في مؤتمر الشباب السادس بجامعة القاهرة ركز الرئيس عبدالفتاح السيسي علي قضية إعادة بناء الإنسان المصري.. وفي خطاب تكليف حكومة المهندس مصطفي مدبولي أكد الرئيس السيسي علي نفس القضية مما يؤكد أهميتها في مصر هذه الأيام خاصة أنها قضية حساسة تمس حاضر ومستقبل الوطن وتؤكد علي حق الأجيال القادمة في أن تحيا حياة كريمة تستحقها وأن تعيد مصر إلي مكانتها. الإنسان هو محور كل شيء.. لذلك فإن الله سبحانه وتعالي كرمه تكريماً وهو الخالق البارئ المصور.. وجعله خليفة في الأرض.. وكانت الخلافة في الأرض هي قاعدة وجود الإنسان الأساسية ومنها تتفرع كثير من الفروع غير أن القاعدة الأهم.. بل أساس كل القواعد هي أن الإنسان عندما يميل إلي الخير والإيمان فإنه يعلو وترتفع مكانته حتي ولو كان فوق الملائكة بدليل ان الله سبحانه وتعالي أمر الملائكة بأن تسجد لآدم أي تسجد لقدرة الله في خلق آدم.. وقدرة الله في أن يكون آدم- أبو البشر- هو خليفة الله في الأرض.. أما إذا مال الإنسان إلي الشر والكفر والابتعاد عن الله فإنه يهبط إلي أسفل سافلين.. وصدق الله في سورة البقرة عندما حكي عن قوله أنه سبحانه جاعل في الأرض خليفة ثم كيف أزل الشيطان آدم فغوي فهبط من الجنة إلي الأرض.. لأن الجنة لم تكن المستقر والمقام الحقيقي للإنسان بل الأرض هي مقام الانسان ومستقره لذلك قال سبحانه وتعالي: "قلنا اهبطوا منها جميعا فإما يأتينكم مني هدي فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون". تلك هي أساس الخلافة.. من تبع هدي الله فلا خوف عليه ولا يحزنون في الدنيا والآخرة.. ومن كفر وكذب بآيات الله ففي النار خالداً فيها أبداً. من هنا يكون أساس إعادة بناء الإنسان هو تصحيح مساره الإيماني وتجديد خطابه الديني لكي يعرف الطريق في الدنيا.. وإلي الآخرة. تلك المقدمة وإن كانت طويلة إلا أنها ضرورية عندما نتحدث عن إعادة بناء الإنسان المصري لأن هناك عدة ملاحظات أراها أيضا مهمة في هذا المجال. أولا: إعادة البناء لا تعني بالضرورة الهدم لما تبقي ثم البناء من جديد.. لأن ما تبقي ليس بالضرورة كله سيئ.. وبالتالي فلا مبرر للهدم ثم إعادة البناء بالكامل خاصة ان الإنسان ليس مادة فقط بل المقصود بإعادة بناء الإنسان المصري الروح والفكر والثقافة والدين والتعليم قبل أي شيء آخر وبالتالي فإن إعادة البناء يكون علي الواقع الحادث الآن وليس بالضرورة الهدم ثم البناء. الخصائص الثقافية والاجتماعية للإنسان المصري التي تغيرت بشكل كبير وسريع في السنوات الأخيرة تحتاج إلي توصيف وتحديد واضح أولا خاصة ان الشخصية المصرية الحديثة تعرضت لضغوط وعوامل شديدة أثرت علي الظاهر منها.. فهي- أي الشخصية المصرية- متدينة بطبعها لكنها تأثرت بضغوط دينية سلفية سواء في الدين الإسلامي أو المسيحي كما تعرضت لمفاهيم ودعوات دينية سياسية أثرت علي المظهر الاجتماعي بل والاقتصادي للمجتمع وبالتالي علي الانسان ذاته.. وانعكس ذلك علي ضغوط الجارية في مواجهة تلك السلفية. ومن هنا يأتي تجديد الخطاب الديني ضرورة الآن انطلاقا من الواقع وتطلعا نحو المستقبل وتأثرا بالعالم كله وما يدور حولنا قبل ما يدور داخل المجتمع. وقبل تجديد الخطاب الديني لابد من تجديد الخطاب