منذ اندلاع العدوان الإسرائيلي المتكرر على قطاع غزة، تتعالى دعوات الشعوب العربية والإسلامية لإرسال "قوافل فك الحصار"، محمّلة بالأدوية، والغذاء، والنشطاء. وهي قوافل غالبًا ما تتجه إلى معبر رفح، البوابة الوحيدة التي لا تخضع لسيطرة الاحتلال، بل لإدارة الدولة المصرية. وعلى الرغم من النوايا الطيبة التي تدفع هذه القوافل، فإن الواقع الأمني والسياسي يُحتم علينا طرح سؤال شائك: هل هذه القوافل فعلًا تُساعد؟ أم أنها تُربك الحسابات المصرية وتُعرض الأمن القومي للخطر؟ التضامن غير المسؤول التضامن مع الفلسطينيين لا خلاف عليه، بل هو واجب وطني وعربي. لكن ما نراه من بعض القوافل "الشعبية"، القادمة من دول وجهات مختلفة، لا يرقى إلى أن يكون عملًا إنسانيًا خالصًا. كثير منها يحمل في طيّاته أجندات سياسية، واستعراضات إعلامية، وتنظيمات مشبوهة تحاول تمرير رسائل سياسية مناهضة لمصر نفسها. هل ننسى ما حدث في قافلة "شريان الحياة" عام 2010، حين تحولت المساعدات إلى استعراض سياسي شارك فيه عناصر من تنظيم الإخوان ومناصرون لحركات ذات طابع راديكالي؟ هل نغفل عن توثيق محاولات اختراق هذه القوافل من جهات استخباراتية أو متطرفة؟ أم نتغافل عن تحول بعض هذه القوافل إلى منابر لاتهام مصر بالتواطؤ، والتشكيك في سيادتها على أرضها وحدودها؟ مصر ليست ممرًا مفتوحًا مصر ليست دولة عبور للمغامرين السياسيين فهي تتحمل عبئًا مضاعفًا من جهة، تؤمّن المعبر الإنساني الوحيد لغزة ومن جهة أخرى، تُحارب خلايا إرهابية نشطة في سيناء، تسعى لتخريب الداخل المصري وتفكيك بنيته الاجتماعية والأمنية. فتح الباب على مصراعيه لهذه القوافل العشوائية، بلا رقابة ولا تنسيق، يعني السماح بدخول عشرات، وربما مئات الأشخاص، دون التأكد من خلفياتهم، أو دوافعهم، أو حتى من يمولهم ..الأمن القومي ليس ورقة تفاوض، ولا مجالًا للمجازفة. هل يجوز أن نعرّض أراضينا وحدودنا للخطر من أجل صورة في الإعلام، أو تغريدة متحمسة؟ حروب الجيل الخامس: القافلة ليست بريئة دائمًا نحن في عصر تُخاض فيه الحروب بالصور، والكلمات، والسوشيال ميديا حيث أن بعض القوافل ليست أكثر من أدوات ضغط ناعمة، تعمل على إحراج الدولة المصرية، واتهامها بالخذلان، رغم أن مصر قدّمت لغزة ما لم تقدمه دولة أخرى. تُظهر القافلة نفسها ضحية، وتُحمّل مصر مسؤولية إغلاق المعبر، بينما لا تذكر شيئًا عن الحصار الإسرائيلي الكامل برا وبحرا وجوا وفي كل مرة، تُستخدم هذه القوافل في حملات التشويه، بينما تتجاهل الجهود الحقيقية التي تبذلها القاهرة لتأمين دخول المساعدات بشكل منظم وآمن. دعم فلسطين لا يعني استباحة مصر الوقوف إلى جانب غزة لا يعني السماح بالفوضى والدفاع عن القضية الفلسطينية لا يمر عبر تجاهل سيادة الدولة المصرية، ولا من خلال تكرار الأخطاء التي أوصلتنا إلى فوضى 2011 ومن حق الدولة أن تُشرف على كل ما يدخل ويخرج عبر حدودها، لا لحماية نفسها فقط، بل أيضًا لحماية أمن غزة من الاختراق، ولبقاء الدعم الحقيقي بمعناه لا بشكله. خلاصة القصة الهزلية: لسنا ضد دعم أهلنا في غزة، ولسنا في موقع التخلي عنهم، لكننا أيضًا لسنا مضطرين لفتح أبوابنا لأجندات مشبوهة ترتدي عباءة الإنسانية إذا كان لا بد من قوافل، فلتكن عبر التنسيق الرسمي الكامل، وتحت إشراف الدولة غير ذلك، فهو عبث.. قد يُدفع ثمنه من دماء المصريين، باسم التضامن!