في مثل هذه الظروف لابد ان يعلو صوت العقل وتتجنب الخلافات والأراء السياسية جانبا .. لابد ان يظهر الحكماء على السطح ويختفى الحنجوريون واصحاب الصوت العالى من مروجى الشائعات والباحثين عن المصالح الشخصية .. حتى تمر مركب الوطن بسلام دون ان تغرق ويسقط الجميع فى نفق مظلم لا احد يعلم نهايته .. ولكى نتلاشى الحروب والمعارك والمشاجرات التى اول من يدفع الثمن فيها شباب هذا الوطن ومستقبله مثلما حدث فى الكثير من المحافظات ومنها الشرقية التى كانت تغلى وتشتعل بين مؤيدى ومعارضى الرئيس حتى سقط قتيل ومئات المصابين ومنهم من فقدوا اعينهم واصبحوا لا يروا نور الحياة بسبب رصاصات الغدر .. فماذنب هؤلاء الشباب الورد الذي يتفتح فى جناين مصر يوم تلو الأخر .. واليكم هذا الموضوع كجرس انذار نضعه امام الجميع قبل السقوط فى المنحدر السحيق . هل عندما ترى وردة تتفتح لترى نور الدنيا وتنشر عبقها على المحيطين بها تقوم بخطفها وقطعها وتفصلها عن الحياة ؟.. هذا هو ماحدث ويحدث وسيحدث فى لعبة السياسة الدائرة الأن .. معارك طاحنة .. مشاجرات مستمرة والنهاية قتل وخراب وتدمير .. لكن من يدفع الثمن !.. ليس اصحاب اللعبة الحقيقين لكن هم شباب هذه البلد ... شباب تزهق ارواحهم .. واطفال يموتون دون ان يكون لهم علاقة بمايحدث من قريب او بعيد ! واكبر دليل حالة طارق عاشور تلك الطفل الذي يبلغ من العمر 14 عاما .. فى الصف الثالث الاعدادى .. انهى تعليمه وذهب ليعمل مع حاله فى مدينة الزقازيق بالقرب من مبنى المحافظة .. طفل صغير ليس له فى السياسة .. اذا سألته من رئيس بلدك بكل بساطه يقول لك " ماعرفش !" واذا قولت له تعالى انضم معانا لحركة الأنقاذ ببساطة شديدة ممكن يرد عليك هاننقذ مين من الغرق .. فهو شاب لايعرف هذه الأسماء الرنانه .. ربما يكون سمع اثناء مشاهدته احد الأفلام عن اسم ولا اسمين ولم يركز كثيرا امامهما .. لكن هذا الطفل الأن فى مستشفى صيدناوى قسم الرمد بمستشفيات جامعة الزقازيق .. لايرى بعيناه الأثنين .. حينما تراه تقع عينك على مشهد مستفز للمشاعر .. مثير للغضب .. ياخذ قلبك فور رؤيته . طفل صغير اسمه طارق 14 عاما ، كل ذنبه انه كان يمر مصادفة فى شارع المحافظة اثناء تبادل اطلاق النار بين مؤيدى ومعارضى الرئيس .. وفجأة وجد وابل من العيرة الناريه يتبادلها الطرفان .. ناس يهرعون من هنا وهناك .. يسرعون فى الشوراع .. الطفل لا يعرف شيئا واعتقد ان شيئا ما حدث غير طبيعى وظل يستمر فى السير بجانب الطريق ذاهبا لشراء بعض المستلزمات وطعام ارسله خاله لشرائه كعادته فى هذا التوقيت .. وفجأة سقط الطفل على الارض متألما من اوجاع والام فى عينيه والدماء تنهال منها بغزارة ولم يعرف ماجرى له ؟. لايزال الضرب مستمر .. حالة من الهرج والمرج تسيطر على المكان .. والطفل يتألم ولا احد ينظر له .. الى ان شاهده مجموعة من الشباب واسرعوا ناحيته والقوه فى سيارة الأسعاف وتم نقله الى مستشفى الجامعة بالزقازيق ومنها الى قسم الرمد بمستشفى صيدناوى . اسرع الأطباء باجراء الأسعافات اللازمة له لمنع الدم الذي ينهمر من عينه .. وبعد كشف الاطباء عليه تم ادخاله غرفة العمليات واجراء عمليتين له فى عينيه اليسرى واليمنى وتم اخراج الخرطوش الذي اصاب عينه . ولايزال الطفل طارق عاشور الذي يقيم بقرية بهنباي التابعة لمركز الزقازيق متواجدا بالمستشفى لتلقى العلاج حيث انه سيدخل عمليتين جراحيتين وذلك نظرا لسوء حالتة . التقينا بجدة طارق وجده الذي كانا يقيمان معه بالحجرة والتقط جده طرف الحديث قائلا : نحن ناس بسطاء .. فقراء .. نعمل من اجل لقمة العيش .. وهذا الطفل ابن ابنتى .. كل يوم يذهب الى عمله مع خاله .. يحاول ان يساعد اسرته فى تدبير امور الحياة ومواجهة الغلاء والمعيشة الصعبة .. واثناء ذهابه لشراء اشياء لخاله حدث له ماحدث .. هذا قضاء الله وقدره ولكن