الرئيس الأمريكي السابق بوش قرر في كتابه نقاط القرار أن يعلق أخطاءه علي شماعات الآخرين.. في كل ورطة وأخري يبحث بشتي الطرق عن وسيلة يبرئ نفسه بها. لكنه وبدلاً من أن يخرج من الكارثة مثل الشعرة من العجين يقع في المطب ويلف الحبل حول رقبته.. باختصار الرئيس الأمريكي السابق تصرف في كتابه الأخير "بتلويش" شديد. فكان أشبه بالقطة المحروقة بجاز وتجري في حقول القمح. ومن بين تلويشاته وشطحاته في الكتاب ما ذكره من أن الرئيس مبارك حذره من امتلاك صدام حسين لأسلحة بيولوجية قبل الغزو الأمريكي للعراق. وكأنه يراهن في سذاجة علي أن المجتمع الدولي مصاب بالزهايمر وبالتالي فقد نسي تحذيرات الرئيس مبارك العلنية والمتتالية. والتي يحذر فيها الرئيس الأمريكي صراحة ومعه كل المسئولين الأمريكيين من الإقدام علي غزو العراق لأن تلك -بخلاف انها جريمة دولية وكبوة خطيرة فإنها- مهمة غير سهلة حيث سيواجه بمقاومة شديدة وعنيدة يستخدم فيها العراق كل ما في حوزته من أسلحة وعتاد. ومثلما حذر الرئيس مبارك بوش الابن من مغبة غزو العراق. فعل كل ما عليه لتنبيه بوش الأب. حيث وجه إليه الدعوة لزيارة مصر. وقال له ذات التحذير والمخاوف من الغزو مبديا تطلعه لنقلها إلي الرئيس الابن لإثنائه عن موقفه. لكن بوش الابن لم يستمع إلا إلي صوته. وفعلها. والطريف أنه يعترف صراحة في كتابه بأنها كانت "أم الغلطات التي ارتكبها". وهذا ما يتضح بسهولة لكل من يقرأ كتابه نقاط القرار.. ففي مذكراته والتي أفرد لها حوالي 497 صفحة وجدناه يخصص مساحة كبيرة فيها لأخطائه في الحملة التي سبقت غزو العراق وعدم العثور علي أسلحة دمار شامل بعد أن كانت كل التقارير الاستخباراتية تؤكد أن الرئيس العراقي صدام يمتلكها! وهنا يعترف بوش بالخطأ الجسيم ويقول بعظمة لسانه: "كنت أكثر من أصيب بالصدمة والغضب عندما لم نعثر علي الأسلحة. وينتابني شعور مقزز كلما فكرت بالأمر.. ولا أزال"! شيء جميل أن يعترف الرئيس بوش بفداحة الخطأ. الذي جعله -علي حد كلامه في الكتاب- يصاب بالصدمة والغضب. لأن حملته لغزو العراق والتي صدع بها الكون كله جاءت علي فشوش. وقامت بناء علي بلاغ كاذب من أجهزته وتقاريره الاستخباراتية التي ترصد كل شاردة وواردة علي ظهر البسيطة وتعرف أين وضعت كل نملة حملها! فكل هذا جميل. والاعتراف بالحق بداية الطريق للصواب. فماذا فعل الرئيس بوش لتصحيح الخطأ والجرم الذي ارتكب في حق دولة لها شرعيتها؟ أبسط الأمور أن يقول أمام الدنيا كلها والتي وضع "الشنيور الأمريكي الدقاق" في آذانها ليصمها عن كل شيء. إلا فكرة ضرورة الغزو الأمريكي للعراق علي اعتبار أنها مهد الشر والمحتكر الوحيد لينابيعه.. ولكن الرئيس بوش كعادته راح يكابر ويكابر.. فهناك فرق بين الاعتراف بالمصيبة. وبين الاعتذار عنها. وهذا ما أوضحه بجلاء في مقابلة تليفزيونية مع تليفزيون "إن. بي. سي".. فالاعتذار كما يقول بالحرف الواحد معناه "أن القرار كان خاطئا.. وأنا لا أعتقد ذلك لأن هذا معناه ان 25 مليون عراقي لا يعيشون الآن في مناخ الحرية". صدقت والله يا عم بوش.. فقد استطعت أن تقنع نفسك بالوهم والإيحاء. بأنك المنقذ لأهل العراق من ظلم وبطش صدام. بينما وللأسف الشديد لم يشعر العراقيون بالفرق. وإن كان هناك من فارق فهو لصالح صدام وليس لك.. لأن المعادلة كما يلي: ظلم وبطش في عهد صدام. أفضل من ظلم وبطش وقتل وشلالات دماء « احتلال واغتصاب وشفط ونهب خيرات البلاد! وبالنظر إلي طرفي المعادلة يتضح أي الكفتين أفضل.. العراق مع صدام مهما كانت الأخطاء التي سوقتها أمريكا. أم العراق بعد الغزو الأمريكي وسقوط القناع وانكشاف الوجه الحقيقي الذي يتاجر بالحريات ومكافحة الارهاب والإعمار وترسيخ حياة أفضل من أجل مواطنين يستحقونها. بالمناسبة الكتاب مليء بالأخطاء التي ارتكبها بوش والتي يكابر في الاعتذار عنها. بل إنه وكأنه مثل الذي يسير وهو نائم يفعل ما يفعل. ثم بعد أن يكتب اعترافاته في مذكراته بخط يده. يقول "مش أنا" وأن هناك من وسوس له في أذنه لكي يفعلها.. من بين تلك الأفعال والأخطاء تعليماته الصريحة لعناصر من وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية بأن يعرضوا بعض المتهمين في التخطيط لاعتداءات 11 سبتمبر لعملية التعذيب المسماة "الإيهام بالغرق". الطريف ان بوش رغم اعترافه بذلك ودفاعه عن هذا الأسلوب الذي يعتمد علي رقاد المعتقل علي لوح خشبي مائل ويكون رأسه إلي أسفل ويتم صب الماء علي وجهه فيصاب بإحساس بالغرق. إلا أنه يعترف بخطئه تارة ويري أنه أسلوب غير لائق إنسانيا. ثم نري بعد ذلك أنه مبسوط به حيث يراه أسلوبا مجديا وفعالا. لأنه أدي إلي انتزاع معلومات لإنقاذ البشرية! نقاط قرار. أم شطحات قرار.. حيرتنا. أيها الرئيس الأمريكي السابق.. أنت مخطئ أم غير مخطئ.. في مذكراتك نفرح كلما وجدناك تعترف بخطأ ارتكبته ونعتقد أننا في السطور التالية سنقرأ اعتذارك عنها. لكنك وبدلاً من ذلك إما أن تكابر وتجادل وتزين عدم الاعتذار. أو انك تبحث عن شماعة وتقول: "قالوا لي"!! E-mail:[email protected]