شهدت الأيام الماضية زخمًا أفريقيًا متعدد الأنشطة والمجالات في شرم الشيخ وفي القاهرة عكست مدي اهتمام القاهرة بأفريقيا.. وشهد هذا الزخم الرائع والمميز أحداثًا عديدة إيجابية كلها تصب في صالح القارة السمراء.. وأكدت الاهتمام المصري بمستقبل القارة.. ليس فقط باعتبارنا أحد أهم أعضاء المنتدي الأفريقي وأحد أبرز قادة القارة.. ولكن أيضًا لأن كل الشواهد والمعطيات الحالية تؤكد أن الغد والمستقبل سيكون لأفريقيا. السؤال الذي طرح نفسه بقوة هو: أين الإعلام الأفريقي؟ أو بالأدق أين إعلامنا في أفريقيا؟ اننا نحقق إنجازًا قاريًا في مصر بشكل رائع ولكن الأفارقة لا يعرفون حجم وكَّم وحقيقة هذه الإنجازات فأين نحن؟ السؤال طرح نفسه بقوة قبل أن تصلني دعوة كريمة من اللواء طارق المهدي محافظ الإسكندرية الأسبق ورئيس المنتدي المصري للإعلام حيث قال لي إنه في إطار الإعداد والتحضير للمؤتمر الدولي "مصر أفريقيا".. آفاق مستقبلية فإن المنتدي سينظم صالونًا ثقافيًا يوم السبت 22 ديسمبر الحالي بمكتبة القاهرة الكبري بالزمالك. ودعاني لأكون متحدثًا في الصالون إلي جانب نيافة الأنبا أرميا رئيس المركز الثقافي القبطي الأرثوذكسي حول دور الإعلام في التواصل وتنمية العلاقات المصرية الأفريقية.. وبالطبع رحبت بشدة خاصة أنني أعرف اللواء طارق المهدي جيدًا وأعرف طموحه الكبير من خلال المنتدي الذي يضم عددًا مميزًا من رجالات مصر في مجلس الأمناء. وأعرف طموحه المميز في هذا المجال.. كما أن موضوع الندوة كنت قد أثرته من قبل في نفسي ومع عدد من الأصدقاء. وأعترف هنا أن ما جال بخاطري في البداية هو: أين الإعلام المصري في أفريقيا؟ ولماذا لا يكون لنا دور فعال في هذا المجال. في عهد الرئيس جمال عبدالناصر كان التوجه المصري واضحًا تجاه أفريقيا ومساندة ثورات التحرر الأفريقي. وكان هناك اهتمام إعلامي بهذا التوجه مثل إنشاء الإذاعة الموجهة.. وأذكر أن قطاع الإذاعات الموجهة كان يضم حوالي 36 محطة إذاعية أكثر من نصفها كان موجهًا لأفريقيا بلغة أهلها مثل السواحلية أو لغة مستعمريها إنجليز وفرنسيين بالذات.. لذلك كان التقارب المصري الأفريقي رائعًا ومميزًا.. أضف إلي ذلك المكاتب الإعلامية سواء داخل السفارات المصرية أو مكاتب مستقلة تابعة للهيئة العامة للاستعلامات. وكان هناك منصب المستشار الثقافي في معظم السفارات تم تقليص عدده بشكل كبير في السنوات الأخيرة خاصة قبل وبعد عام ..2011 وكانت هناك شركات اقتصادية وكيانات اقتصادية مصرية كبيرة تعمل في أفريقيا وكان لها دور إعلامي وثقافي وسياسي كبير خاصة شركة النصر للاستيراد والتصدير. ثم شركة المقاولون العرب التي يبدو أنها ستعود لدورها انطلاقًا من سد تنزانيا خلال أيام. أذكر أنني سافرت مرافقًا لفريق المقاولون العرب لمواجهة أحد فرق كوت ديفوار عندما كان اسمها ساحل العاج عام ..1982 وكان مبني النصر للاستيراد والتصدير أهم مباني العاصمة أبيدجان وأكثرها شهرة.. كذلك البنك الأفريقي وكان مديره مصريًا وبرغم أن كوت ديفوار كانت مستعمرة فرنسية وكان للفرنسيين دور كبير في اقتصادها والعلاقات داخل الدولة إلا أن مصر كان تأثيرها موازيًا ومماثلًا إن لم يكن أكبر أحيانًا.. لدرجة أن أهم إنتاج لساحل العاج آنذاك كانت شركة النصر للاستيراد والتصدير تقوم بتصدير أكثر من نصف الإنتاج الوطني هناك. اسم مصر وإنجازات مصر وأي دور لمصر في هذه الدول كان