موسى محمود - عجيب قدر رجال الإسعاف فى ثورة يناير المجيدة، ففى الوقت الذى يواجهون فيه شراسة المواجهات تحت وابل الرصاص والقنابل الدخانية والخرطوش لإنقاذ المصابين ونقلهم إلى المستشفيات ربما أفلتوا من أنياب الموت. فى الوقت الذى سقط البعض منهم بين جريح وشهيد الواجب.. انهالت عليهم الاتهامات والتجاوزات والاعتداءات. إلا أنهم برغم كل ذلك واصلوا عملهم تحت وابل القذائف والتجاوزات. فقد اتهمهم جنود الأمن المركزى وأمن الدولة بأنهم ينقلون أسلحة للثوار كما كان يروج الإعلام الرسمى آنذاك على الجانب الآخر اتهمهم الثوار واللجان الشعبية بأنهم ينقلون المصابين لمقر وزارة الداخلية لاعتقالهم. خلل ثالث بعيدا عن الاتهامات وهو النقص الشديد الذى واجهوه فى المستلزمات الطبية الأولية، خصوصا خلال الأيام الأولى للثورة، إلا أن رجال إسعاف القاهرة تحملوا كل ذلك رافعين شعارهم «ما استحق أن يولد من عاش لنفسه» وقاموا بأداء واجبهم كاملا فى إسعاف المصابين ونقلهم للمستشفيات وأيضا نقل جثامين الشهداء إلى المستشفيات أو المشرحة. وبمناسبة الاحتفال بالذكرى الأولى لثورة 25 يناير، كان لنا هذا اللقاء مع لفيف من رجال إسعاف القاهرة والذين كشفوا النقاب عن عدة أسرار ومفاجآت خطيرة. بداية يقول د. ياسر عبد الحميد وكيل إسعاف القاهرة ومسئول الرعاية أولا أريد توضيح شيء مهم، أن ما لم يعلمه الكثيرون أن الإسعاف الآن نوعان وهو إسعاف النموذج «إسعاف هيئة مصر» وهو خاص بالسيارات ذات اللون البرتقالى وإسعاف القاهرة وسياراته التى تحمل اللونين الأحمر والأبيض ، والوحيد الذى تعامل أثناء الثورة هو إسعاف القاهرة فقط ... لأنه يكفى أن أقول إننا تعرضنا لكل أنواع الضرب والإهانة، فمثلا كان معى مصاب بطلق نارى وكنت فى طريقى للمستشفى وإذا باللجان الشعبية تعترض طريقى وتتعدى علينا بالأسلحة شكًا منهم أننا ننقل سلاحا وجنودا وليس مرضى ، وهذا غير صحيح ، وقد تواصلت إقامتنا من يوم 25 يناير وحتى 18 فبراير .. منذ أن بدأت المصادمات بين الثوار والشرطة أمام القضاء العالى وحتى انتقلت المصادمات إلى ميدان التحرير وهناك وجدت العديد من المتطوعين من الأطباء وقمنا بإنشاء المستشفى الميدانى وكانت فى البداية تنقصنا العديد من المستلزمات الطبية خصوصا الشاش والقطن خلال أول يومين من بدء الثورة، لكن التبرعات جاءت لنا بعد ذلك من جميع المستلزمات الطبية وبكميات وفيرة، حتى الأكل والشرب خصوصا وأننا عانينا فى أول ثلاثة أيام من عدم وجود أى طعام أو شراب. كذلك تعرضنا لإطلاق نار على سيارتنا من مجموعة من الشباب كانت تقف فوق كوبرى غمرة، أما أكثر المواقف التى لا أنساها عندما تقابلت مع مجموعة من شباب الإخوان المسلمين وكان معهم الشيخ حافظ سلامة وكانت أول معرفتى به، وطلبوا منى توصيله سريعا هو وسائقه إلى سيارته حتى يستطيع العودة إلى السويس لأنهم كانوا يخشون عليه من الاعتقال والحبس وكانوا 6 شباب وتم القبض عليهم فعلا من قبل الداخلية، لكننى استطعت أن أقوم بنقله من المستشفى الميدانى