من العجيب حقاً أن يطالب البعض سواء داخل مصر أو خارجها بالإبقاء علي الأنفاق السرية التي حفرها الفلسطينيون تحت خط الحدود المصرية مع غزة. فهؤلاء يتجاهلون عمدا حقائق كثيرة.. يتجاهلون أن هذه الأنفاق ليست كما يرددون هي شريان الحياة الوحيد أمام أهل غزة الذين يتعرضون لحصار قاس وجائر فرضه الإسرائيليون عليهم بعد أن استولت حماس علي غزة فالأغلب الأعم من السلع الغذائية التي يعتمد عليها أهل غزة هي سلع إسرائيلية وليست مصرية، والاقتصاد الفلسطيني سواء في الضفة الغربية أو غزة حتي بعد سيطرة حماس عليها مشتبك مع الاقتصاد الإسرائيلي سواء في السلع والمنتجات أو الخدمات وفي مقدمتها خدمة الكهرباء. كما أن الأزمة الأكبر التي يعاني منها أهل غزة ليست في الغذاء، إنما هي أساسا في مواد البناء الأساسية والطاقة، وهذا ما يعطل حتي الآن إعادة بناء ما تم تدميره خلال العدوان الإسرائيلي البشع علي غزة قبل عام مضي، أما المستلزمات الطبية فإنها لا يتم توفيرها من خلال الأنفاق السرية إنما من خلال معبر رفح بشكل دائم ومستمر. أيضا يتجاهل هؤلاء أن الأنفاق السرية التي لا تعلمها الدول الداعمة ليست هي -من خلال الخبرات التاريخية- الوسيلة لتقديم المساعدات العسكرية لأي حركة تحرر وطني أو الدعم اللوجيستي، علي حد تعبير حسن نصر الله في تبريره لتشكيل خلايا سرية لحزب الله في مصر. التاريخ يقول: إن المساعدات لا تقدم من قبل أي دولة لحركة تحرر وطني بدون علمها أو من خلال انفاق سرية يتم حفرها تحت أراضيها لا تعلم عنها شيئاً. كل الدول التي قدمت دعما أو مساعدة لحركة تحرر وطني قدمتها بإرادتها وبعلمها وليس من وراء ظهرها.. فكيف يطلب أحد أن تبقي الأنفاق السرية مفتوحة ليحصل منها الفلسطينيون علي المساعدات المصرية أو غير المصرية بدون علم الدولة والإدارة المصرية؟ كما يتجاهل هؤلاء أن مصر لا تغلق معبر رفح وتتحمل علي مسئوليتها الخاصة فتح هذا المعبر ليس فقط أمام عبور البشر في الاتجاهين كما يقضي الاتفاق الخاص بهذا المعبر، إنما أيضاً لعبور المساعدات الغذائية والطبية.. وطوال العام السابق فتح المعبر علي فترات منتظمة بلغت نحو المائة يوم.. حدث ذلك رغم ضيق الإسرائيليين وعدم ترحيب الأمريكيين والأوروبيين الذين من المفروض أنهم يشاركون في إدارة هذا المعبر من الجانب الفلسطيني، وأيضاً عدم ترحيب السلطة الفلسطينية التي تري أن فتح هذا المعبر بهذا الشكل إنما يكرس انقساما فلسطينيا بغيضا ويؤخر مصالحة فلسطينية ملحة وضرورية. وهذا يعني أن مصر من أجل تقديم المساعدات اللازمة والضرورية لأهل غزة تقوم هنا بمخاطرة محسوبة أعلت فيها مصلحة الفلسطينيين علي كل الاعتبارات الخاصة بعلاقاتها الدولية وتحديدا مع الأمريكيين والأوروبيين . إذن.. أنا أفهم أن يطالب البعض بزيادة عدد الأيام التي تفتح فيها مصر معبر رفح.. بل أفهم أن يطالبوا بفتحه بشكل دائم بالمخالفة للاتفاق الفلسطيني الذي ينظم العبور فيه، وحتي ولو كانوا يعلمون أن ذلك سيعرض مصر لمشاكل في علاقاتها مع الولاياتالمتحدة وعدد من الدول الأوروبية.. ولكن لا أفهم ولا يمكن أن أفهم أن يطالب البعض الآخر باستمرار الأنفاق السرية المحفورة تحت الحدود المصرية مع غزة، عندما يطالبون بوقف الإنشاءات الهندسية التي تقيمها الدولة المصرية الآن حتي تستعيد سيطرتها علي هذه الحدود، مثلما تسيطر علي باقي حدود مصر الدولية. لماذا كل هذه الضجة حول هذه الإنشاءات الهندسية التي تستهدف غلق الأنفاق السرية، بينما لم نجد استنكاراً أو رفضا واحدا للاستنفار السعودي لحماية حدودها ومنع تسلل الحوثيين إليها؟ هل السعودية حينما تصدت للمتسللين الحوثيين قامت بذلك تحت ضغط الولاياتالمتحدة؟ أو هل كفرت السعودية حينما طاردت الحوثيين علي حدودها مع اليمن؟ إذا كان السوريون وغيرهم أيدوا حق السعودية في الدفاع عن حدودها مع دولة عربية أخري شقيقه.. فلماذا يستنكرون علي مصر حقها في ذلك؟ لقد كان المتصور أن تبادر حماس التي تسيطر علي غزة بمنع حفر هذه الأنفاق لا أن تطالب باستمرارها كما صرح بذلك خالد مشعل مؤخراً. ونستكمل غداً إن شاء الله.