر مصدر إغناء للشخصية المغربية علي وجه العموم،‮ ‬كما لا ننسي هنا ما‮ ‬يمكن أن‮ ‬يتصور علي أنه نقاء وتوحد ثقافي أو إثني أو طائفي،‮ ‬أو نشدان ذلك‮ ‬وما‮ ‬يدخل في بابه،‮ ‬هو من قبيل اللامعقول،‮ ‬قبل أن‮ ‬يكون من قبيل اللامقبول،‮ ‬وهو بالتالي لا إنساني،‮ ‬ومسبب الكوارث الإنسانية العالمية والكونية قبل المحلية والإقليمية‮.‬
هل اللغة العربية في خطر؟ وإن كانت كذلك فكيف نواجهه؟
نعم؛ اللغة العربية في خطر،‮ ‬ومنذ الأمس وليس اليوم،‮ ‬منذ تخلف العرب عن ركب العلم والتطور؛ فاللغة ليست مستقلة عن أصحابها،‮ ‬لأنها صنعتهم ونسج ذواتهم،‮ ‬وليست دخيلة عليهم أو‮ ‬غريبة عن تركيبهم،‮ ‬لذلك فإن تخلف الذوات البشرية الفردية والجمعية،‮ ‬ينعكس علي الذوات اللغوية أي علي اللغة؛ علي أن تضخم سلبيات ما عليه العربية اليوم،‮ ‬يتمثل في التعامل معها كما لو كانت مستقلة،‮ ‬حتي في سبل البحث عن علاج للوضع؛ وهنا نلحظ الجهود المشكورة والمحمودة المبذولة من لدن دول ومؤسسات عربية،‮ ‬لخدمة اللغة العربية،‮ ‬لكن ذلك‮ ‬يحتاج إلي الإرادة السياسية المستندة إلي المنهجية العلمية والتخطيط البيداغوجي،‮ ‬علاوة علي التطبيق العملي المندمج للعربية في مجالات الحياة‮.‬
ما هي مكانة القارئ بالنسبة لمبارك ربيع؟ وكيف تتواصل معه؟‮ ‬
لا‮ ‬يمكن لكاتب روائي أن‮ ‬يتجاهل القارئ،‮ ‬فهو حاضر مضمر ومفصح في جميع الحالات،‮ ‬حتي أثناء الكتابة بكيفية أو أخري،‮ ‬ويمكنني القول إنني اتواصل مع القارئ بل وتصلني رسائله وانطباعاته وأعتز بها؛ ويتمثل ذلك التواصل في مختلف اللقاءات المباشرة،‮ ‬سواء منها المنظمة ضمن مؤسسات ومناسبات،‮ ‬أو العفوية،‮ ‬كأن‮ ‬يتعرف عليك قارئ في ظرف عادي،‮ ‬وبعيد عن الأجواء الثقافية،‮ ‬فيعبر لك عن قراءته لهذا العمل أو ذاك من أعمالك‮.. ‬لكن لا أعتبر نفسي أبذل جهدا كبيراً‮ ‬أو حتي مجرد متوسط في هذا الباب؛ أقبل مع نفسي أن‮ ‬يعتبر هذا تقصيراً‮ ‬مني،‮ ‬لكنني أشعر بأن مسؤوليتي الأساسية،‮ ‬هي أن أكتب،‮ ‬ويبقي الكثير الإضافي بعد الكتابة،‮ ‬أميل إلي تركه للغير بما فيه القارئ‮.‬
وهنا؛ لابد أن أوضح قليلا مفهوم حضور القارئ،‮ ‬من منظور ما‮ ‬يجري من حوار بيننا أثناء الكتابة،‮ ‬فانا أراه مسايراً‮ ‬محبذاً‮ ‬ومستفهماً‮ ‬حيناُ‮ ‬أو متحيراً‮ ‬أو مستنكراً‮ ‬حيناً‮ ‬آخر‮.. ‬لكنني لا أزيد عن اعتبار حضوره شاهداً‮ ‬أو شبيهاً‮ ‬بذلك،‮ ‬وأنا أمضي في كتابة ما أنا فيه‮.. ‬وهو ما‮ ‬يعني ممارسة حريتي في الكتابة كما أري بما أري لما أري؛ من هنا فأنا في نماذج كثيرة مما أكتب،‮ ‬كما في مكونات روائية بعينها،‮ ‬أسعد بمطمح أن أجتذب القارئ إلي ما أنا فيه،‮ ‬إلي عوالمي وتصوراتي‮ ‬وألواني،‮ ‬لا العكس‮.‬
ماذا تمثل لك الجوائز؟
