على أسرّة متجاورة بقسم الجراحة بمستشفى الدمرداش، يرقد العشرات من المصابين الذين سقطوا فى أحداث الكاتدرائية أمس الأول، لا يهتم أحدهم بمن يرقد إلى جواره، قدر اهتمامه بآلامه وجروحه، إدارة المستشفى قررت وضعهم جميعاً فى عنبر واحد، هنا يرقد المتراشقون بالحجارة وزجاجات المولوتوف وقنابل الغاز وطلقات الخرطوش والضحايا من الأهالى والمارة والشرطة، حيث يتلقون الإسعافات جنباً إلى جنب، معظم الإصابات بطلقات الخرطوش التى تناثر حشوها من البلى الحديدى على أجسادهم. شاب ثلاثينى يرتدى الزى الرسمى لأفراد الإطفاء، يرقد على سرير فى مدخل العنبر بمفرده، يضغط على أسنانه من شدة الألم، أحمد الذى لم يكن طرفاً فى الاشتباكات، تم استدعاؤه من مطافئ «العتبة» التى يعمل بها بسبب الحريق الذى اشتعل فى محطة الوقود المجاورة لمبنى الكاتدرائية، يتحدث موضحاً أنه وأثناء مشاركته فى عملية الإطفاء، تحركت سيارة الإطفاء التى كان يقف خلفها بسبب قذائف المولوتوف المتدفقة من داخل الكاتدرائية إلى الخلف وصدمته هو وأحد زملائه ويدعى حمادة، لحظات ويأتى الطبيب متسائلاً عن تذكرته الطبية التى دخل بها إلى المستشفى ويطمئن على حالته، سرعان ما يكتشف أنه لم يجر الأشعة المطلوبة، «أنا عاوز أروح مستشفى الشرطة» بهذه الكلمات طلب أحمد من الطبيب نقله من المستشفى، يطمئنه الطبيب «سوف نجرى لك الأشعة لكى نطمئن على المخ أولاً». بينما يجلس محمد إبراهيم السيد على كرسى فى إحدى طرقات المستشفى، الشباب العشرينى العائد من عمله، كما يدّعى، يروى شهادته عن الأحداث: «أثناء عودتى من العمل بمنطقة غمرة أصبت بطلق خرطوش فى عينى دون أن أعرف ما يحدث وليس لى علاقة بأى شخص»، خلع محمد قميصه الذى يرتدية ليغطى به عينه المصابة، معتقداً أنه يحافظ عليها من التلوث، يستأذن الشباب العشرينى أحد العاملين بالمستشفى لكى يتصل بوالده، الذى جاءه مهرولاً بعد مرور نصف ساعة، رجل ستينى العمر، يرتدى الجلباب البلدى، لا يدرى بالاشتباكات التى تحدث على بعد ثلاثة كليومترات من مبنى المستشفى، كانت أولى كلماته لابنه المصاب «مين اللى ضربك ياله» يتدخل أحد العاملين بالمستشفى فى الحديث قائلا للأب «حمد ربنا إنه كويس». بينما فى الخارج أمام مبنى المستشفى سيارات الإسعاف تكاد لا تتوقف عن العويل، ويكتفى قائدها بالانتظار لدقائق معدودة وسط فنائها، يتمكن خلالها اثنان من المسعفين من نقل المصاب من السيارة إلى داخل قسم الطوارئ، الذى يتوافد عليه المصابون من موقع الأحداث، مع سخونة الأحداث التى شهدت ذروتها فى الرابعة مساءً وحتى التاسعة مساءً، يزداد معها توافد المصابين إلى المستشفى، وبينما ينتظر العشرات من أهالى وأقارب المصابين فى فناء المستشفى بسبب إصرار أفراد الأمن بالمستشفى على مرافقة شخص واحد لمريض، وهنا بعض الأهالى الذين يتسارعون إلى رؤية المصابين داخل سيارة الإسعاف بمجرد وصولها، لرؤية أبنائهم، الذى عرفوا بإصابتهم من خلال اتصال تليفونى، لكنهم لم يجدوهم وسط المرضى كما تروى جميلة رضوان، أن أحد أصدقاء أبنائها اتصل بها وأخبرها أنه أصيب ونقلته سيارة الإسعاف إلى مستشفى الدمرداش، لكنها لم تجده وسط المرضى، وذهبت إلى المستشفى القبطى ومستشفى الشفاء لم يكن موجوداً وسط المصابين، ولا تعلم أين تبحث عنه، لتجبرها دموعها على الصمت.