أثارت رواندا ضجة كبرى في العالم كله خلال السنوات الماضية، بعد نجاح حكومتها في تحقيق اقتصاد متنامي، على الرغم ما شهدته من إبادة جماعية ضد عرقية "التوتسي" التي أدت إلى مقتل حوالي مليون شخصًا من شعبها. وتعد رواندا إحدى دول القارة الإفريقية التي لا تتمتع بواجهة بحرية، وتحدها من الشرق تنزانيا، ومن الشمال أوغندا، ومن الجنوب بوروندي، ومن الغرب جمهورية الكونغو الديمقراطية، ويبلغ عدد سكانها حوالي 11.6 مليون نسمة، بينهم 85% من عرقية الهوتو، و14% من التوتسي، و1% من جماعات التوا, وتبلغ مساحتها نحو 26.3 ألف كم مربع، وبذلك تعد أكثر دول إفريقيا كثافة سكانية، حيث تبلغ الكثافة بها 440 شخصًا لكل كيلومتر مربع، ويعيش حوالي مليون و300 ألف شخص، في العاصمة "كيجالي". وحققت رواندا تقدم اقتصادي مذهل أصبحت من خلاله دولة متقدمة بعد سنوات من الإنهيار، حتى أصبح يُطلق عليها في الآونة الأخيرة لقب "سنغافورة إفريقيا"، نظرًا لنموها الاقتصادي المزدهر، وسعيها لأن تصبح مركزًا تجاريًا إقليميًا في منطقة شرق إفريقيا. دخلت روندا تحت الاستعمار الألماني عام 1885، وبعد هزيمة ألمانيا في الحرب العالمية الأولى، وضعت رواندا تحت الانتداب البلجيكي بداية من عام 1922، وحصلت على استقلالها في عام 1962. وكانت عرقية "التوتسي" مسيطرين على حكم البلاد حتى حصولها على الاستقلال، ومع انتقال السلطة إلى "الهوتو" عام 1963، بدأت النزاعات العرقية في البلاد، واضطر مئات الآلاف من التوتسي إلى الهرب للدول المجاورة. وسقطت طائرة الرئيس الرواندي جوفينال هابياريمانا، ما أدى إلى مصرعه، واتهم الهوتو التوتسي بالوقوف وراء الحادث، وهو ما أدى إلى بدء عملية إبادة جماعية ضد التوتسي عام 1994، استمرت لمائة يوم، وقُتل خلالها حوالي مليون شخص من التوتسي. ولكن توقفت عملية الإبادة بعد نجاح "الجبهة الوطنية الرواندية" التي يتكون معظمها من التوتسي، من الدخول إلى العاصمة كيجالي، والسيطرة عليها. وجعلت تلك المجزرة المهولة، اقتصاد رواندا في حالة يرثى لها، وتم إغلاق المدارس والمؤسسات الحكومية، في حين تعرضت المباني والشوارع والمطارات للتدمير، وتم نهب المباني والممتلكات الحكومية، وتوقفت الحكومة عن العمل لأشهر عدة. وتمكنت الجبهة الوطنية الرواندية، وهي قوة تدخل من لاجئي التوتسي يقودها بول كاجامي، من هزيمة الجيش الرواندي ، واستولت على السلطة، وأصبح كاجامي الآن رئيسًا لرواندا، حيث أسس حكومة وحدة قادها مسؤولون من التوتسي. وأدى وصول كاجامي للسلطة إلى هروب مئات الآلاف من الهوتو من البلاد، خوفاً من التعرض للانتقام، ومنذ ذلك الوقت عاد نحو 1.7 ملايين من أصل مليوني رواندي فروا من الدولة في التسعينيات. وبدأت خطة الإصلاح الاقتصادي في رواندا في عهد الرئيس بول كاجامي، كما أن غالبية العائدين إلى رواندا بدأوا يستثمرون في العقارات، وينشأون مشاريع جديدة في البلاد، وكان ذلك أهم أسرار التقدم، حيث إن تقديم فرص عمل للشباب أدى إلى تقوية