تنوعت الإصابات والمصيبة واحدة، فالمصابون في المستشفيات يعانون من أنين فقدان البصر، متحسرين علي أخواتهم الشهداء، متألمين لما آلت له البلاد. ولكنهم غير نادمين علي ما فقدوه لأنهم لبوا نداء الوطن غير مبالين بمستقبلهم أو أسرهم. الداخلية أصابتهم والصحة تجاهلتهم والجمع انصرف عنهم ليقضوا بقية حياتهم لا حول لهم ولا قوة. «عمر» فقد عينه ولكنه لم يفقد حلمه بالحرية «طول عمري حلمي الحرية شايل روحي علي كفي وعيني فداكي يا بلدي»...، هذا هو لسان حال الشاب عمر فتحي آدم الذي لم تجاوز سنوات عمره ال20 عامًا الذي يحلم بالحرية وتحقيق مطالب الثورة يفوق حتي متاعب جسده بالرصاص الخرطوش الذي لم تمنعه من نزول الميدان وإسعاف المصابين والذي أدي لإصابته برصاصة أفقدته عينه اليسري ورغم ذلك مازال يهتف في الميدان طالبًا الحرية. عمر فتحي حصل علي الشهادة الإعدادية ثم عمل في مخزن سيارات لإحدي الشركات الكبري يواظب علي نزول الميدان منذ بداية الثورة وفي الأحداث الأخيرة لم يترك الميدان لحظة وهو ما تسبب في فصله من عمله بعد أن حذره رؤساؤه من التظاهر في التحرير ونصحوه بالتركيز في عمله ولكنه لم يبال فهو يجد فيما يفعله أن حاضره في النزول إلي الميدان أقوي بكثير، وبينما كان يقوم برفع أحد المصابين من علي الأرض أصيب بطلقة خرطوش في عينه صاحبتها حالة اختناق شديدة بسبب الغاز المسيل للدموع فسقط مغشيًا عليه ولم يشعر بنفسه. عندما أفاق عمر من غيبوبته علم أنه أصيب بنزيف شديد في العين نتيجة انفصال الشبكية وهو ما يحتاج إلي إجراء عملية جراحية أخري قد تعيد له نظره، لكنه غير نادم علي نزوله إلي الميدان ويؤكد أنه مازال يتظاهر مطالبًا بالحرية. ثوار ميدان التحرير من الأطباء الميدانيين والمتظاهرين كانوا هم الزائر الوحيد لعمر أثناء فترة مرضه ولم يحصل علي أي تعويض حتي الآن. وفي يوم 21 نوفمبر هتف عمر من قلبه «سلمية» وذلك بالقرب من شارع محمد محمود فأصيب برصاص خرطوش في قدمه اليمني وأخري في جانبه الأيمن فحمله المتظاهرون للعلاج بمستشفي قصر العيني وتم إخراج إحدي الرصاصات بينما ظلت الأخري في جسده ونصحه الطبيب بإعادة الفحوصات في اليوم التالي إلا أنه رفض الانصياع لأوامر الطبيب وما أن تحسنت صحته ذهب إلي ميدان التحرير ليشارك في نقل المصابين. «اقعد إزاي في البيت وفيه ناس بتموت في التحرير» هذه هي الكلمات التي نطق بها عمر بكل قوة عندما سألته لماذا لم يتراجع عن النزول إلي الميدان بعد إصابته. سائق مع إيقاف التنفيذ ربيع فقد بصره ومصدر رزقه نتيجة طلق خرطوش اليأس لم يصل بعد الي "ربيع يحيي مهران" سائق تاكسي سابقاً وأحد مصابي العيون بالثورة الثانية حالياً بعد أن أصابه طلق خرطوش بعينه اليسري وأخري في ظهره اثناء مشاركته باعتصام ميدان التحرير منذ 19 نوفمبر الماضي. لم يكن يعلم أن المطالبة بحقوق مصابي 25 يناير ستدفعه إلي ان يكون واحداً منهم فقد دفعته مشاهد المصابين المتواجدين بالمستشفي الميداني إلي الدخول إلي شارع محمد محمود لنقل المصابين والاطباء ايضاً الذي تم الاشتباك معهم واثناء قيامه بذلك اصيب بالطلق ليفقد الوعي بعدها. و علي الرغم من انه اخذ احتياطه بارتداء نظارة غوص وكمامة بها الكثير من الخل الا ان هذا لا يمنع عنه الاصابة بإحدي الطلقات التي