"تفاهموا.. تفاعلوا.. تسامحوا مع الآخرين.. ولا تجعلوا الاستعلاء بالدين وسيلة لتدمير الأمم".. ببساطة شديدة يحدد السيسي في مؤتمر الشباب أسس تجديد الخطاب الديني.. فهل يأخذ المسئولون عن ملف التجديد هذا الخيط للعودة إلي العمل الجاد من أجل تجديد الخطاب الديني.. أم أن هذا الملف خرج ولم يعد بعد..؟! التجديد - كما قلت سابقاً - لا يعني التطوير بل يعني الإحياء وهو ليس بدعة.. بل حث عليه رسولنا الكريم واهتم به العلماء الثقاة في عصور النهضة الإسلامية ولكن عندما يتسلط الجهل فإنه يستخدم الاستعلاء بالدين - أي دين - ليكون وسيلة للاستعلاء الذي يؤدي إلي التطرف ومن ثم طريقاً للعنف.. ثم الإرهاب. الاستعلاء بالدين أو بفهم الدين الخطأ البعيد عن مقاصد الشرع.. هو البداية.. لأننا نتناسي قول رسولنا الكريم "كلكم من آدم.. وآدم من تراب" ونتناسي أن الانسان - بغض النظر عن دينه - هو الخليفة الذي جعله الله في الأرض "وإذ قال ربك إني جاعل في الأرض خليفة" ويقول سبحانه وتعالي: "ولقد كرمنا بني آدم".. فالتكريم والخلافة هنا للانسان أي آدم وبنيه. ولأن الدين في أساسه هو الخير للبشرية لأنه من عند خالق البشر ورب العالمين.. فقد كان "رب" العالمين رازقا للجميع ومعطياً للجميع.. ولكن "الله" يحاسب المؤمن والكافر والعاصي والمنافق علي الطاعة لأوامره ونواهيه فهو "الله" سبحانه وتعالي أرسل الرسل برسالاته لخير البشر ويقول سبحانه وتعالي: "ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن ليبلوكم في ما آتاكم فاستبقوا الخيرات".. ومن يفهم ختام هذه الآية وهي استبقوا الخيرات يعلم أن الناس كلهم ليسوا سواسية وأن السباق نحو الخير هو الهدف.. أي السباق نحو خير البشر وخير البشرية وخير الأرض التي هو مستخلف فيها لذلك عندما يقول السيسي: "تفاهموا.. تفاعلوا.." فهو يطالبنا بإعمال العقل والتدبر وهي فريضة إسلامية كما هي فريضة انسانية.. لأن العقل هو أسمي ما خلق الله للانسان.. وفي حديث قدسي يقول رب العزة عن العقل: "وعزتي وجلالي ما خلقت خلقا أفضل منك.. إياك آمر وإياك أنهي وبك اثيب وبك أعاقب".. لذلك نجد آيات كثيرة في القرآن تحثنا علي إعمال العقل ويقول سبحانه وتعالي: "أفلا تعقلون".. ويقول: "أفلا تتدبرون".. "أفلا تذكرون".. وهو ما يؤكد قيمة العقل التي دعا إليها الرئيس الشباب: تفاهم.. والتفاعل ثم التسامح عندما يقول: "تسامحوا مع الآخرين.. وعندما يرفض الاستعلاء بالدين ويحذر من انه وسيلة لتدمير الأمم.. فهذا هو ما حدث ويحدث في تاريخ الانسانية. الدين محور تشريعي - كما يقول العلماء - كافل لحصانة النفس وتأمين كمالها.. لذلك كان الإسلام مهتما بالفرد والجماعة ولم يفصل الفرد عن الجماعة سواء كانت مجتمعاً صغيراً.. أو مجتمعا دينياً أو مجتمعاً حضارياً أو مجتمع البشرية ككل. ان كلمات الرئيس هي المدخل السهل للتجديد في الخطاب الديني لأنه ليس تطويراً.. بل احياء لحقائق تشريعية وشرعية في ديننا الحنيف منذ أن خلق الله آدم حتي يوم القيامة.. حيث جعل الله الدنيا داراً أولي.. بينما كانت الدار الآخرة هي الأبقي سواء كانت جنة أو ناراً. يقول سبحانه وتعالي: "وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر".. حتي تتحقق حرية الانسان في الاعتقاد.. لكن الله في بقية الآية يحذر "إنا اعتدنا للظالمين ناراً أحاط بهم سرادقها وان يستغيثوا يغاثوا عباد كالمهل يشوي الوجوه بئس الشراب وساءت مرتفقا". هذه هي الدار الآخرة لمن أراد أن يكفر أما المؤمنون "ان الذين آمنوا كانت لهم جنات الفردوس نزلا خالدين فيها لا يبغون عنها حولا". هذا جزاء المؤمن.. وذاك جزاء الكافر في الدار الآخرة.. أما في الدنيا فلا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي.. وعندما يطالب الرئيس شباب العالم بأن يتفاهم ويتفاعل فهو يطالبه بإعمال العقل وعندما يطالب شباب العالم بالتسامح فهو يطالبهم بإعمال ضمائرهم التي هي الهادي لهم إما للخير أو للشر. أما شباب المسلمين فإنهم مطالبون بفهم مقاصد الشريعة واعمالها علي الواقع الحاضر الذي يعيشونه..!! إذا كان منتدي شباب العالم فرصة للتعارف بين الشباب والفهم الصحيح.. وإذا