رسالة مفاجئة وصلت السيد دهشان المقيم بإحدى الدول العربية.. الرسالة كانت موجزة السطور.. قليلة الكلمات.. لكنها مزعجة ومثيرة للقلق! سطور الرسالة كانت تطلب من السيد دهشان سرعة الحضور إلى القاهرة بعد أن استولى أحد الأشخاص على الشقة التى يمتلكها فى حى مصرالجديدة! لم يتردد الرجل فى الاتصال برقم صاحب الرسالة الذى تربطه به معرفة سطحية.. مجرد جار له تعرف عليه فى إحدى المناسبات وتبادلا أرقام التليفونات وإن لم يحدث بينهما أى اتصال من قبل سوى هذه الرسالة الأخيرة! وجاء رد الجار أنس موضحاً سبب بعثه بهذه الرسالة.. قائلا: «.. منذ فترة يتردد على شقتك رجل وامرأة ويقيمان فيها بشكل شبه دائم.. وكان يمكن أن يمر الأمر مرور الكرام على سكان العمارة الذين- وكما تعرف- لا يختلطون ببعضهم البعض كعادة أبناء الأحياء الراقية، ولكن المرأة المصاحبة لهذا الرجل تستفز السكان بشكل جعلها حديث الساعة بينهم جميعاً.. خاصة أن أسفل العمارة- كما تعلم- زاوية يؤدى بها الناس الصلوات الخمس ويقوم بإمامة المصلين الشيخ رشاد وهو خادم الزاوية المقيم فيها باستمرار، وحدث أكثر من مرة أن حضرت هذه السيدة وقت صلاة الفجر وهى فى حالة سُكر واضح واشتبكت مع إمام الزاوية حينما قام بتوجيه النصح لها ووجهت له سيلاً من الشتائم والألفاظ التى يعاقب عليها القانون، مما دفع الشيخ رشاد إلى تحرير محضر لها فى قسم الشرطة.. واستشهد الشيخ بى مع مجموعة أخرى من المصلين، فكانت المفاجأة حينما سمعتها ترد على الاتهامات الموجهة لها بأن زوجها يمتلك الشقة التى تقع فى الطابق الثامن، وهنا قمت بالرد عليها بأن هذه الشقة طبقاً لمعلومات يمتلكها مواطن عربى اسمه دهشان، لكنها أصرت على موقفها فطلبت الشرطة الرجل الذى يتردد معها على الشقة وادعت أنها زوجته، لكنه لم يحضر للتحقيقات حتى الآن، فلم أجد أمامى سوى إبلاغك بما حدث إن لم تكن قد بعت الشقة لزوج هذه السيدة، وغالب ظنى أنك لم تبعها! ورد دهشان بنبرات يغلب عليها الغضب: أنا لم أبع الشقة.. وكل مستندات ملكيتها تحت يدى، وخلال ساعات سوف أكون فى القاهرة!
فور انتهاء المكالمة أسرع دهشان بالاتصال بسكرتيره فى القاهرة، لكن سعيد لم يرد..انقبض قلب دهشان.. الشقة ليس لها سوى مفتاحين أحدهما معه والثانى مع سعيد الذى يتولى إحضار عمال النظافة للشقة بين الحين والآخر ويتولى دفع فواتير التليفون وأجرة البواب والصيانة ويشرف على كل الإجراءات الخاصة بالشقة أثناء غياب صاحبها.. أسئلة كثيرة بدأت تسيطر على دهشان.. هل سعيد هو الرجل الذى ادعت السيدة أنه زوجها؟! هل خان الأمانة ويستخدم الشقة لأغراض خاصة تلبية لهواه؟! وإن كان هو فلماذا لم يخبره بما حدث؟! ولماذا لا يرد على تليفونه؟! ثم كيف يكون هو بعد أن وضع فيه كل ثقته ويمنحه راتباً كبيراً أول كل شهر! حجز دهشان على أول طائرة إلى القاهرة.. وفور وصوله اتصل مرة أخرى ب"سعيد" الذى رد عليه هذه المرة، فبادر دهشان بلهجة آمرة: بعد نصف الساعة سأكون فى شقتى.. عاوز أشوفك هناك.. ضرورى! دخل دهشان شقته ففوجئ بسعيد فى حجرة النوم يحاول إخلاء الدولاب من ملابس حريمى ويقوم بإلقائها داخل حقيبة سفر كبيرة! وقف دهشان مندهشاً من رائحة العطر الحريمى التى تفوح من كل أرجاء الشقة بينما تسريحة حجرة النوم ممتلئة بأدوات ومستحضرات التجميل.. لم يتمالك دهشان نفسه.. صفع سعيد على وجهه! تحسس سعيد مكان الصفعة ثم همس لدهشان وهو يرتعد: سامحنى "كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون" وأنا تبت على يديك.. سأحكى لك كيف أوقعنى الشيطان فى هذه الورطة، ثم أرضى بأى حكم تصدره ضدى! وقعت فى غرام سيدة أبهرتنى بجمالها وأنوثتها.. كانت تعمل ممثلة إعلانات قبل وبعد المسلسلات التليفزيونية، وكومبارس لبعض الأفلام السينمائية.. خططت للإيقاع بى بمهارة بعد أن أحست أننى أشفق عليها من هذا العمل الشاق، ودون أن أعرف أية تفاصيل عنها أسرعت بالزواج بها بعقد عرفى.. كنت أظن أننى أسعد رجال العالم بامتلاكى هذا الصاروخ الذى يلحس عقول الرجال، ولأنى متزوج وليس عندى شقة أخرى ولأنك لم تحضر القاهرة منذ عام، وأخبرتنى أنك ستجرى جراحتين