ماذنب هذا الطفل المسكين فى ان يفقد نور بصره ويتعرض لعجز فى عيناه .. نحن لانعرف رئيس ولا معارضة .. ولا نعرف تمرد ولا تجرد اللى بتسالنا عليها احنا نعرف اكل عيشنا والسعى وراء القمة الحلال .. اصبحنا لا نعرف الحقيقة فين .. انا لست مع هذا او ذاك واريد حق ابن ابنتى ومن سيعيد له عينيه الذي ارجى فيها جراحة .. من شدة الأحتيار وهوس المعارضة وسعيهم لقنص الحكم بالقوة افتقدنا ثقتنا فيها .. كما ان على الجميع الالتزام بالحيادية والشفافية .. الكل يلعب بنا الكرة واصبحت لا اصدق الجميع .. كل ما اقوله حسبي الله ونعم الوكيل من الذي فعل هكذا بابنى . على الجانب الاخر كان يرقد الطفل طارق فوق سريره يتألم .. سألناه عن سبب اصاباته : قال بصوت منخفض يصحبه الم وانين واوجاع قائلا : كنت ماشي فى الشارع وفجاة وجدت الناس تجرى والشارع مزدحم اعتقدت انها مشاجرة بسيطة وان الأمر سيمر بهدوء لكن دون ان اشعر سقطت على الارض وتالمت بشدة وقام مجموعة بوضعى فى سيارة الاسعاف التى كانت ملئية ومزدحمة وبعد ان وضعونى داخل السيارة سقط فوقى شاب اخر مصاب الى ان وصلت لمستشفى . وقالت والدة طارق وكانت تبكى بحرقة وقلبها يتقطع قائلة : ابنى يحتاج الى عمليتين فى عينيه حتى تعود كما سبق ونحن ناس بسطاء كما اشارت على الخرطوش الذي ملأ جسده ووجهة وهى تبكى وتدعوا على من فعل هكذا بطفلها قائلة " حسبي الله ونعم الوكيل . تركنا الطفل المسكين مع الامه واحزانه وسط اهله .. ومعاناة العلاج الباهظة الثمن وخاصة ان هناك علاج يشترونه من خارج المستشفى لغلاءه وعدم توفره بالمستشفى . مصاب اخر ! فى الحجرة المجاورة الى الطفل طارق كان اشرف سعيد سعيد يرقد فوق سريره متألما من الأوجاع التى تسيطر على عينه .. قال فى البداية : كنت اسير مع صديقى كعادتنا فى وسط الزقازيق كنوع من الترفيه .. اثناء مرورنا بشارع المحافظة وجدنا مظاهرات والاسعاف تنقل المصابين .. وقفت ارى ما يحدث !. شاهدت دكتور صيدلى ينقل المصابين الى سيارة الأسعاف .. كان الحماس ياخذه .. فقمنا بمساعدته واثناء ذلك شاهدت ان الطرف الثانى يحمل سلاحا ويضرب به المتظاهرين .. ويحمون رأسهم بخوزة .. واثناء ذلك سمعت صوت رجل لهجته تدل على انه ليس مصري يقول " احنا مش هانسبكوا يا عرب يامصريين ." . كما شاهدت واد منهم مجموعة من الشباب المتظاهرين امسكوا به ولقنوه علقة ساخنة وبعدها تم نقله الى المستشفى .. كما ان منهم ظل يسب فى المتظاهرين . كانوا يرتدون خوذ وتيشرتات مكتوب على ظهرها " اخوان مسلمين " .. وعندما شاهدتهم هكذا الدم جرى فى عروقى وخاصة ان المصابين كثيرين كما ان هؤلاء ليسوا مصريين وجاءو لأحداث فتنه داخل مصر . وردة ثالثة ! الحالة اللثالثة شاب اسمه محمد عادل نجيب يبلغ من العمر 21 عاما طالب بكلية شريعة وقانون قال وهو يشير الى عينه المصابة لا اعرف ما ذنبي حتى يفعلوا بى هكذا فانا كنت ذاهب مع زملائي الى العمل فى " كافيه شوب " واثناء مرورى الساعة الرابعة فجرا فوجئت بضرب نار بين المؤيدين والمعارضين وتم اصابتى فى عينى اليمنى بخرطوش . واستطرد قائلا : لابد من ذهاب الظلم .. وعلى الطرفين الهدوء .. كما ان مصلحة الشعب فوق الجميع وعلى الطرفين التهدئة والا ستتحول الى مجازر وستشرب الارض دماء الطرفين . التقطت والدته طرف الحديث قائلة : محمد اجرى عملية فى عينه لأزالة الخرطوش ويحتاج الى عملية فى الشبكية لوقف النزيف والغريب ان هذه المستشفى الكبرى لايوجد بها طبيب شبكية .واتوجه الى المسئولين بعلاج ابنى حتى يرى النور بعينه مرة اخرى . فى النهاية التقط الشاب طرف الحديث قائلا : كان هناك اشخاص يتحدثون باللهجة البدوية او الشامية يقولون يازلمه .. وكلام غريب اخر يدل على انهم ليسوا مصريين .. والسؤال هنا هذا خلاف داخلى بين مؤيدين ومعارضين ما شأن هؤلاء ومن سمح لهم التدخل واين الأمن للقبض عليهم .