هي مبدئياً‮ ‬مكون من مكونات الحياة الثقافية،‮ ‬ومن هذا المنظور فهي محمودة ومشروعة،‮ ‬وتمثل وظيفة التحفيز والتشجيع للمنتج الثقافي؛ كما أن تعددها وتنوعها حسب المصادر والمجالات التخصصية أمر مرغوب فيه،‮ ‬إنما بطبيعة الحال،‮ ‬ليست الجوائز كل شئ،‮ ‬ولا هي الهدف المنشود من قبل المنتج الثقافي،‮ ‬كما أن الجوائز من جهتها،‮ ‬تتطلب وضوح وإيضاح شخصيتها بكل شفافية،‮ ‬بما‮ ‬يتطلبه ذلك من نزاهة وترفع،‮ ‬عن خدمة‮ ‬غير ما تعلن عنه من مبادئ وتوجهات،‮ ‬ومن حقها تبعاً‮ ‬لذلك،‮ ‬أن تخلص لمعاييرها المختلفة والمحددة‮.‬
هل تذهب الجوائز الأدبية لمن‮ ‬يستحقها؟
لكل جائزة نظامها الخاص ولوائحها الداخلية،‮ ‬علي أن ذلك لا‮ ‬يعني وجود عدالة مطلقة،‮ ‬بل إن استعمال العدالة هنا لا معني ولا مبرر له،‮ ‬في مجال‮ ‬يرتبط بالذائقة الأدبية الجمالية مهما تكن الضوابط المنهجية والتقييمية المعتمدة؛ وفي ضوء هذا،‮ ‬فإن أي اختيار للجان التحكيم هو في حكم المبرر ذاتياً‮ ‬ولا مجال للجدال فيه،‮ ‬إلا في الحالات الصارخة ونادراً‮ ‬ما تكون،‮ ‬أو في حالات تقارب النماذج وهذا طبيعي،‮ ‬لذلك لا أري من المعقول ما‮ ‬يتلو في بعض الأحيان،‮ ‬أو أغلبها،‮ ‬بعض الأصوات المؤاخذة،‮ ‬إن لم نقل المهاجمة للنتائج،‮ ‬لأننا أمام عمل بشري للجان التحكيم،‮ ‬وهو‮ ‬يفرض مبدئياً‮ ‬حسن النية،‮ ‬بالإضافة إلي الكفاءة العلمية والمهنية،‮ ‬لا أكثر من ذلك،‮ ‬وبدون داع لأي جدال‮.‬
ومن جهة أخري،‮ ‬لا‮ ‬يعني الأمر أن كل النماذج التي لم تحصل علي جائزة ما،‮ ‬هي دون ذلك بالضرورة،‮ ‬إذ‮ ‬يمكن القول هنا،‮ ‬إن الجوائز الأدبية في معظمها،‮ ‬تميل علي العموم في معاييرها،‮ ‬إلي ما‮ ‬يستجيب للذائقة المشتركة أو العامة،‮ ‬دون‮ ‬غير ذلك،‮ ‬من النماذج ذات المنحي المختلف والمخالف أو المفارق؛ ومن هذه الناحية،‮ ‬ومن منظور معين،‮ ‬يبدو في هذا‮ ‬بعض ما لا‮ ‬يخدم العملية التطورية الفنية،‮ ‬لكن تاريخ الفكر والأدب والفن،‮ ‬ينكتب بسيرورته الذاتية،‮ ‬لا بالشارات الخارجية مهما تكن قيمتها أو نوعها،‮ ‬والتي تبقي في أحسن الأحوال،‮ ‬مؤشرات لا أكثر‮. ‬
من في الوطن العربي تراه‮ ‬يستحق جائزة نوبل؟‮ ‬
كثير هم من‮ ‬يستحقونها،‮ ‬وربما‮ ‬يكون عددهم حالياً‮ ‬بمعدل واحد لكل بلد عربي،‮ ‬دون أن‮ ‬يعني ذلك أي توزيع بالتساوي،‮ ‬ولا أعتقد أن المستحقين‮ ‬يقتصر وجودهم علي اليوم،‮ ‬بل‮ ‬يرجع الأمر في نظري إلي عقود؛ وهذه الملاحظة تستند علي العموم إلي مستوي الإنتاج‮ ‬الإبداعي العربي،‮ ‬وبخاصة في مجالي الشعر والرواية من جهة،‮ ‬كما تستند إلي بعض المعايير العملية والمستنتجة من اشتغال جائزة نوبل من جهة أخري،‮ ‬وأعني بذلك شبه المضمر والمعمول به،‮ ‬من المواصفات المطلوبة في المرشح،‮ ‬من حيث بعض التوجهات الفكرية الخاصة،‮ ‬وكذلك