المجتمعي والثقافي بدءاً من تجديد التعليم بحيث يكون تطلعا نحو المستقبل وليس وسيلة للوظيفة. في عهد محمد علي- وهي بداية النهضة المصرية الأولي- كان التعليم أساس الوظائف العليا.. وبالتالي ارتبطت الوظيفة بالتعليم ومستوي التعليم وظلت هذه العلاقة مستمرة حتي الآن.. وأصبح لدينا خريجون لا يصلحون لوظائف معينة حتي في تخصصهم.. بل ان هناك تخوفا من خريجي بعض الجامعات الخاصة في تخصصات حساسة لأن هذه الجامعات اعتمدت علي المصروفات العالية أولا.. ثم الدروس الخصوصية للثانوية العامة ثانيا.. وليست علي كفاءة الطالب نفسه. التعليم الجديد يحتاج إلي الاهتمام بكفاءة وامكانيات وقدرات الإنسان وتطويرها وتحقيق أقصي استفادة منها علي المستوي الإنساني أولا ثم المجتمعي ثم علي مستوي الوطن وأخيراً علي المستوي العام أي الانسانية كلها. وهناك قضية خطيرة في هذا المجال.. أقصد بها براءة الطفولة التي نهدرها بأيدينا.. سواء الطفولة المهدرة في الدراسة قبل الابتدائي أو بالتكنولوجيا الحديثة.. أو الطفولة التي لم تحصل علي حقها في التعليم منذ يومين شاهدت عدداً من الأطفال علي كوبري أكتوبر تتراوح أعمارهم وأعمارهن من سنتين إلي خمس سنوات بين السيارات في محاولات للتسول عبر بيع المناديل والمصاحف.. وشاهدت آنسة أو سيدة في منتصف العمر تقود هؤلاء الأطفال علي الكوبري وتوجههم.. بل والأدهي من ذلك أن هناك اشارات خاصة بين الأطفال بعضهم البعض.. وذلك في الوقت الذي ذهب أطفال في نفس السن إلي المدارس أو يستعد آخرون للدراسة وبعضهم تدفع أسرته عشرات الآلاف من الجنيهات للمدرسة كمصروفات دراسية سنوية. بين هذه الحالة وتلك وقفت أتأمل وأتساءل ماذا يحدث لطفولة مصر.. وهل يمكن أن تتحول هذه البراءة إلي قنابل موقوتة؟ أطفال الشوارع أو بالأدق أطفال التسول قنابل موقوتة يمكن استغلالها بالفعل.. ويمكن أيضا أطفال التقريب في المدارس الدولية بعيدا عن قيمنا المجتمعية وظروفنا العامة والذين سيرضعون ثقافة غريبة علينا.. هم أيضا قنابل موقوتة وتحتاج لدراسة حتي نحولها إلي محركات عمل وأمل في الغد..!! قضايا التعليم خطيرة جداً.. وكذلك قضايا الصحة سواء الصحة الجسدية والصحة النفسية.. وغلاء أسعار العلاج.. وأسعار كشف الأطباء التي لم تعد في قدرة الكثير من الناس. هذه القضايا مع غيرها من قضايا إعادة بناء الإنسان المصري أصبحت ضرورة للغاية.. ونحتاج إلي خطة عمل تشارك فيها منظمات المجتمع المدني ووسائل الإعلام وعدة وزارات خاصة التعليم والتعليم العالي والشباب والثقافة والأوقاف والأزهر والكنيسة. وإلي مقال مقبل نواصل ان شاء الله. البراءة في عيون قناص اهتمت وسائل التواصل الاجتماعي في الأيام الأخيرة بصورة لقناص من رجال الشرطة المصرية هو النقيب أحمد خالد نافع وهو يمسك بيد طفلة بريئة يربت عليها برغم أنه كان في مهمة للقبض علي والدها المتهم بتجارة المخدرات. قدم نافع درسا في الانسانية والوطنية والإخلاص لمهنته والانتماء لوطن عظيم أنجب عظاما مثله.. رسم الابتسامة والرضا علي وجه الطفلة البريئة برغم ان يده الأخري كانت تحمل السلاح بعد أن نكس سلاحه حتي لا تخاف الطفلة. قام بمهمته بنجاح لكنه قدم النموذج الانساني الرائع قبل أن ينجح في مهمته الأمنية.