رغم أن عمرها يتجاوز التسعين.. إلا أنها تتمتع بوعي كامل وذاكرة قوية.. دفعت جريدة المصري اليوم لمحاورة السيدة حكمت أبو زيد التي تحتفظ بلقب أول وزيرة مصرية. ابنة أسيوط التى حوّلها خلاف فى الرأى مع الرئيس جمال عبدالناصر عام 1962 إلى وزيرة شئون اجتماعية ومسئولة عن ملف تهجير النوبيين لإتمام مشروع السد العالى، وحوّلها خلاف فى الرأى أيضا إلى لاجئ سياسى دون جنسية ومتهمة بالخيانة العظمى بسبب معارضتها مبادرة السلام للرئيس محمد أنور السادات. بين الخلافين برزت "حكمت" بعدد من المشروعات التى لاتزال مستمرة إلى الآن، مثل مشروعات الأسر المنتجة والرائدات الريفيات والنهوض بالمرأة الريفية وحصر الجمعيات الأهلية وتوسيع أنشطتها وخدماتها التنموية. وهذا بعض مما جاء في الحوار: باعتبارك مسؤولة ملف التهجير النوبى كيف بدأ المشروع.. وهل أنت راضية عن الحال الذى انتهى إليه؟ درسنا حينها عملية تهجيرالنوبيين بشكل دقيق ولم يكن قرارا اعتباطيا، وما يقال الآن عن عمليات التهجير مجرد كلام ليس له سند من الحقيقة. وقت التهجير كانت الظروف فى القرى النوبية جيدة جدا، وكانت مناسبة للسكن لحين الانتهاء من السد العالى، وعلى الرغم من حشد كل الجهود من أجل التسليح، إلا أننا تمكنا من بناء السد العالى وأنشأنا تلك القرى. البعض يتهم الرئيس عبدالناصر بالمسؤولية عن الإهمال الذى لحق بالنوبيين باعتباره صاحب القرار؟ عبدالناصر ليس مسؤولا عن الإهمال المتراكم الذى أصاب قرى التهجير بعده، لأنه كان مسؤولية من جاءوا بعده. القضية الآن يتم اختزالها فى عبدالناصر على الرغم من أنه قال ذات مرة: نحن لكم كالأنصار للمهاجرين. يقال إن عبدالناصر كان يفضل اختيار "وزراء الثقة" على "وزراء الكفاءة".. من أى فريق أنت؟ عبدالناصر لم يختر وزراء حكوماته بشكل عشوائى، لم يكن سطحيا فى اختياراته، كان يفتح نقاشات واسعة مع مثقفين وأعضاء الاتحاد الاشتراكى، لم يكن ديكتاتورياً كما يقال عنه الآن، بدليل أننى عندما اختلفت معه على أحد الأمور فى الميثاق الوطنى، استمع لرأيى وفوجئت بعدها بقرار تعيينى كأول وزيرة فى مصر لأنه كان يهمه طريقة التفكير ومدى تطبيق النظريات على أرض الواقع. لماذا اختلفت مع عبدالناصر؟ ابتسمت وقالت: كان الاختلاف وقتها للمصلحة العامة للبلد، لم يكن لمجرد إثبات الذات، وكان موضوع حماس الشباب للميثاق الوطنى واضحا وكبيرا فى مجتمع منشغل بالقضايا الوطنية الكبرى، الحماس وقتها كان عن معرفة ودراية بأوضاع الوطن. ما سر خلافك مع السادات؟ لن أتحدث فيه طيلة حياتى نظرا لقسوة تفاصيله، الآن انتهى الموضوع من كل الجوانب حتى القضائى منها، وتمت تبرئتى من كل تهم الخيانة العظمى، وأعيدت إلىّ جنسيتى المصرية رسميا عام 1992، عدت بشوق للوطن لكن ما هون علىّ غربتى أننى كنت فى دولة من دول الوطن العربى، النظرة للمواطن العربى وقتها دون معرفة جنسيته كانت هى النظرة الغالبة، كنا نشعر بكرامتنا كمواطنين ولا نفرق بين شعوب البلدان العربية. ما الذى تغير فى مصر؟ تغيرت مصر عن أيام الستينيات كثيرا، لم يعد التسامح موجودا.. الجزائر فى يوم من الأيام كانت تدرس معنا مشروع تهجير أهالى النوبة، كان المشروع الأكبر وقتها للتعاون بين البلدين، وكنا نناصر الجزائر فى حرب تحريرها، ولا أفهم سببا وجيها للفجوة التى حدثت بيننا وبين الشعوب العربية سوى تغير النفوس والأهواء والسياسات أيضا.