بميدان التحرير وحتى دار القضاء العالي، حيث ترك سيارته.. وقد أشاد بمجهودنا الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح يوم أن صلى بنا جماعة صلاة شكر بالمستشفى الميدانى يوم تنحى رئيس الجمهورية السابق. ويلتقط طرف الحديث عادل عبد الحميد سرور مشرف المركز قائلا: الأمر المدهش هو سرعة انتقال الشائعة لدرجة أنها فى خلال خمس دقائق تصبح حقيقة وهو ما عرضنا للإهانة وبشدة سواء من الثوار أو من الشرطة ومن أمن الدولة والبلطجية واللجان الشعبية حتى إن الجيش كان يجبرنا على ترك السيارة والركوع على الأرض حتى ينتهى من تفتيش سيارة الإسعاف ليتأكد من أننا ننقل مرضى ومصابين فقط. ومن أكثر المواقف التى لا أنساها منظر الرجل الذى قالوا إنه ضابط أمن دولة وهو كان ضابطا على المعاش وكان وجوده بالمصادفة فى الميدان وتعرض لكل أنواع الضرب والإهانة حتى وصلت حالته الصحية لدرجة حرجة بين الحياة والموت ولم يكن أمامنا إلا عمل تمثيلية داخل الميدان حتى نستطيع نقله للمستشفى حيث ادعينا وفاته وحملناه على أنه جثة هامدة حتى يتركوه واستطعنا الهروب به حتى وصلنا وسلمناه فى مستشفى الشرطة ليتلقى العلاج المناسب، حتى إنهم قبضوا على شخص آخر وقتها بالميدان كان يدافع عنه وقالوا إنه أمين الشرطة التابع له وبعد تعرضه لضرب عنيف اكتشفنا أنه مهندس وليس له علاقة بالداخلية نهائيا، وهو فقط كان متعاطفا معه من كثرة الأذى الذى تعرض له. أيضا تحدث محمود السيد محمد مشرف منطقة وسط بإسعاف القاهرة قائلا : كذلك فلم يكن يقتصر دورنا على نقل المصابين فقط، وإنما استخدمت سيارات الإسعاف ليلا فى نقل أكياس القمامة وكانت بالمئات إلى خارج الميدان خوفا من تفشى الأوبئة والأمراض فى ظل الازدحام الشديد ولعدم وجود وسائل نقل أخري، لأن كل ما كان يخدم فى ميدان التحرير هى خمس سيارات إسعاف بأكواد 173، 176، 26 ، 136 ،164 فقط، وهو الأمر الذى تكرر بعد ذلك فى المليونيات التى كانت تحدث، برغم كل ما تعرضنا له من ضرب وإهانات من الجميع فإننا لم نتوان عن القيام بدورنا على أكمل وجه وبحماسة وحب شديدين لأنه عملنا وواجبنا أن ننقل المصابين سواء كان ثوريا أو عسكريا مسلما أو مسيحيا ففى النهاية هو مصاب ودورى هو تقديم الرعاية الصحية اللازمة له.. ونحن الذين قمنا بتأمين المنطقة أيضا وقت أحداث ماسبيرو، وتعرضنا أيضا للكثير من المضايقات برغم أننا نقوم بعملنا لدرجة أن قناة ال bbc سجلت معنا وسألتنا إذا كنا نتبع الحكومة أم لا، لأنهم كانوا يستغربون أننا تابعون للحكومة ومع ذلك ننقل الثوار وكانت إجابتنا أننا نقوم بنقل المصابين حتى لو كانوا يهودا، لأن هذا هو دورنا وواجبنا وهو ما تركنا من أجله منازلنا وأولادنا.. وقد تعرضت للتفتيش فى إحدى اللجان الشعبية أثناء نقل المصابين وأصيب زميلى السائق بارتجاج فى المخ من كثرة الضرب وظل تحت الملاحظة بالمستشفى لمدة أسبوع لمجرد أنه اعترض على تأخيرنا فى نقل المصاب بسبب كثرة عمليات التفتيش التى كنا نتعرض لها لأنهم أعتقدوا أننا