فى لندن، قررت الإقامة معها فى شقتك، لكنها ظهرت على حقيقتها بعد شهر واحد فقط من زواجنا.. اكتشفت أنها مدمنة خمور ولها علاقات لا تعد ولا تحصى وتجرى مكالمات غامضة وأنا إلى جوارها، وتكذب كما تتنفس، وجعلت لها خصومات كثيرة سواء فى عملها أو فى العمارة وصلت إلى حد تحرير بلاغات ضدها.. أنا مستعد لإصلاح هذا الخطأ بأن أطلقها الآن أمامك.. هنا! استدعيها حالاً يا سعيد.. وعلى الفور طلبها سعيد هاتفياً وطلب منها الحضور فوراً إلى شقة مصرالجديدة! وقبل مضى الساعة وصلت "شهد".. فوجئت بوجود صاحب الشقة وسعيد يجلس أمامه كالفأر.. وبسرعة البرق ألقى عليها سعيد يمين الطلاق بالثلاثة وسلمها الحقيبة التى جمع فيها ملابسها الخاصة وأدوات تجميلها.. لكن شهد تحولت إلى أسد يزأر: طالما الموضوع كده سيبونى آخد باقى حاجاتى! وسط دهشة سعيد ودهشان دخلت شهد إلى المطبخ، فتحت دولاب الخزين وأخرجت منه كرتونة كبيرة وعادت لتضعها فى حقيبة السفر.. إلا أن دهشان استوقفها وسألها عن محتويات الكرتونة، فترد بمنتهى العصبية: حاجات حريمى لا شأن لك بها أنت ولا وهو! الأشياء الحريمى لا توضع فى المطبخ يا سيدتى! وبسرعة يجذب دهشان الكرتونة ويشقها بسكين المطبخ، فتنطلق شهد نحو باب الشقة محاولة الهرب، لكن سعيد يتمكن من الإمساك بها فى نفس اللحظة التى يكتشف فيها دهشان أن الكرتونة ممتلئة عن آخرها بالحبوب المخدرة الممنوع تداولها والمسجلة بجدول المخدرات فئة "أ"! اتصل دهشان بالشرطة، وتم القبض على شهد وبدأت التحقيقات التى اعترفت خلالها شهد بأن الكمية المحرزة من المخدرات يمتلكها منتج سينمائى مغمور يتخذ من الإنتاج ستارا لتجارة الكيف! حبستها النيابة وحبست معها سعيد على ذمة التحقيقات بعد أن قررت شهد أن سعيد هو الذى أرشدها إلى مكان تخزين المخدرات فى هذه الشقة! وتمت إحالتهما إلى محكمة الجنايات!
إنها قضية مخدرات مثل عشرات القضايا من هذا النوع.. لكنها أيضاً- وهذا ما يهمنى- قضية رجل كادت زوجته أن تدمره.. زوجته الأولى التى أنجب منها ثلاثة أبناء.. وكادت زوجته العرفية أن تجهز عليه بعد أن جعلته مدمناً لأنوثتها التى حرصت أن تجعل منها عسلاً لا يعرف النوم إلا بعد أن يرتشف منه قطرة بعد أخرى.. قال سعيد من داخل القفص: أنا برىء.. لكنى مذنب فى غرامى لهذه المرأة.. برىء من المخدرات.. ومذنب فى العشق والهوى.. زوجتى أم أولادى كانت مصدراً دائماً للنكد.. طلباتها لا تنتهى.. وعقابها لى باستمرار أن تجعلنى متعطشاً لها.. اعتادت أن تحرمنى من حقى كزوج كلما تأخرت فى تلبية طلباتها.. كان سهلاً أن توقعنى امرأة أخرى فى شباكها لمجرد أنها كانت تمنحنى ما حرمتنى منه زوجتى.. وكان عطاؤها مشمولاً بالكرم! نسيت أننى موظف صغير وأعمل سكرتيراً لهذا الرجل العربى الذى جعلنى أميناً على كل ما يملكه فى القاهرة.. نعم أنا أجرمت فى حقه.. ولو كان أى رجل فى مكانى وفى نفس ظروفى لوقع فى غرام تلك المرأة.. وتناسى ولو مؤقتاً أنه كان لا يجب استغلال شقة رب نعمته لتكون وكراً لامرأة باعت لى بالحب الخداع! ..انتهى كلام سعيد.. ومن حسن حظه أن التحريات أكدت عدم علمه بوجود مخزن للمخدرات فى الشقة التى تم ضبط الأحراز بها.. صدر الحكم ببراءة سعيد، والسجن سبع سنوات على شهد.. وأمرت النيابة بضبط وإحضار المنتج الهارب ووضعه على قوائم ترقب الوصول. كان المشهد المؤثر هو الأطفال الثلاثة أولاد سعيد الذين ظلوا بجوار القفص حتى لا تبتعد عيونهم لحظة عن وجه أبيهم.. بينما زوجة سعيد الأولى تجلس فى الصف الأول منكسة الرأس.. ربما خجلاً من أخطائها التى جعلها زوجها قاب قوسين أو أدنى من شبح السجن المخيف! الغريب والمثير فى هذه القضية أنه بعد صدور الحكم فوجئ الجميع بأن سعيد فارق الحياة قبل إنهاء إجراءات الإفراج عنه فى قسم مصرالجديدة، ولا أخفى أن الدموع تحركت فى عين القاضى فور علمه بهذا الخبر وهو يتذكر وجوه أطفاله الثلاثة بجوار القفص. وحتى الآن كلما تذكرت هذه القضية، تداعبنى عدة أسئلة: هل مات سعيد من الفرحة ولم يتحمل قلبه مفاجأة البراءة؟! هل كان ضحية الزوجة النكدية أم ضحية الزوجة الكومبارس.. أم كان ضحية المرأتين معاً؟!