له دوي إعلامي كبير.. وفي دول غرب أفريقيا المسلمة كان للأزهر دور أكبر ولرجال الأزهر أو الدارسين في الأزهر من أبناء هذه الدول تأثير إعلامي غير عادي.. وكذلك الدول المسيحية وأهمها إثيوبيا حيث كانت الكنيسة الأرثوذكسية القبطية هي الأكثر تواجدًا وتأثيرًا في أديس أبابا.. بخلاف تأثيرات أخري عديدة. ولعل من المصادفات الطيبة أن شهر ديسمبر من كل عام نحتفل فيه بعيد النصر الموافق يوم 23 ديسمبر عندما انتصرت مصر علي العدوان الثلاثي: بريطانيا وفرنسا وإسرائيل حيث شهدت هذه الحرب تضامنًا للشعوب الأفريقية مع مصر بشكل رائع وكانت الشرارة الأولي لانطلاق ثورات التحرر الوطني في معظم دول القارة بحثًا عن الاستقلال. استكمالاً للسؤال عن الإعلام في أفريقيا يفرض السؤال الثاني نفسه: وماذا نحن فاعلون؟ الإذاعات الموجهة لم تعد ذات تأثير. وهي حقيقة لكن البوابات الإلكترونية بلغات أفريقيا يمكن أن يكون لها تأثير كبير جدًا خاصة إذا استخدمنا التكنولوجيا المتطورة.. وكذلك إنتاج بعض البرامج المصرية والعربية والأفريقية حتي لو بدأنا ببرامج ثقافية ودينية وعرضها علي قنوات تلك الدول.. فإن مثل هذه البرامج إذا نجحت في مخاطبة القلوب والعقول.. فإنها ستكون وسيلة فعالة للتواصل والتعاون الاقتصادي بعد ذلك. أفريقيا برغم ما عانت منه خلال فترات الاستعمار من نهب لخيراتها وثرواتها الطبيعية إلا أنها في رأي خبراء الاقتصاد مازالت أرضًا بكرًا تستطيع أن تستوعب مشروعات اقتصادية عالمية خاصة أن العالم يتطور تكنولوجيًا بشكل مخيف حيث ستندثر وظائف وأعمال كثيرة عالميًا.. وفي أفريقيا يمكن أن نبدأ من جديد وأعتقد أن الصين بالذات تنبهت إلي تلك الحقيقة وبدأت منذ عدة سنوات تعاونًا مثمرًا مع القارة السمراء وحققت الصين مكاسب عديدة في هذا التعاون الذي كان أيضًا لصالح دول القارة. وأذكر أنني والأستاذ الصديق سعيد عبده رئيس مجلس إدارة دار المعارف والصديق المهندس عبدالصادق الشوربجي رئيس مجلس إدارة روزاليوسف تلقينا دعوة من إحدي المطابع التجارية الكبيرة في إيطاليا والتي تطبع 30 مليون كتاب شهريًا وفوجئنا أن معظم هذه الكتب تطبع في إيطاليا لصالح دول أفريقية وأخري عربية وشرق أوسطية.. وكان التفاوض حول نقل هذه المطابع إلي مصر بشراكة من المؤسسات الثلاثة بحيث يكون إنتاج هذه المطبعة موجهًا لأفريقيا تحديدًا وقطعنا شوطًا كبيرًا في هذا المجال غير أن هناك أسبابًا لا داعي لذكرها الآن أوقفت تلك المفاوضات ولكن المهم هو الدرس.. حيث إن ذلك يعني أن أفريقيا يمكنها أن تكون سوقًا رائجة للثقافة والطباعة والإعلام والسينما.. وكل فنون التواصل بين الشعوب.. وهو الأسلوب الأمثل للتقارب إلي جانب الدعوة الدينية.. والتواصل الإنساني. ومن خلال هذه الوسائل يمكن أن نبدأ مشروعاتنا الاقتصادية الكبري التي أعلن عنها الرئيس السيسي في منتدي أفريقيا.. وكذلك صدرت عن المؤتمرات والاجتماعات الأفريقية التي شهدتها مصر مؤخرًا. نحن ببساطة في أمّس الحاجة إلي التواصل الإعلامي مع دول القارة الأفريقية والتي تربطنا بها بالفعل علاقات قوية تاريخية وحاضر كشف عن نفسه بقوة في شرم الشيخ ومستقبل رائع إن شاء الله إذا نفذنا وبدأنا بالفعل في تطبيق التوصيات والرؤي خاصة تلك التي عبّر عنها بصدق الرئيس السيسي سواء في كلماته أو مداخلاته.. المهم أن نبدأ وبسرعة ويكون الإعلام مشاركًا بإيجابية لتحقيق ما نريد إن شاء الله.