كان الله في عون العرب والعروبيين هذه الأيام. فهم يرون أمتهم تئن وتتوجع وتنزف وتتراجع وتتداعي عليها الأمم كما تتداعي الأكلة علي قصعتها. دماء العرب تسفك في سوريا والعراق وليبيا واليمن وفي مناطق أخري من العالم العربي. ملايين العرب باتوا في عداد المهجرين والمشردين بعد أن تم اقتلاعهم من جذورهم وبعد ان تم هدم وتخريب منازلهم ومزارعهم ومتاجرهم. بعض العرب فر إلي المنافي بعد أن تعذر عليهم ايجاد مكان لهم في أوطانهم. أموال الأمة تهدر وتذهب بالمليارات إلي غير ابنائها. باختصار كل المشاهد الصادرة عن الأمة تثير الفزع والحزن وتترك في الحلق غصة وتطرح علي المراقبين سؤالاً واحداً.. العرب إلي أين؟ يا إلهي القدير لماذا تركتنا ننغمس في الأيام والذنوب.. لماذا تركتنا نعظم الدنيا إلي هذا الحد؟ كيف تفرقنا بعد أن جمعنا الله.. يا إلهي لا أكاد أصدق ما تراه عيناي وما تسمعه اذناي يقتل بعضنا بعضا ويتهم بعضنا بعضا ويعاير بعضنا البعض ونحتمي بالغرباء من بعضنا البعض. هل نسيتم يا عرب أنكم خير أمة أخرجت للناس؟ هل نسيتم انكم الأمة الوسط وانكم الأمة المرحومة؟ هل نسيتم انكم كالجسد الواحد إذا اشتكي منه عضو تداعي له سائر الأعضاء بالسهر والحمي؟ إلي أين يا عرب؟ يقول البعض ان الإسلام يتعرض للتشويه علي يد أبنائه والحضارة العربية تتعرض للدمار المادي والمعنوي ومهددة بالانهيار.. ربما تكون هذه المقولة نابعة من حالة حزن حقيقية تنتابنا جميعاً وربما تكون من قبيل التحذير حتي يعود العرب إلي الحكمة والرشد والنضج وقيم الإسلام الدافعة إلي التقدم والعلم ومازال أمام العرب الفرصة لكي يثوبوا إلي رشدهم ويتصالحوا ويجمعوا صفوفهم مثلما حدث عقب هزيمة 1967 حتي نحقق نصر أكتوبر 1973 الذي جسد وحدة العرب وارادتهم. إن المستقر في يقيني ان الأمة العربية لا ولن تموت رغم ما يثخن جسدها من جراح ورغم ما يعترض طريقها من صعوبات وعقبات جسام لأن أمتنا تحمل في داخلها عوامل البقاء والقدرة علي تصحيح الأخطاء وفي التاريخ شواهد علي صحة ما نقول: في العام الخامس الهجري كانت غزوة الأحزاب أول محاولة لاستئصال المسلمين والقضاء عليهم في المدينةالمنورة فقد تحرك الاعداء من الخارج والمنافقون من الداخل لكن هذه الأمة تحملت الحصار والخيانة فاندحر العدوان. بعد ذلك بقرون وجدت الأمة نفسها أمام امتحان عسير تمثل في الغزو الصليبي من الغرب ثم الاجتياح التتري من الشرق وهبت الأمة وطردت الغزاة الصليبيين وانكسر التتار علي يد الجيش المصري بقيادة سيف الدين قطز. وفي العصر الحديث ابتليت الأمة بالاحتلال الغربي واتفاقية سايكس بيكو التي مزقت الأمة ووضعت حدوداً وهمية بينها ثم حل الاستعمار الأمريكي محل الانجليزي والفرنسي ومازال الغرب يزرع الفتن بين أبناء البلد الواحد ويثير الحروب ويصنع الأزمات والأحداث ويوظفها لمصالحه. في لحظات كثيرة اعتقد البعض ان الغرب قضي علي الأمة وفي لحظات أخري ظن البعض الآخر ان الأزمات التي مرت بها الأمة قد قضت عليها لكن الحياة لا تلبث ان تعود إلي هذه الأمة بعدما اعتقد اعداؤها أنها ماتت فهي أمة حية ولن تموت أبداً.