الشباب، وفي الوقت ذاته ساعد على تنمية البلد. ولعبت أيضًا النساء دورًا مهمًا في نهضة البلد، حيث كان 64% من أعضاء البرلمان الرواندي من النساء مقارنة ب22% في معظم دول العالم، حسب تقارير البنك الدولي، وبخلاف الدول الإفريقية الأخرى، تستطيع المرأة امتلاك الأرض، كما أنها ترث الأرض عن أبويها. وتعتبر هذه التغيرات الاجتماعية جزء من تحسنات ساعدت على تطوير الاقتصاد، ويعمل أفراد الهوتو والتوتسي أحيانًا مع بعضهم بعضًا كمستثمرين، في مشروعات متعددة لصناعة منتجات محلية مثل السلال، والحقائب اليدوية، والأحذية الجلدية، والمجوهرات من أجل بيعها للسياح، والتصدير إلى الخارج. وأصبحت رواندا صاحبة أحد أسرع الاقتصادات نموًا في القارة السمراء، منذ تولي الرئيس كاجامى السلطة عام 2000، ويعتمد اقتصاد البلاد على الزراعة وتربية الحيوانات والتعدين والسياحة. وجذبت تلك الإصلاحات التي طبقتها الحكومة الرواندية خلال السنوات ال 18 الماضية، اهتمام العالم، كما اكتسبت إشادة البنك الدولي وغيره من المؤسسات الدولية. كما ذكرت منظمة دول تجمع السوق الأفريقية المشتركة لدول شرق وجنوب أفريقيا "الكوميسا"، أن دولة رواندا تعتبر الآن واحدة من الدول الأفريقية الرائدة في مجال النمو الاقتصادي، حيث سجل اقتصادها النمو الأكبر على مستوى العالم منذ عام 2005، بمتوسط بلغ 7.5% . وأشارت "الكوميسا"، إلى أن الأداء الإيجابي في العديد من القطاعات الاقتصادية الرواندية على رأسها الزراعة، ساهم في التقدم الذي أحرزته رواندا خلال الآونة الأخيرة، إلا أنه بالمقارنة بجيرانها من الدول الأفريقية لاتزال هناك مجالات فيها أوجه قصور، أبرزها الصناعات الرقمية المستقلة. ووفقًا لإحصاءات المعهد الوطني للإحصاء في رواندا، حقق الاقتصاد الرواندي نموًا بنسبة 5.9% عام 2016، وبلغ الناتج المحلي الإجمالي 9 مليارات دولار. كما وصل حجم التجارة إلى 603.44 مليون دولار، فيما بلغت قيمة واردات البلاد في ذلك العام 439.30 مليون دولار، وقيمة الصادرات 164.14 مليون دولار، وتبلغ نسبة التجارة مع تركيا 10% من إجمالي تجارة رواندا الخارجية. وشملت الإصلاحات التي نفذتها الحكومة الرواندية، إجراء تغييرات جذرية على علم البلاد ونشيدها الوطني وهيكلها الإداري، من أجل محو آثار الإبادة الجماعية، وأيضًا إلغاء تصنيف السكان إلى هوتو وتوتسي في البطاقات الشخصية، والاكتفاء بكلمة رواندي. ويزدهر تشييد المنازل الجديدة والفنادق ومراكز التسوق في العاصمة كيجالي، التي تعد أكبر مدينة في البلاد، ويبدو أن الطلب على المنازل يتجاوز بكثير ما هو معروض، الأمر الذي رفع أسعار تأجير المنازل إلى معدلات كبيرة في المدينة، كما يجري العمل على قدم وساق لإنشاء مطار جديد. وهكذا تخطو حكومة روندا وشعبها سويًا، بخطوات واثقة في طريق الازدهار الاقتصادي، عبر تحقيق السلام الاجتماعي، مخلفة وراءها التمييز العنصري الذي أشعله الاستعمار، وتسبب في الإبادة الجماعية التي شهدتها البلاد.