كان رسالة مصرية جادة فإنه أيضا دعوة متجددة للتجديد وإظهار حقيقة الإسلام المتسامح الوسطي الذي يعتمد علي العقل والروح والضمير..!! ولقد اتفق العلماء علي ان مقاصد الشريعة الإسلامية تستهدف القيم العليا التي تكمن وراء الصيغ والنصوص يستهدفها التشريع سواء في الكليات أو الجزئيات. ومن يتابع مقاصد الشريعة أي الغاية منها وأسرارها التي اهتم بها الشارع الحكيم عند تقرير كل حكم من أحكامها يجدها لا تستهدف إلا خير البشرية وإعمار الأرض.. ولا تريد بنا إلا اليسر وترفض العسر.. دون دخول في تفاصيل تؤيد ذلك وهو ما يواجه بقوة دعاوي التطرف والعنف ناهيك عن الإرهاب. عندما يحذر الرئيس السيسي شباب العالم من الاستعلاء بالدين - أي دين - لأنه وسيلة لتدمير الأمم فهو يحدد بوضوح أسس التجديد لأنه يؤكد أن الدين - كل دين - يرفض الاستعلاء به لأنه لا يستهدف إلا خير البشر باعتباره الدين الذي شرعه خالق البشر وخالق الأرض رب العالمين سبحانه وتعالي.. وكما يقول الله سبحانه وتعالي: "ألا يعلم من خلق". قد يسأل سائل: وأين هي المشكلة؟ المشكلة ببساطة شديدة هي التأويل الخطأ فهناك من يري أن هناك نشازا بين النصوص الشرعية والمقاصد الشرعية لدرجة أن بعضهم للأسف يعتمد علي أن الغاية تبرر الوسيلة وهو قول خطأ بكل المقاييس بل ان هذه القاعدة تعد من أسس هدم الأخلاق بل والتأثير السلبي علي الدين.. كما أن هناك من يعتمد علي ظاهر اللفظ فقط ولا يبحث عن عمق المعني لهذا اللفظ أو المقصد الشرعي منه.. ومن يتعامل بهذا المنطق يجد من يقوم بدور الشيطان ليزين له ما يقوله.. فيكون كمن كان آلهه هواه فالله سبحانه وتعالي هو الذي خلقنا وهو أعلم بمن خلق وهو سبحانه وتعالي أعلم بحاجات الناس إلي يوم القيامة. وإذا اتفقنا علي أن الشريعة - كما يقول كثير من العلماء - وضعت للحفاظ علي الضرورات وحدودها بخمس أو ست وهي الدين والنفس والنسل والمال والعقل وخير المجتمع.. فالحفاظ علي الدين الذي أنزله الله علي محمد هو الهدف الأسمي للشريعة وكذلك حماية النفس المعصومة من القتل.. وكذلك حماية العقل.. ويقول الله سبحانه وتعالي مخاطبا نبيه المصطفي - عليه الصلاة والسلام: "ثم جعلناك علي شريعة في الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون".. وهذا ما يؤكد أن شريعة الله هي الأفضل وأن النبي - صلي الله عليه وسلم - يعلمها جيداً ومتمكن منها ولذلك أمره الله سبحانه وتعالي باتباعها وهو أمر لكل المسلمين لأنها في الأساس مبنية علي مصالح العباد في المعاش والمعاد كما يقول ابن القيم. الشريعة هي "عدل" الله بين عباده و"رحمته" بين خلقه و"ظله" في أرضه و"حكمته" الدالة عليه وعلي صدق الرسالة.. وكل خير في الوجود حاصل بها ومستفاد منها وكل نقص أو سيئ إنما ناتج عن اضاعتها.. والشريعة ترعي مصالح العباد في الدنيا والآخرة.. وترعي مصالح الفرد والجماعة.. وجاءت بتحصيل المصالح وتكميلها وتعطيل المفاسد وتقليلها وهذا أبسط دليل علي أن التطرف والغلو والعنف والإرهاب بل وكذلك التسيب واللامبالاة والمجون ضد الشريعة لأنها - أي الشريعة - ترجح خير الخيرين وشر الشريرين. وإذا كانت الشريعة هي لخير الانسان تأييداً لما ذكرناه في تكريم الله سبحانه وتعالي للانسان وقد أكد ذلك رسولنا الكريم في حجة الوداع قائلاً: "أيها الناس ان دماءكم وأموالكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا" وهذا يعني أن من يقتل أو يسفك دماً أو يسرق مالاً ليس له فهو يتعدي الحدود الإلهية في تكريم الانسان. وهناك نص صريح في القرآن بقوله سبحانه وتعالي: "ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق".. فالقتل هو هدم لبناء إرادة الله سبحانه وتعالي. المطلوب وبسرعة أن يعاد فتح ملفات تجديد الخطاب الديني فور الانتهاء من منتدي شباب العالم ولتكن رسالة مصر للعالم كله هي الوسطية ورفض التطرف والغلو والعنف استكمالا لحربنا المقدسة ضد الإرهاب. همس الروح ** الموت يقتل فينا حب الحياة.. لكن الذكريات تبقي. ** الموت هو الحقيقة الوحيدة التي نتعامل معها كوهم. ** الحب يختنق بكثرة السؤال والقيل والقال. ** الحب هو الصدق الوحيد في مشاعر الناس.