ننقل أسلحة، أو أننا ننقل المصابين إلى وزارة الداخلية وأمن الدولة مثلما روج الإعلام وقتها أو مثلما كانت تقول الشائعات، وهو ما لم يحدث فنحن نسلم المصاب للمستشفى وإذا كان حدث أن الشرطة كانت تتحفظ عليهم أو تنقلهم إلى مكان آخر فهذا ليس ذنبنا وليست لنا به علاقة لأن دورى ينتهى مع تسليم المصاب للمستشفى فقط بعد تقديم الإسعافات الأولية له، حتى بيانات المصاب لم يكن لدينا وقت للحصول عليها على أساس أن المستشفى سيحصل عليها. كذلك تحدث مصطفى عبد المنعم عبد الله مسعف سائق بإسعاف القاهرة، فرع إسعاف السيدة زينب قائلا: وجدت مع زملائى منذ أول يوم فى الثورة وكنا نساعد فى تأمين المنطقة، وتلقينا الكثير من البلاغات عن تزايد أعداد المصابين بسبب شدة المواجهات بين الثوار والشرطة خاصة يوم 28 يناير لدرجة أن أصوات الطلقات النارية لم تتوقف فى وزارة الداخلية بجوارنا.. كذلك فوجئنا بهجوم من البلطجية والذين رأيناهم يهاجمون المحلات المجاورة وسرقتها، وتركونا لأنهم لم يجدوا عندنا ما يستحق السرقة. أما السائق طارق جمال السيد، بإسعاف القاهرة فقد تحدث قائلا: أعمل بإسعاف القاهرة منذ 8 سنوات وفى يوم 28 يناير جمعة الغضب وكنت ضمن القوة المكلفة بتأمين منطقة عين شمس وتمركزت بجوار نقطة الشرطة التى تتبع المنطقة، وشاهدت الناس تخرج بعد الصلاة تهتف وتطالب بالحرية وفوجئت برجال القسم من ضباط وأمناء الشرطة يطلقون النار على المتظاهرين، ونقلت العديد من المصابين إلى مستشفى هليوبوليس وجاءنى بلاغ بالانتقال إلى ميدان المطرية لوقوع إصابات شديدة هناك، ووجدت عشرات المصابين بطلقات نارية وبدأت أنقلهم لسيارة الإسعاف تمهيدا لنقلهم إلى المستشفي، لكننى فوجئت بجنود الأمن المركزى تهاجمنى وتطلق على النار وقنابل مسيلة للدموع، وتم تدمير سيارة الإسعاف بالكامل وتلقيت ضربة قوية على رأسى، لكننى تحاملت على نفسى حتى استطعت العودة ولأننى أعمل بعقد يتم تجديده سنويا لم يوافقوا على علاجى على نفقة إسعاف القاهرة فليست لى أى حقوق وطبعا تحملت وحدى مصاريف العلاج من أشعات وأدوية، وأنا ليس لى عمل آخر ولا أعرف ماذا أفعل. أيضا تحدث عيد محمد سليمان، مسعف بإسعاف القاهرة قائلا: كنت أقوم بعملى خلال أحداث محمد محمود وفوجئت بقنبلة غاز مسيلة للدموع تسقط على سيارة الإسعاف التى كنت أنقل إليها المصابين، وهى تختلف عن القنابل التى كانت تلقى فى بداية الثورة لأنها أصابتنا فورا بضيق فى التنفس وعمى مؤقت ودوار وفقدت الوعى ونقلنى الثوار للمستشفى الميدانى وما زلت أعانى من آثارها حتى الآن. كذلك أصيب ياسر سيد حسين سائق بمرفق إسعاف القاهرة، والذى تحدث عن إصابته قائلا : كنت أساعد فى نقل المصابين أثناء موقعة الجمل يوم 28 يناير وفوجئت بحجر كبير يلقى على قدمى وأصبت بكسر مضاعف أجبرنى على المكوث فى المنزل لمدة شهرين وأنا أعمل بعقد سنوى وليست لى أى حقوق فى العلاج على نفقة مرفق الإسعاف، فأنا عملى سائق وقدمى هى رأس مالى ، ولولا زملائى ووقوفهم بجانبى لا أعرف ماذا كنت سأفعل!