مع ان صاحب شركة المقاولات لم يتزوج. بالرغم من حالة اليسار التي يعيشها. فإن احدا لم يسأل نفسه: لماذا هو فاشل عاطفيا. ولم يفلح في الدخول الي عش الزوجية.. ألم يجد بعد هذا العمر الطويل من بين بنات حواء. من تعجبه وتملأ عينيه؟ لكن الحقيقة التي اكتشفتها آخر ضحاياه. انه مقاول تخصص في هدم البيوت العامرة. والأسر التي كانت سعيدة ومستقرة. قبل ان يضرب بمعوله في جدرانها. كانت شكوي عادية جداً "نفست" بها "فادية" عن نفسها. في مجلس جمعها بابن خالتها "المقاول".. فالأمر مجرد خلافات تنشب بين كل الأزواج. مهما اختلفت طبقاتهم الاجتماعية. أو مستواهم الثقافي والتعليمي. لكن "ابن الخالة" اندفع يدلو بدلوه في المشكلة. تحركه نوازع من الحقد الدفين. علي كل معارفه واقاربه اللاتي وجدن شريك العمر. ويهنأن بالاستقرار في "بيت العدل". علي الفور بدأ غرس بذور الفتنة والتمرد.. قال لها بحماسة ليس لها نظير: "والله ما يستاهلك.. انت فين وهو فين". قالت: لكن الحق يقال. الرجل لم يبخل عليّ بأي شيء. وكل مابين يديه اعطاه لي. حتي شقة الزوجية التمليك سجلها باسمي. بدون ان اطلب منه شيئاً. رد: كيف تتملكين عن شقة. مثلك تستحق قصراً فيه خدم وحشم. وزوج ثري يغرقها في العز والنعيم.. لكن حظك قليل. وخالتي "الله يسامحها" تعجلت في هذه الزيجة. مع ان افضل منه كانوا يتمنون التراب الذي تسيرين عليه. لكنها القسمة والنصيب. كانت هذه أول مرة يلمح فيها بأنه كان يحبها. ويعيش معذباً ومتحسراً علي فراقه عنها.. بل وربما لم يتزوج حتي الآن. بعد ان ضاعت منه. وذهبت لغيره. .. شردت "فادية" بذكرياتها الي الماضي. عندما كان قلبها يخفق بالحب لابن خالتها. ولطالما حاولت ان تجره اليها. لكنه كان دائماً مشغولاً بعمله عمن سواه. وكأن قلبه لم يخفق بالحب ابداً. وظلت ترفض عريسا وراء الآخر. في انتظار ان يأتي فارس الاحلام. ليخطفها في سيارته الفخمة. ويحملها الي شقة طويلة عريضة. في إحدي العمارات التي يشيدها.. لكنه لم يتحرك ابداً. حتي انه كان يتعمد ان يطيل غيبته. ويقطع تليفوناته. كلما سمع ان عريسا تقدم طالبا يدها. تذكرت يوم جاءها زوجها الحالي يطلب يدها. ووجدت فيه اسرتها انه الزوج المثالي. الذي لا يجب ان يرفضوه. من اجل رغبة يبدو انها لن تتحقق ابداً.. لم يكن وقتها شابا ثرياً. لكنه "مستور" وجاهز. ويستطيع ان يوفر لها حياة كريمة.. ناهيك ان مستقبله يبشر بالخير.. وعصفور في اليد ولا عشرة علي الشجرة. كان الشاب يملك ميزة اضافية. انه يحبها ويتمسك بها. ويكفي انه تشجع ودخل الحلبة التي خشي كثيرون المغامرة فيها. منعا للاحراج الذي ناله من سبقهم.. بجانب انه عرض عليهم كل ما يملك. ولم يطلب منهم شيئاً علي الاطلاق. وطلبوا مهلة للتشاور. كانت هذه "المهلة" مطلوبة لجس نبض ابن خالتها. فربما لو عرف ان منافسا عنيداً دخل الحلبة. سوف يتحرك ويترك حالة "اللا سلم واللا حرب" التي يعيش فيها. لكن الرجل لم يتحرك. أو يتزحزح عن موقفه.. بل أمعن في الغياب والاختفاء. ولم تفلح وسائل التلميح والتصريح. في اخراجه عن صمته الرهيب. يومها شعرت فادية بالاحراج من نفسها. اذ كيف ترهن مستقبلها في يد رجل لا يفكر فيها.. ولا في غيرها.. وكل قصص الحب التي اشيع انه دخل فيها. كانت دائماً غامضة وتنتهي بالفشل. فقبلت العريس الذي لم تسعه الدنيا من الفرحة. وبذل كل ما في وسعه لإرضائها هي واسرتها. حتي انه اشتري شقة تمليك وسجلها باسمها.. وفي عش الزوجية انجبت ابناءها الثلاثة.. صحيح انه كانت تقع بينها وبين زوجها خلافات. وتتجمع بعض السحب في سماء حياتها الزوجية. لكنها كانت تنقشع بسرعة. لأنها لم تكن خلافات جوهرية. أو ذات قيمة تستحق ان تهدد مستقبل الأسرة والأولاد. هزت رأسها في حيرة. فلم تجد في تصرفات ابن خالتها يوما. ما يفيد انه يريدها شريكة حياته. لكنها هادت لتقول لنفسها: ولم لا.. الإنسان لا يعرف قيمة ما في يده إلا بعد ان يفقده.. وربما ابن خالتي يعيش الآن في هذه المرحلة. شعرت بالرضا. عندما خرجت من شرودها بهذا الرأي. فابتسمت في وجه فارس الاحلام. العائد من الماضي الجميل الذي اثني علي ابتسامتها.. "ضحكتك نورت الدنيا".. قالها المقاول الثري. بعدما ادرك انه دخل علي الخط. وعاد للملعب من جديد. والفرصة امامه ليمارس هوايته. في إشعال القنابل التي ستهدم البيت.. فهذا تخصصه أخذ ينفخ في النار التي تحت الرماد. حتي تأججت وارتفعت ألسنتها.. حرضها ضد زوجها. الذي كان زواجها منه اكبر غلطة في حياتها. لأنه لا يستحقها وليس كفؤا لها. ولا في مستواها فكانت كلما التقته.. او اتصلت به هاتفياً. تنقلب ضد زوجها 180 درجة. الزوج المحب يتجمل بالصبر. فليس في جعبته غيره. مؤملا انه يملك الكفة الراجحة. وهي الأولاد. فهي لن ترتكب حماقة من اجلهم. اعلنت التمرد. فقد ظل مقاول "الهدد" لأيام واسابيع. ينفخ في "البالونة" حتي انفجرت.. وتحقق له مراده بهدم البيت. وبعد ان نجح في مهمته علي أكمل وجه. اختفي تماماً. وكأنه تبخر في الهواء.. فكل احلامه تتوقف عند مغازلة النساء. والحديث اليهن فقط.