اللغة التي‮ ‬ينتج بها،‮ ‬وبهذا الخصوص فإن الإنتاج بلغات معينة ليس من بينها العربية ‮ ‬يقدم فرصاً‮ ‬أحسن علي طريق نوبل،‮ ‬وأضيف أن هذه الظاهرة لا تقتصر علي الإبداع الأدبي العربي وحده،‮ ‬بل تشمل الإنتاج العلمي أيضاً،‮ ‬فالبحوث الجامعية المنجزة باللغة العربية،‮ ‬رغم قيمتها الموضوعية والعالمية بالمعايير الأكاديمية،‮ ‬تظل مجهولة،‮ ‬محدودة التداول،‮ ‬وغير معترف بها تبعاً‮ ‬لذلك؛ وهذا ما‮ ‬يدخل في تصنيف الجامعات العالمية،‮ ‬ويؤثر في التصانيف المرتبطة به‮. ‬
أين تري مبارك ربيع في كلا من الرواية المغربية والعربية؟ وأين تري الرواية المغربية بين الروايات العربية؟
فيما‮ ‬يخصني شخصياً،‮ ‬أشعر أنني في حالة مستمرة من ظمأ البحث عن الرواية،‮ ‬وسأظل أبحث علي هدي ما أنشد وما‮ ‬يرتسم في أفقي من نموذج؛ ومن جانبي أتمني كما سأعمل،‮ ‬علي أن أبقي في هذا الاتجاه؛ ومن هذا المنظور،‮ ‬فقد قدمت للرواية العربية،‮ ‬وللمغربية طبعاً،‮ ‬علامات دالة‮.‬
الرواية العربية اليوم وحتي قبل اليوم،‮ ‬قدمت وتقدم أعمالا،‮ ‬لا تقل عن روائع مماثلة في آداب عالمية أخري،‮ ‬بل وتفوق فنياً‮ ‬وإنسانياً‮ ‬نماذج مشابهة ومخالفة في تلك الآداب؛ والحالات كثيرة‮.‬
وبخصوص الرواية المغربية اليوم بالذات،‮ ‬فهي تشكل مرجعية لا‮ ‬غني عنها في المشهد الروائي العربي،‮ ‬وعطاءاتها في مستوي كل المقارنات والمقاربات،‮ ‬علي طريق الجدة والجودة‮. ‬
وصلت لمكانة مرموقة في الثقافة العربية‮. ‬ما الذي تطمح إليه؟‮ ‬
أعتبر الأمر هنا‮ ‬يتعلق بالمجال الروائي دون‮ ‬غيره،‮ ‬وأِؤكد بالفعل أنني علي طريق تحقيق مشروعي في هذا المجال،‮ ‬قد أنجزت ما أنجزت علي نحو ما تصورت وأردت،‮ ‬بالخصوصية الملازمة،‮ ‬أو العلامة المميزة إذا صح التعبير؛ ورغم أن المبدع علي العموم‮ ‬يظل‮ ‬يرنو إلي تحقيق شئ؛ إلا أنني بصفة خاصة ترتسم في ذهني نماذج محددة،‮ ‬أطمح إلي كتابتها،‮ ‬أي اكتشاف الكيف الروائي،‮ ‬الذي‮ ‬يمكنها التبلور في إطاره،‮ ‬عبر الإقناع والجمالية المنشودة‮.‬
هل تشعر بالرضا التام عن تجربتك الأدبية‮ ‬ والروائية تحديدا أم هناك ما‮ ‬ينقصها؟
الرضا نعم‮. ‬الرضا التام‮ ‬لا أفهمه‮.. ‬فالرضا فينا هو العنصر المناوب المراوح المتخلل،‮ ‬لا ما بين عمل روائي وآخر فحسب،‮ ‬ولكن ما بين مكون روائي وآخر‮: ‬صورة،‮ ‬تصور،‮ ‬نمط شخصية،‮ ‬موقف،‮ ‬تعبير أو عبارة‮.. ‬ما دام الروائي مخلصاً‮ ‬لفنه‮.. ‬بينما الرضا التام فناء وانتهاء،‮ ‬أو هو من قبيل ذلك‮.‬
ماذا ننتطر منك قريبا؟
لي مجموعة قصصية بعنوان‮ "‬الصورة والقفص‮" ‬تحت الطبع،‮ ‬وأكتب عملا روائيا جديدا،‮ ‬يمكن القول علي وجه‮ ‬التحديد،‮ ‬إنني بصدد لمسات مراجعته النهائية‮.‬


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.