على بعد أربعة كيلومترات شمال المسجد النبوي الشريف، يقف جبل أُحد شامخًا بصمته وجلاله، حارسًا لذاكرة التاريخ الإسلامي، وشاهدًا على واحدة من أشرس معارك السيرة النبوية، التي تحولت من واقعة عسكرية إلى رمز خالد للتضحية والثبات. يزور الجبل يوميًا آلاف الحجاج والمعتمرين، ممن يحرصون على المرور بمحطات النور في المدينةالمنورة، فيقفون عند سفح أحد، حيث وقعت معركة أُحد في السنة الثالثة للهجرة، بين جيش المسلمين بقيادة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وجيش قريش، التي جاءت للثأر بعد هزيمتها في بدر. مكان يحمل الدم والدموع تحول سفح الجبل إلى موضع حزين يحتضن رفات سبعين شهيدًا من الصحابة، أبرزهم سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب، عم النبي، الذي قُتل ومُثل بجسده في مشهد مؤلم لم ينسه رسول الله. ولا تزال مقبرة شهداء أحد بجوار الجبل حتى اليوم، محاطة بسياج، يزورها الناس للترحم وقراءة الفاتحة، في لحظات إيمانية مهيبة. اقرأ أيضا| «السياحة والآثار» تدفع بفرق متخصصة في المطارات لتيسير عودة الحجاج "جبل يحبنا ونحبه" لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يعتبر الجبل مجرد تضاريس، بل منحه مكانة خاصة في وجدان الأمة، فقال عنه: "هذا جبل يحبنا ونحبه"، وهي عبارة لا تزال تتردد على ألسنة الزوار، وتُمنح بها صفة المحبة لهذا الجبل الذي احتضن الصحابة واستمع لخطوات النبي. تعمل الجهات السعودية المعنية على تهيئة موقع الجبل ومحيطه لاستقبال الزوار ضمن مسارات الزيارات النبوية، مع الحفاظ على طابع المكان، الذي يمزج بين السياحة الدينية والتاريخية، كما وُضعت لوحات تعريفية بلغات متعددة تشرح المعركة وتُعرّف بالشهداء. الزوار: هنا يلتقي القلب بالتاريخ يروي الحجاج القادمون من مصر والدول الإسلامية أن زيارة أحد لحظة استثنائية لا تقل أهمية عن زيارة الحرم النبوي، فهي محطة للتأمل في معاني الصبر، وخسارة الأحبة، والثقة في نصر الله رغم الابتلاء، وتجمع أغلب الروايات على أن المشهد يحرك القلوب، خاصة حين تُستحضر كلمات النبي وصبره على فقد الأحبة. ويحرص الحجاج والزوار خلال رحلتهم في المدينةالمنورة على زيارة جبل أحد ضمن برنامج الزيارات الدينية، حيث يتوجهون إلى الموقع في مجموعات منظمة، ويقفون أمامه بخشوع، مستذكرين المعركة وما وقع فيها من تضحيات عظيمة. يتوقف الحجاج للدعاء والترحم على الشهداء، ويلتقطون الصور التذكارية بجوار الجبل، الذي بات جزءًا من ذاكرة الرحلة الإيمانية، وواحدًا من أبرز المعالم الروحية التي تربط الماضي بالحاضر في وجدان كل مسلم. أحد.. ليس مجرد جبل إنه ذاكرة الأمة، وسجل حي لصراع الإيمان والباطل، ومرآة لعظمة النبوة وصدق الرسالة. فكل من مرّ من هناك، لم يغادر إلا بشيء من الدموع، والكثير من العبر.