ادت إلي اجرائه عملية نتيجة انفجار في قرنية العين وتم ايقاف النزيف ولكنه يحتاج عملية أخري يجريها بعد ثلاثة اسابيع ومازال لا يعرف حتي الآن من الذي سيجريها له او يتحمل تكاليف ذلك خاصة بعد ان نصحه البعض بالابتعاد عن مستشفي قصر العيني نظراً لسوء الرعاية والاهتمام بالمصابين به ويحاول التوجه إلي احد مراكز العيون الخاصة التي تتبرع لاجراء هذه العمليات لمصابي الثورة. رحلة الانتظار ما بين الأمل والدعاء لم تمنعه من الاستمرار في مشاركة المعتصمين مطالبهم بميدان التحرير أو المشاركة في الانتخابات والادلاء بصوته لاختيار مستقبل افضل لمصر فهو يبحث عن الحرية لكل المصريين ويفخر بما صنعوه في المرحلة الاولي من الانتخابات البرلمانية. إذا كان ربيع استطاع ان يتعايش مع إصابته بايجابية ورضا ولكن كيف سيستكمل حياته بعد ان توقف مصدر رزقه الوحيد نظراً لفقده إحدي عينيه. 17 طلقة في صدر «طارق» ووعد زائف بالعلاج طارق جمال عبدالجواد الفقي دعاه أحد أصدقائه لمشاهدة الفيديو الشهير علي موقع اليوتيوب الذي يصوب فيه أحد الضباط رصاص بندقيته علي أعين أحد المتظاهرين وهو الأمر الذي أثار استياءه بشدة، ولكنه لم يكن يعرف أن نفس هذا الضابط سيوجه 17 طلقة من بندقيته في جسده علي بعد مسافة قصيرة لم تتجاوز الأمتار. طارق "20 عاما" نموذج للشاب المثالي الذي يعمل بإحدي الفنادق الشهيرة إلي جانب دراسته بالدبلوم الثانوي الصناعي، وهو واحد من الشباب الذين لم يرحب ذووهم بنزولهم إلي الميدان ومن جانبه قرر الاستجابة لرغبة والده ولكن قدره كان عكس ذلك ففي أحد الأيام أثناء ذهابه إلي عمله ألغيت ورديته فلم يجد مفرا من الذهاب إلي التحرير فكانت النتيجة هي إصابته. ساحة معركة غير متكافئة الأطراف فأحدهما أعزل والآخر مسلح بشراسة هكذا كان شارع الشيخ ريحان الذي أصيب فيه طارق بعد أن جري طويلا من رصاص الأمن وفجأة واجهه ضابط اليوتيوب الشهير وكان بجواره شاب آخر أصيب في عينه فجري كلاهما سريعا وفجأة شعر طارق بالتعب الشديد فرفع قميصه ليجد صدره وبطنه مليئين بالدماء ليسقط بعدها مغشيا عليه متأثرا بما نزفه من دماء. أحد الشباب الذي لم يكن علي معرفة مسبقة بطارق و يشاهده لأول مرة تحرك علي الفور لحمله إلي سيارة الإسعاف ومرافقته إلي المستشفي صارخا بجواره حتي يتحرك الأطباء لإسعافه وجلس يبكي إلي جواره وهو يحتضنه حتي جاء والد طارق الذي ظن أن هذا الشاب صديق ابنه المقرب خاصة أنه كان مصابًا في رأسه و ظل يسأل علي ابنه طوال فترة مرضه ومازال يواظب علي ذلك إلا أن المفاجأة أنهما لم يجمع بينهما سوي لحظات التظاهر في ميدان التحرير التي سريعا ما تحولت إلي كارثة ولكنه أفرزت صداقة حقيقية سوف تظل حتي نهاية العمر. يقول جمال عبدالجواد الفقي والد الشاب المصاب طارق إنه جاءه تليفونًا أثناء وجوده بعمله أن ابنه مصاب و يرقد بالمستشفي فجاء علي الفور فوجد ابنه فاقدًا للوعي ومصابًا ب 17 طلقة في الصدر والبطن وجهاز التنفس الصناعي لا يفارقه حيث إن خطورة هذه الطلقات أنها قريبة من الرئة ومن الصعب إخراجها وفقا لما أوضحه له الأطباء وهو ما يسبب له ضيق تنفس دائم يتطلب معه استخدام جهاز التنفس الصناعي كل 15 دقيقة تقريبا حتي بعد إفاقته. يكمل والده قائلا إن إدارة المستشفي ترغب في إخراجه خلال أيام رغم أن حالته لا تسمح فمازال محتاجا لجهاز التنفس الصناعي والذي يصعب توفيره في المنزل، مضيفا أنه بعد إصابته قام أحد ضباط القوات المسلحة بزيارته ووعده بنقله لاستكمال علاجه بالمجان في مستشفي كوبري القبة العسكري وعقب حصوله علي إخلاء طرف من مستشفي المنيرة لم يتحقق الوعد فاضطر لإلغاء إخلاء الطرف و يتساءل لماذا لم يتم تنفيذ هذا الوعد حتي الآن؟ فكل ما يهمه ويشغل باله الآن أن يعود ابنه ليقف علي قدميه مرة أخري. محمد شكري العريس الذي تلقي 7 رصاصات خرطوش حوار تقشعر له الأبدان ولا تجف فيه العيون فشاب في مقتبل عمره راتبه بسيط وأحلامه متواضعة وضع روحه علي كفه رافضا ان يكون سلبيا او ان يرضي بقتل اشقائه، ترك عروسه وودع والدته وأنهي عمله ليتوجه يوميا للميدان فهو يقدم المعونات ويرأف بالمحتاجين لكنه لم يتخيل يوما ان يكون مصيره تلقي هذه الرصاصات بشكل وحشي فهل جزاء الاحسان الا الاحسان؟ سؤال يتبادر للذهن عن لقائك بمحمد شكري الذي اثقلت كاهله الهموم وربما الديون لكنه أبي أن يطلب واستعفف ان يكشف سره طالبا حلم مصر والمصريين وهو:" حرية وعدالة اجتماعية". محمد شكري البالغ من العمر "34 عاما" الموظف بهيئة نظافة وتجميل الجيزة، العريس الذي مر علي زواجه شهر ونصف الشهر فقط لم يتحمل مشاهدة المجازر التي حدثت في ميدان التحرير فقرر النزول للميدان فورا وخوفا علي قلق زوجته كان يخفي عليها نزوله إلي الميدان ولكن يوم إصابته مر علي والدته ليودعها ويقبل يدها ولم يكن يعلم أنه كيف ستنتهي به الحال في هذا اليوم الذي تعرض فيه "شكري" لمأساة بشكل مأسوي تقشعر له الأبدان وتذهل له العقول. "شكري" شاهد بنفسه حالة الكر والفر من شارع محمد محمود حيث انتشرت الغازات وبدأ إطلاق النيران فحاول محمد تهدئة الوضع فوقع في وجه الضابط ليرفع يده ملوحا للتوقف مطالبا بمهلة لإنقاذ المصابين خاصة أن جثث الفتيات انتشرت ففوجئ بهذا الضابط يطلق عليه 7 رصاصات خرطوش مباشرة ما بين اثنين في البطن و2 لساقه اليسري ورصاصة في يده وواحدة استقرت في البنكرياس ليفقد الوعي تماما وينقل للمستشفي الميداني بعمر مكرم ومنها لمستشفي المنيرة العام. ظل محمد فاقدا للوعي أربعة أيام أجري خلالها جراحة واحدة ومنذ ساعات رفعت منه الخراطيم ولم يستطع احتساء كوب واحد من الماء لأكثر من أسبوع وبعد أيام سيجري جراحة ثانية لإخراج الرصاصة من البنكرياس ونتمني من الله أن تمر بسلام. يري شكري انه ليس نادما لإصابته أو نزوله للميدان لأنه "وقت الرجال" كما أوضح ويكفي ما شاهده من قوة وحزم الفتيات ولكن ما أحزنه هذا الضابط الذي أطلق عليه هذه الرصاصات لمجرد طلبه إيقاف الضرب. ويضيف انه علي الرغم من أن الغازات كانت كثيفة إلا انني استطيع تمييزه بين آلاف الضباط ويؤكد أنه لم ينفصل عن الميدان فهو ضد حكومة الجنزوري وهو ما يعتبره اختيارا خاطئا. ويستطرد قائلا إن مطلبه واحد و هو محاكمة القتلة قائلا: "حاكموا الفاسدين إنها أزمة مصر والمصريين إنهم لم ينالوا ثمار الثورة أين حق الشهداء ودماء المصابين التي أسيلت في الميدان". وعند سؤالنا محمد عن صندوق مصابي الثورة أشار أنهم جاءوا للزيارة التي لم تستمر أكثر من دقائق وأكدوا أنهم في انتظار الأشعة والبيانات وقاموا بتسجيل الأسماء ورحلوا في هدوء.