مازلنا نتساءل ما الذي يعرقل تحويل مصر إلي بوابة للاستثمار في أفريقيا.. أو تكون القاهرة مركزاً إقليمياً للتجارة والتصدير بين مختلف دول العالم والقارة السمراء؟! تمتلك مصر كافة المقومات لتلعب هذا الدور ابتداء من الموقع ووجود شواطئ علي البحرين المتوسط والأحمر إلي جانب قناة السويس أحد أهم الممرات المائية التي تستحوذ علي حوالي 12% من التجارة الدولية وستزداد أهميتها باكتمال المنطقة الاقتصادية التي تمتد من بورسعيد إلي العين السخنة وبها 6 موانئ يتم تطويرها للعمل بأحدث النظم لاستقبال وتحميل وتفريغ السفن والحاويات إضافة إلي المناطق الصناعية التي ستقام علي جانبيها والخدمات اللوجستية التي ستقدم.. فماذا يتبقي لتصبح مصر واحة التجارة الدولية والمدخل إلي أفريقيا؟ يظل عدم استقرار منطقة الشرق الأوسط هو الهاجس الأول الذي يؤخر تدفق الاستثمارات وعودة حركة التجارة الدولية إلي جانب الركود في الاقتصاد العالمي وانكماش معدلات تبادل السلع والبضائع بين الدول.. ولكن الأهم هو مناخ الاستثمار الذي مازال رغم الإصلاحات والتشريعات التي تمت وساهمت في تحسين المناخ فلابد أن نعترف بوجود روتين في الإجراءات خاصة من صغار الموظفين يفسد كل الجهود المبذولة لجذب المستثمرين. في المقابل فإن هناك صعوبات تواجه رجال الأعمال المصريين تجعلهم يحجمون عن الاستثمار في أفريقيا أو إرسال صادراتهم إلي دولها أو الاتفاق علي صفقات وإقامة علاقات تجارية مع نظرائهم في دول القارة السمراء. يحتل الجانب الاقتصادي والاستثماري الجانب الأكبر في زيارات الرئيس عبدالفتاح السيسي لدول العالم خاصة أفريقيا وهو الملف الأهم في جولته الأخيرة التي تبدأ بغينيا والسنغال وكوت ديفوار بعد أمريكا.. وجاء قرار الرئيس في ديسمبر الماضي بانشاء صندوق ضمان مخاطر الاستثمار في أفريقيا ليزيل واحدة من أهم عقبات إقبال المصريين علي الاستثمار في قارتهم حيث يتخوف أغلبهم من ضياع أموالهم لعدم استقرار الأمن أو ضعف البنية التحتية والتشريعية في العديد من الدول الأفريقية والظروف الاقتصادية المتغيرة مما يستدعي وجود جهة تضمن التعاملات التجارية والاستثمارية وتكون بمثابة التأمين عليها ضد المخاطر غير التجارية التي تنشأ عن أزمات سياسية وأمنية واقتصادية ومالية وقانونية ولا علاقة لها بمعايير الربح والخسارة أو نوعية وجودة السلع والمنتجات أو اشتراطات التنافس وتدبير الاعتمادات. استراتيجية .. وليست تجارة !! ** لا يمكن أن يستمر التبادل التجاري مع 45 دولة أفريقية عند رقم 6.2 مليار دولار خلال عام 2018 منها صادرات 4.2 مليار تمثل حوالي 7% فقط من الصادرات المصرية.. ومن غير المقبول ان يتوقف حجم الاستثمارات المصرية في دول القارة عند 10 مليارات دولار.. خاصة في ظل التنافس الدولي علي السوق الأفريقية الواعدة التي يبلغ تعداد سكانها مليار نسمة وتحتاج إلي التنمية وبناء قدراتها الاقتصادية وبنيتها الأساسية وتنتظر الاستثمارات والبضائع والمنتجات وتستوعب كميات كبيرة منها لوجود نقص في معظم المجالات.. وهو ما يجعل الصين تستثمر 