في تطور غير مسبوق في تاريخ البشرية تتعرض مصر حاليا لحملة مسعورة من بعض القوي الاقليمية المتحفزة للقفز علي دورها . والباحثة عن مكانة أكبر من حجمها لدفع مصر للتغاضي عن مهمتها الرئيسية لحماية حدودها بالطريقة التي تراها سليمة وتحفظ أمنها.فمنذ أسابيع قليلة استغل البعض مازعمته صحيفة إسرائيلية عن أن مصر تبني جدارا فولاذيا تحت الأرض في المنطقة المتاخمة للحدود مع قطاع غزة وبرغم أن القاهرة نفت القيام ببناء مثل هذا الجدار موضحة أن ماتقوم به هو تشييد منشآت هندسية إلا أن قوي إقليمية بعينها اعتبرت أن ماقالته الصحيفة الإسرائيلية قرآنا لا يأتيه الباطل وحقيقة لاتحتمل التكذيب, وبدأت شن حملة عالمية ضد مصر بزعم أنها تعمل علي خنق سكان غزة من خلال إغلاق الأنفاق التي تربط القطاع بمصر. وزاد البعض في حدة موقفهم فقالوا إن هذا الجدار يخدم فقط مصالح إسرائيل وهذه أكذوبة يعلمون أنها غير حقيقية لأنه لو كان ماتقوم به مصر من انشاءات هندسية في شمال سيناء يخدم إسرائيل ماتجرأت صحيفة إسرائيلية علي الحديث في هذا الموضوع. فكل متابع للشأن الإسرائيلي يعلم تماما أنه ما من خبر يجري نشره في إسرائيل لايخضع للرقابة خاصة من جانب الاستخبارات العسكرية, وبالتالي فلو كان هناك جدار فولاذي تبنيه مصر وتستفيد منه إسرائيل ما تجرأ إعلامي إسرائيلي واحد علي الحديث في هذا الموضوع. والمسألة الأخري التي تبين أن من يقومون بالحملة ضد مصر يعرفون الحقيقة وهي أن الصحيفة الإسرائيلية زعمت أن طول الجدار الفولاذي يصل الي10 كيلو مترات وهذا يعني أن مثل هذا الجدار لن يغطي كامل الحدود بين مصر وغزة, وبالتالي لن يؤدي الي اغلاق كل الأنفاق ومنع التهريب كما يقولون. أما النقطة الثالثة التي يتجاهلها أصحاب الحملة المسعورة فإنها تتمثل في حقيقة أنه لو أرادت مصر إغلاق الأنفاق مع غزة لكان من السهل عليها حفر خندق عميق بطول الحدود وبدون استخدام ألواح فولاذية مخصوصة كما يقولون, بل كان من الممكن خنق الانفاق من خلال منع وصول السلع والبضائع الي شمال سيناء بشكل يزيد علي احتياجات السكان. وفيما يتعلق بمسألة الأنفاق وحدها فإن مجرد بقائها يمثل ضررا هائلا بالشعب الفلسطيني, لأن الطبيعي أن تدخل السلع والبضائع غزة عن طريق المعابر القانونية للقطاع خاصة المعابرال6 التي تربط القطاع بإسرائيل والضفة الغربية لأنه طبقا للقانون الدولي فإن غزة مازالت تحت الاحتلال وبالتالي فإن القوة المحتلة ملزمة بتوفير كل سبل المعيشة والتنقل للمواطنين الخاضعين للاحتلال. معني ماسبق هو أن الضغط علي مصر للإبقاء علي الأنفاق لايستفيد منه سوي إسرائيل لأنه يعفيها من القيام بواجباتها كقوة محتلة تجاه سكان الأراضي المحتلة وهو مايخالف القانون الدولي, ولو بذل القائمون علي الحملة ضد مصر نصف المجهود الذي يبذلونه لتشويه سمعة مصر والمصريين ضد إسرائيل وعملوا علي تهييج العالم ضد تل أبيب كما يفعلون مع مصر لاضطرت إسرائيل صاغرة لرفع الحصار عن القطاع. كما أن هؤلاء العابثين بالأمن القومي العربي لمصالح مشبوهة كان من الأولي بهم أن يضغطوا علي الفصائل الفلسطينية من أجل إتمام عملية المصالحة الفلسطينية فإسرائيل المستفيد الوحيد من الانقسام الفلسطيني الداخلي وكل يوم يمر يترسخ فيه هذا الانقسام وتترسخ فيه مكاسب إسرائيل التي لم تخف يوما رغبتها في إلقاء المسئولية الخاصة بغزة علي عاتق مصر, وربط اقتصاد القطاع بالاقتصاد المصري لأن ذلك سيعفيها من استحقاق كبير سيفرض عليها في حالة التوصل لاتفاق سلام مع الفلسطينيين يتمثل في ضرورة ربط غزة بالضفة عن طريف نفق سيارات أو طريق بري حيث تفصل بين الضفة وغزة أراض تحت السيطرة الإسرائيلية. والنقطة الهامة الأخري هي أن الأنفاق باتت تمثل بالفعل خطرا علي الأمن القومي ليس لمصر فقط ولكن لغزة أيضا, فوجود حوالي الف نفق بين الأراضي المصرية والقطاع جعلها خارجة عن سيطرة مصر وحتي حماس التي تحكم القطاع. والحقيقة الأهم هي أن الأنفاق تحولت من ثقوب في الأرض الي ثقوب في الأمن, فعن طريقها يسهل تحرك الارهابيين سواء لاستهداف مصر أو حتي لاستهداف سلطة حماس في غزة والتي يعتبرون أنها لم تطبق شرع الله كما يتصورونه, فكثرة الأنفاق جعلت القطاع ملاذا لأي خارج عن القانون ومايحدث من الجماعات السلفية الجهادية في غزة خير دليل علي ذلك, كما أنها تسببت في إغراق القطاع بالمخدرات وخلقت طبقة من أثرياء الموت الذين كونوا ثرواتهم نتيجة التهريب ولايهمهم تحرير فلسطين أو مصلحة الشعب الفلسطيني, ولكن فقط مصالحهم الذاتية ولذا لم يتورعوا عن تدمير الاقتصاد الفلسطيني خدمة للمصالح الإسرائيلية وجعل الأنفاق عبارة عن ثقوب في الأمن القومي لمصر وفلسطين معا.