** سوف تظل قصة المناضلة المصرية الدكتورة حكمت أبوزيد ماثلة في ذاكرة الأجيال. ومثالاً يحتذي به في قوة الإرادة وعشق الوطن والتحدي. فقد اختلفت تلك المثقفة المستنيرة مع الرئيسين عبدالناصر والسادات فاذا بها تدخل التاريخ وتصبح أول امرأة عربية تدخل الوزارة وتصعد إلي قمة المجد والشهرة في أعقاب خلافها مع عبدالناصر أثناء مناقشة مشروع الميثاق الوطني عام 1962. وبعد خمسة عشر عاما بالتمام والكمال تعترض علي الرئيس السادات لإقدامه علي الصلح مع إسرائيل فيتم تجريدها من الجنسية المصرية وتصادر أملاكها وحريتها في آن واحد وتوجه إليها أبشع الاتهامات وفي مقدمتها الاتهام بخيانة الوطن لتضطر إلي المغادرة وتعيش لاجئة سياسية بامتداد سبعة عشر عاما قضت معظمها في الشقيقة ليبيا قبل أن يعيد لها القضاء المصري اعتبارها وتسترد جنسيتها المصادرة وتعود إليها أملاكها وكرامتها ويشهد مطار القاهرة يوم الثاني من مارس عام 1992 خروجها من قاعة كبار الزوار مرفوعة الرأس لتتجه مباشرة إلي ضريح عبدالناصر لتقرأ الفاتحة تماما مثلما فعل المفكر اليساري محمود أمين العالم من قبل. فقد جرده السادات أيضا من الجنسية المصرية فهاجر ثم عاد ليقرأ الفاتحة. الفارق الوحيد بينهما انه كان شديد الاختلاف مع عبدالناصر وتم اعتقاله في عهده. بينما كانت الدكتورة حكمت أبوزيد ناصرية حتي النخاع ومازالت - شفاها الله - ومتعها بالعمر المديد.. وفي أول حوار صحفي معها بعد عودتها إلي أحضان الوطن أكدت الدكتورة حكمت أبوزيد ان خلافها مع الرئيس السادات لم يكن خلافا شخصيا ولكنه خلاف حول ثوابت وطنية فعندما بدأ السادات عملية الصلح مع إسرائيل شعرت أننا لا يمكن أن نتجاوب مع هذه الفكرة فكيف نعقد صلحا مع كيان عنصري يعد العدو الأبدي لنا. لأن الصراع مع إسرائيل صراع وجود وليس صراع حدود. ** ارتبط اسم الدكتورة حكمت أبوزيد بالعطاء بلا حدود لقضايا الوطن وفي مقدمتها القضايا الاجتماعية ومنها "مشروع الأسر المنتجة والأسر البديلة" المعروف بالقانون رقم "64" لسنة 1964 والذي استلهمته من تجربة سيريلانكا ويهدف إلي تحويل الأسرة الفقيرة إلي أسرة منتجة بدلاً من أسرة تتلقي الاعانات ونظرا لنجاح هذا المشروع فقد اعتمدته الأممالمتحدة كمشروع نموذجي يمكن تطبيقه في المجتمعات الأخري وخاصة بدول العالم الثالث. وسوف يذكر التاريخ للدكتورة حكمت إنجازاتها العظيمة من خلال الاشراف علي تهجير أهالي النوبة الذين تعرضت قراهم للغرق نتيجة تعلية خزان أسوان إلي قري مشابهة لقراهم الأصلية حتي لا يشعروا بأي غربة. وتواصلت معهم إلي أبعد الحدود. ولذا كان طبيعيا أن يطلق عليها عبدالناصر لقب "قلب الثورة الرحيم".. وإضافة إلي تلك المشاريع التاريخية يحسب لها عظيم دورها في ضم مؤسسات رعاية الأحداث لوزارة الشئون الاجتماعية بعد أن كانت تابعة لوزارة الداخلية ومشروع توطين البدو في سيناء ومشروعها الحضاري عام 1976 بدعم أسر الشهداء والمقاتلين والاشراف علي نقل الجرحي والمقاتلين من الجبهة أثناء حرب الاستنزاف وتعرضها للقتل عندما كانت في طريقها للجبهة بصحبة الموسيقار مدحت عاصم في سيارة جيب فكم تفاعلت تلك الصعيدية الثائرة مع المجتمع فتفاعل معها وأصبح اسمها محفوراً بذاكرة الأمة أمس واليوم وغداً. ** آخر الكلام : ولدت حكمت أبوزيد محمدين في احدي قري محافظة أسيوط عام 1920 وعندما بلغت الثانية والأربعين من عمرها صدر القرار الجمهوري في سبتمبر من عام 1962 باختيارها وزيرة للشئون الاجتماعية لتصبح بذلك أول سيدة في العالم العربي تتولي منصباً وزارياً وما بين مولدها واختيارها للوزارة تخرجت في كلية الآداب جامعة القاهرة عام 1944 وتخصصت في العلوم الانسانية والاجتماعية قبل أن تحصل علي درجتي الماجتسير والدكتوراة من لندن ما بين عامي 1950 و1955 وفور عودتها إلي مصر انضمت إلي هيئة التدريس بكلية البنات جامعة عين شمس وبعد أن غادرت الوزارة عادت للتدريس بالكلية التي تخرجت فيها أستاذه لعلم الاجتماع بآداب القاهرة وفي عام 1972 اختيرت رئيسا للمركز القومي للبحوث الجنائية والاجتماعية بامتداد ثلاث سنوات وقبل عودتها من منفاها في ليبيا كرمها الزعيم الليبي معمر القذافي بمنحها "وسام الفاتح العظيم من الطبقة الأولي" والذي لا يمنح إلا لرؤساء الدول كما كرمها الملك الحسن الثاني عاهل المغرب الراحل باقامة احتفالية مهيبة وأهداها سيفاً من الذهب الخالص "السيف الذهبي" ومنه نسختان فقط. الأخري تخص الملك نفسه - وبالأمس القريب ساءت حالتها الصحية فبادرت السيدة سوزان مبارك حرم رئيس الجمهورية بارسال وفد نسائي رفيع المستوي للاطمئنان عليها وتلبية كافة احتياجاتها باعتبارها صفحة مشرقة في تاريخ المرأة العربية المعاصر.