200 مليار دولار وأمريكا 100 مليار دولار في أفريقيا.. ويزيد التبادل التجاري لكل منهما عن 80 مليار دولار سنوياً.. بخلاف أوروبا.. كما أن إسرائيل تسعي لتصل استثماراتها في قطاع الزراعة فقط بدول القارة إلي 40 مليار دولار. لم يعد الاستثمار في أفريقيا وزيادة التبادل التجاري مع دول القارة مجرد معاملات اقتصادية ينظر إليها من جانب الربح والخسارة فقط.. ولكنها يجب أن تكون علاقات استراتيجية لضمان أمن واستقرار مصر!! مطلوب سرعة تفعيل صندوق الاستثمار في أفريقيا وضمان المخاطر وتشجيع رجال الأعمال علي اقتحام أسواق دول القارة والدخول في شراكات مع نظرائهم وكفانا السنوات التي ضاعت ومصر بعيدة عن قارتها.. فقد تركنا الساحة لأصابع عديدة تمتد لتقطع الحبل المتين الذي يربط مصر بأفريقيا الذي يجب ان يظل موصولاً بمد كافة جسور التعاون.. ومساعدة دول القارة لتحقيق التنمية.. واستعادة الدور الريادي عن طريق تفعيل عمل الوكالة المصرية للتنمية التي حلت محل صندوق التعاون الفني مع أفريقيا وزيادة الخبراء والمستشارين وتدريب أعداد أكبر من الأفارقة والعمل علي تيسير الانتقالات وشق الطرق وأهمها "القاهرة- كيب تاون" وإعادة القوة للشركات المصرية حيث كانت الشعوب الأفريقية بلا استثناء تعرف قدر شركتي "النصر للتصدير والاستيراد والمقاولون العرب" وتحفظ أسماء الأطباء وخبراء الري والزراعة المصريين.. وأعتقد ان استعادة ذلك ليس بالأمر العسير فمازال الأفارقة يعرفون ما فعلته القاهرة من أجلهم وقت شدتهم وتحررهم من الاستعمار في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي بدليل أنهم بعد قرابة 50 عاماً من وفاته يقيمون تمثالاً لجمال عبدالناصر في جامعة باسمه في غينيا ويفتتحون مبني جديداً باسم الرئيس السيسي.. فمصر في قلوب الأفارقة وهم في عيونها!! رواندا .. الملهمة للعالم ** تظل أفريقيا ملهمة للعالم.. وأكبر كنوز الدنيا المدفونة وتسعي كل الدول لاكتشافها.. ومصر درتها وأبناؤها المعلم الأول للبشرية.. والحضارة ولدت علي ضفاف نيلها.. وأسرارها محفورة في أرضها.. ومع ذلك فأغلب المواطنين لا يعلمون شيئاً عن القارة السمراء.. أمهم التي تحتضنهم. عادت مصر بقوة إلي قارتها بعد غياب له أسبابه.. وأعطتها الدول الأفريقية القيادة "علي الأقل حتي نهاية العام".. فقد تأكد الطرفان.. ان أفريقيا بدون القاهرة "جسد بلا قلب".. ومصر تفقد قوة تأثيرها علي الساحة الدولية إذا تخلت عن الأشقاء الذين يلتفون حولها!! لم تعد أفريقيا تلهم العالم في النضال ضد العنصرية والتفرقة بين أبناء الوطن الواحد.. أو في التحرر من الاستعمار في الدول النامية.. ولكنها أصبحت تمثل المستقبل باعتبارها أرضاً خصبة وطبيعة بكراً وسوقاً هي الأسرع نمواً في العالم!! لو تتبعنا مسيرة نهر النيل إلي منابعه لوصلنا إلي دولة صغيرة تميل إلي شرق أفريقيا أطلقوا عليها "بلد الألف تل".. كانت منذ 25 عاماً مسرحاً لواحدة من أكبر المذابح العرقية والإبادة الجماعية في التاريخ.. حيث كان يسقط يوميا حوالي 10 آلاف قتيل لمدة 100 يوم متواصلة.. مما