خلال زيارة أخيرة لواشنطون نري العاصمة الامريكية تموج بأحداث كثيرة تتناولها الصحافة ووسائل الإعلام الأخري ومؤسسات الفكر والجامعات بكل جدية وهو أمر يذكر للنظام الامريكي، الاحوال الداخلية وخاصة الاقتصاد الذي لم يتعافي بعد وزيادة البطالة بل ومعدلات الفقر واقتراب الانتخابات النصفية للكونجرس كانت هي اهم ما يشغل الرأي العام الامريكي، اما الشئون الخارجية فهي بالرغم من أهميتها وباعتبار الولاياتالمتحدة القوي العظمي في العالم تأتي في مرتبة بعيدة عن الشئون الداخلية، وأهم ما لاحظته هو الاهتمام بأمور السودان وقيام الادارة الامريكية واوباما خصوصا بدور نشط علي ضوء قرب الاستفتاء الخاص بجنوب السودان ورغبة واشنطون في العودة بقوة إلي هذا البلد الهام او الموارد الضخمة وخاصة النفط. بعد ذلك يأتي موضوع الحرب في افغانستان التي يبدو ان الولاياتالمتحدة في ورطة حقيقية فيها اذ مع كل الترسانة الحربية الامريكية ومساعدة دول حلف الاطلنطي لها بقوات ومعدات، الا ان كل ذلك لم يفلح في هزيمة طالبان أو الجماعات الافغانية الاخري التي تقاتل الامريكيين. وقد تزايد القلق في الشهور الاخيرة علي ضوء ارتفاع عدد القتلي والجرحي بين صفوف القوات الامريكية واعتقاد جزء كبير من الامريكيين بأن بلادهم ستتورط في مستقع مماثل لما حدث للاتحاد السوفيتي نفسه في افغانستان أو في حرب فيتنام. وقد رافق هذه المناقشات الحادة في وسائل الاعلام الامريكية صدور كتاب جديد لبوب وودورد الكاتب الشهير في جريدة الواشنطون بوست تحت عنوان »حرب أوباما« وجاء هذا الكاتب نتيجة بحث مضن قام به مع القيادات السياسية وعلي رأسها أوباما نفسه ومعاونيه وبين العسكريين والاستراتيجيين الامريكيين الذين اعطوا للمؤلف معلومات جديدة حول المناقشات الحادة والخلافات التي دارت بين القيادات الامريكية في البيت الابيض حتي تم التوصل إلي قرار زيارة القوات الامريكية في افغانستان. ومن المعروف أن أوباما خلال معركة انتخابات الرئاسة كان يؤكد عزمه علي سحب القوات الامريكية من العراق وزيادة القوات في افغانستان التي اولاها الاهمية الأولي في مقاومة الارهاب وتنظيم القاعدة باعتبار أن ذلك يؤثر علي الامن القومي الامريكي نفسه. والكاتب يوضح العلاقات الملتبسة بين العسكر والساسة في الولاياتالمتحدة. وبالرغم من ان الجيش الامريكي منضبط ويخضع للقيادات السياسية المدنية طبقا للدستور، الا ان الامر لا يخلو من بعض القادة العسكريين الذين يعميهم الغرور احيانا ويعتقدون ان الساسة في واشنطون لايفهمون في النواحي العسكرية التي يتدخلون فيها دون خبرة أو معرفة وان الامر يجب ان يترك تماما للعسكريين، هذا الامر بالمناسبة ليس حكرا علي الولاياتالمتحدة ولكن يذكر للقيادة الامريكية استطاعتها السيطرة علي مثل هذه الامور وخضوع العسكر- ولو علي مضض- لتوجيهات القيادة السياسية وهو ما تمثل منذ عدة شهور في اقصاء اوباما لقائد القوات الامريكية في افغانستان بعد ادلائه بتصريحات صحفية تهكم فيها علي مواقف السياسيين في واشنطون. بوب وودورد انتهي إلي تشاؤم حول مستقبل العملية العسكرية الامريكية في افغانستان خاصة مع فشل العسكريين في وعودهم المتكررة من زيارة القوات والعتاد، ووصل اوباما إلي قناعة ان العسكريين سيورطون الولاياتالمتحدة في حرب ممتدة لاتعرف نهايتها وسيورطونه شخصيا في وقت يسعي فيه اليمين الامريكي المتطرف الذي يدعو إلي زيادة انغماس الولاياتالمتحدة في حرب افغانستان باتهام اوباما بالتقاعس في الاستجابة إلي طلبات العسكريين. ويوضح لنا الكاتب كيف واجه أوباما بإصرار طلبات البنتاجون »وزارة الدفاع الامريكية« بالمطالبة في نفس الوقت بضرورة البحث عن استراتيجية الخروج »الآمن« من افغانستان اي سحب القوات الامريكية بطريقة لاتسيء إلي سمعة الولاياتالمتحدة وبعد التمكن إلي حد ما من استقرار الاوضاع الداخلية ومحاولة ادماج بعض عناصر طالبان المعتدلة في العملية السياسية، طالبان في رأيي حركة متطرفة تستخدم وسائل قمعية لإخضاع الشعب الافغاني وتريد العودة به إلي عصر التخلف باسم الدين وتوقع آلاف المدنيين القتلي في عملياتها، ولكن تضم ايضا عناصر معتدلة يجب استمالتها لمصلحة البلاد. ومما زاد من ورطة واشنطون في افغانستان عدم الوثوق في قدرة الرئيس الافغاني حامد كرازاي علي حكم البلاد واتهام إدارته بالفساد والرشوة في حين انه كان يعد »الصديق« الأول للولايات المتحدة واصبح الان ينتقدها علنا بالرغم من موافقة اوباما في ديسمبر الماضي بزيارة القوات الامريكية بمقدار 03 الف جندي واظهر المؤلف ان اوباما شعر ان العسكريين وبعض السياسيين يحاولون جره إلي مصيدة أو ورطة لن يستطيع الخروج وقتها وسيلقي اللوم عليه في النهاية في حالة فشل خطة حرب مستمرة تبدو بلا نهاية تستنفذ القوة العسكرية بل الاقتصادية للولايات المتحدة وقد واجه أوباما ذلك علي حد قول المؤلف برباطة جاش عميق ودقيق وحزم في نفس الوقت، ولذلك قال لوزير الدفاع بيل جيتس ووزيرة الخارجية هيلاري كلينتون قائلا »لن أمكث في السلطة عشر سنوات ولن اوافق علي انفاق تريليون دولار اخري. عنوان الكتاب حرب أوباما كما لو كان الرئيس الامريكي هو الذي شن الحرب ولكنه ورثها عن سلفه جورج بوش الذي وافق عليها بتأييد من اليمين الامريكي والعسكر في نفس الوقت. والولاياتالمتحدة بالفعل في ورطة في افغانستان وبالرغم من كل سياسات اليمين الامريكي المتطرف العالي الصوت والمدعوم من وسائل الإعلام القوية الا ان المستقبل غير مبشر واعتقد انه مع استمرار الاوضاع الحالية فان اوباما سيصل إلي قرار ببداية الانسحاب من افغانستان خلال فترة معقولة كما حدث في العراق وتقليل الخسائر العسكرية والسياسية وسيواجه الامة الامريكية بكل ذلك. هل سيؤثر ذلك علي مستقبله السياسي؟ الامر متروك لمدي ثقة الرأي العام الامريكي في رئيسه والقائد الاعلي لقواته. ان الشهور القادمة حبلي- كما يقول العرب- بالكثير من الامور. كاتب المقال : أمين عام الجمعية الافريقية