أسفر عن وفاة مليون شخص من قبيلتي "التوتسي" و"الهوتو" إلا أن الغالبية كانت من "التوتسي" وهم الأقلية التي تمثل 20% من السكان.. كانت الجثث في كل مكان وملأت النهر وكنا في مصر نخشي أيامها من تلوث مياه النيل.. وظن الجميع ان "رواندا" ستنقرض بعد أن تغوص في بحار من الدماء وتسود دعوات المطالبة بالثأر.. ولكن حقق الشعب الرواندي المعجزة.. وتحول إلي نموذج للتسامح والغفران يلهم العالم.. وكانت المكافأة ان تصبح بلادهم نمراً أفريقياً ينظر إليه باعجاب ليس فقط من ناحية النمو الاقتصادي الذي فاق كل التوقعات.. وإنما في الجانب الاجتماعي وفي نظافة مدنهم وشوارعهم وتخلصهم من الفساد الإداري. تخلص الروانديون من ميراث الانتقام والغضب.. وفتحوا صفحة جديدة بعد أن اختاروا الحياة علي الفناء.. وعرفوا أنهم شعب واحد يعيش تحت سماء واحدة.. وليس أمامهم سوي نسيان ما حدث أو علي الأقل تجاهله حتي تظل الشمس تشرق علي بلادهم.. وعليهم العمل معاً لبناء بلدهم وضمان مستقبل أفضل لأجيالهم.. وكما قال الرئيس الرواندي "بول كاجامي" يوم 7 أبريل الجاري في الاحتفال بمرور 25 عاماً علي التخلص من الكراهية: "كلنا جرحنا.. كلنا قلوبنا تنزف من الجروح.. كلنا قدمنا تضحيات.. لكننا لم نستسلم للغضب والخوف.. تشابكت الأيدي معا وأصبحنا عائلة واحدة.. فالراونديون قدموا لأنفسهم بداية جديدة"!! طوت رواندا صفحة الماضي.. وتغلب شعبها علي أحزانه فعادت الشمس تشرق في بلادهم من جديد.. حيث يعتقدون في تراثهم الشعبي "ان الشمس كل صباح تذهب لقضاء اليوم في مكان آخر.. لكنها تعود للنوم في رواندا"!! طقاطيق ** "الزيارة الأخيرة للملك".. باريس عاصمة النور هي آخر رحلات كنوز "توت عنخ آمون" وسيقضي بها 6 أشهر.. وبعدها ستنتقل 150 قطعة إلي المتحف الكبير ولن تخرج منه للتجول في أنحاء العالم كما صرح بذلك وزير الأثار.. باعت فرنسا قبل الافتتاح 100 ألف تذكرة لمحبي الأثار الفرعونية بخلاف ما يكتب في وسائل الإعلام الغربية ومازلنا في أول شهر.. هل رأيتم شعباً غير المصريين يعيشون في خير أجدادهم 7 آلاف سنة.. فهل نحافظ علي تراثهم؟! ** لائحة الجزاءات التي أصدرها المجلس الأعلي للإعلام.. أثارت الجدل وفرقت أهل المهنة ووضعت قيوداً غير مقبولة.. وسلبت اختصاصات المؤسسات ونقابتي الصحفيين والإعلاميين.. وسوف تسقط عاجلاً أو آجلاً.. وكان من الأفضل ألا يصدر هذا المجلس قرارات مهمة خاصة أنه يعتبر في حكم من يقوم بتسيير الأعمال وفقاً للقانون.. ننتظر من الأستاذ مكرم محمد أحمد التراجع عنها وإلغاءها ليظل محتفظاً بتاريخه كنقيب للصحفيين لعدة دورات!! ** بعد استقالة الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة.. مبروك للشعب الجزائري.. وليتهم يتعلمون من ثورات الربيع العربي.. ويتفادون أخطاءها.. مطلوب منهم الانتباه لمن يريد تفريقهم.. وليحافظوا علي وحدة بلادهم.. ويدرسوا جيداً أسباب ما يعاني منه الأشقاء في سوريا وليبيا واليمن.. فبلد المليون شهيد عزيزة علي كل عربي.. وحرام أن تتفكك إذا زرع البعض بذور الشقاق بينهم!!